اتجاهات السياسة الخارجية الإسرائيلية خلال نصف عام - يحيى عبدالله - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 4:35 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اتجاهات السياسة الخارجية الإسرائيلية خلال نصف عام

نشر فى : الأحد 25 أغسطس 2024 - 6:50 م | آخر تحديث : الأحد 25 أغسطس 2024 - 6:50 م

يستند هذا المقال، فى مجمله، على تقرير أعده المعهد الإسرائيلى للسياسة الخارجية تجاه علاقات إسرائيل بالإقليم، نُشر فى العدد (13)، يناير 2024م، أعده دكتور روعى كيبريك، ودكتورة أورنى ليفنى، ويشمل الفترة من يناير حتى يونيو 2024م. ثمة ملاحظات أولية على التقرير، أنه يتسم بالتعميم، ويتجنب الخوض فى تفاصيل. بمعنى، أنه أشبه بخطوط عريضة وحسب؛ كما أنه يجافى الحقيقة والواقع فى بعض النقاط، ويمرر كثيرا من المغالطات التى سنعلق عليها بين مزدوجين عند عرض نقاطه.

• • •
أولا: فيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية على غزة، يرى معدا التقرير أن العالم يريد إنهاء الحرب وتطبيق حل الدولتين فى إطار تسوية إقليمية، وأن إسرائيل تتجنب، بإصرار، تقديم خطة لليوم التالى للحرب. إذ تدفع الولايات المتحدة وأوروبا ودول الإقليم من أجل إنهاء الحرب (هذا زعم مبالغ فيه، فى نظرى. إذ لو أرادت الولايات المتحدة، فقط، الدفع، حقا، فى اتجاه إنهاء الحرب لاتخذت خطوات جادة ضد إسرائيل، ولأرغمتها على وقفها بالفعل، لكنها لم تفعل لأسباب استراتيجية عديدة لا يتسع المقام لسردها) وبناء بديل لـ«حماس» فى غزة فى صورة دولة فلسطينية مستقلة تحت إدارة سلطة فلسطينية متطورة، مع ربط هذا الإجراء بتسوية إقليمية (التسوية الإقليمية المقصودة تعنى، فى المقام الأول، دمج إسرائيل فى المنطقة، وتطبيع وجودها، وتشكيل تحالف إقليمي، ضد إيران أو ضد أى قوة إقليمية ناشئة، يكون لإسرائيل دور ريادى فيه)، وأنها أبدت استعدادا للتجند من أجل تحقيق ذلك.
لكن الحكومة الإسرائيلية تعارض بشدة حل الدولتين (ليست الحكومة وحدها هى من تعارض حل الدولتين. هناك شبه توافق مجتمعى على معارضة حل الدولتين، حتى بين صفوف المعارضة)، وترفض تقديم بديل لـ «حماس» على غرار السلطة الفلسطينية، وتصر على تجنب عرض صورة للواقع المرجو فى اليوم التالى للحرب.
• • •
ثانيا: يشير التقرير إلى حقيقة، أن إسرائيل انتهزت فرصة الحرب الدائرة فى غزة من أجل تكريس ضم الضفة الغربية، وإضعاف موقف السلطة الفلسطينية، مشيرا، فى هذا الصدد، إلى أن الحكومة الإسرائيلية شجعت الاستيطان اليهودى فى الضفة، وطردت بعض الفئات الفلسطينية، ودعمت عنف المستوطنين (تجاه المدنيين الفلسطينيين المسالمين) دعما تاما، ونقلت الإدارة المدنية للضفة الغربية من الجيش إلى وزارة الدفاع (ما سكت عنه معدا التقرير أن الأمر يتجاوز مسألة التشجيع والدعم. الأمر يأتى، فى الحقيقة، فى إطار مخطط حكومى يستهدف التمدد الاستيطانى فى كل أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية، والقضاء على إمكانية إقامة دولة فلسطينية. ألم يُعيّن رئيس الحزب اليمينى المتطرف، حزب «الصهيونية الدينية»، بتسلئيل سموتريتش، وزيرا بوزارة الدفاع الإسرائيلية مسئولا عن تنسيق عمليات الحكومة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وعن الإدارة المدنية بها، بالإضافة إلى منصبه وزيرا للمالية فى حكومة نتنياهو الحالية؟!). فى موازاة ذلك، عملت الحكومة على إضعاف السلطة الفلسطينية، فى المجال الاقتصادى بخاصة (لم يفصل معدا التقرير الإجراءات العقابية الشديدة التى اتخذها وزير المالية، سموتريتش، ضدها). يشير التقرير، وإن لم يذكر ذلك بشكل واضح وصريح، إلى أن الخطوات التى اتخذتها الإدارة الأمريكية وبعض الدول الأخرى ضد آحاد من المستوطنين، لم تثن الحكومة الإسرائيلية عن سلوكها فى مجال الاستيطان.
• • •
ثالثا: فيما يخص مسألة التفاوض من أجل وقف الحرب على غزة وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، المحتجزين لدى «حماس»، يؤكد معدا التقرير بدهية بات يعرفها القاصى والدانى هى، أن إسرائيل ليست مستعدة لدفع الثمن المطلوب لوقف الحرب، رغم الدعم الشعبى فى إسرائيل ودعم الأجهزة الأمنية من أجل المضى قدما فى إتمام الصفقة. لكنهما لم يوضحا أسباب الرفض، ولم يشيرا إلى أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يرفض لأسباب حزبية وشخصية. إذ إن إنهاء الحرب يعنى حل الائتلاف الحكومى الذى يرأسه، وانتهاء مستقبله السياسى. من ناحية أخرى، خلط التقرير بين الرغبة الإسرائيلية العامة فى استعادة الأسرى ووقف الحرب، لكن الصواب جانبه فى هذه الجزئية، إذ ما يزال هناك شبه إجماع داخل المجتمع الإسرائيلى على مواصلة الحرب، حتى بعد استعادة الأسرى. صحيح، أن الرغبة العامة فى مواصلة الحرب لم تعد بالقوة، ذاتها، عقب السابع من أكتوبر 2023م، لكنها ما تزال محل إجماع.
• • •
رابعا: يرى معدا التقرير (وهما محقان فى ذلك) أن شرعية الحرب على «حماس»، بل وشرعية دولة إسرائيل، ذاتها، بوصفها عضوا فى الأسرة الدولية، قد تضررتا، وأن محاكم العدل الدولية فى لاهاى ومؤسسات دولية أخرى باتت تمثل تحديا لإسرائيل. (لم يشر معدا التقرير إلى أسباب تآكل هذه الشرعية. لم يأتيا على ذكر ارتكاب إسرائيل لجرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين والمدنيات فى غزة، ولا لجرائم الحرب، ولا لمحاولات التطهير العرقى، ولا لدعوات وزراء فى الحكومة الإسرائيلية إلى استخدام السلاح النووى ضد السكان المدنيين فى غزة، ولا إلى دعوات القتل بالتجويع والحصار).
• • •
خامسا: فى مسألة الحرب على لبنان، يرى معدا التقرير أن إسرائيل تسلم بوجود حرب استنزاف مستمرة ومتصاعدة مع حزب الله على الحدود الشمالية، وتعلق آمالاً على الردع وعلى الجهود الدبلوماسية التى تبذلها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا لمنع التحول إلى حرب شاملة. يشير التقرير إلى أن إسرائيل وحزب الله استمرا فى إدارة تبادل لإطلاق النار، مع محاولة دراسة القوانين الجديدة للعبة، وتحديد الخطوط الحمراء لدى كل طرف بحيث لا يتجاوزها فتقع حرب شاملة (خرقت إسرائيل هذه الخطوط الحمراء عندما اغتالت، القيادى فى حزب الله، فؤاد شكر، فى الضاحية الجنوبية ببيروت وحين هاجمت مواقع لحزب الله فى البقاع اللبنانى على عمق نحو 100 متر داخل لبنان).
• • •
سادسا: يشير معدا التقرير، فيما يخص علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة الأمريكية، على خلفية الحرب على غزة، إلى أن الحكومة الإسرائيلية تحاول «شد الحبل» فى مواجهة الإدارة الأمريكية، من دون أن تقطعه، بحيث تتوافر لها حرية عمل أوسع، وحتى لا تدفع ثمن ذلك سياسيا وعسكريا. لكنهما يزعمان أن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت المعونة الضرورية التى قدمتها لإسرائيل من أجل صياغة السلوك الإسرائيلى ومنع اندلاع حرب إقليمية (يدحض الواقع هذا الزعم، فقد حذرت الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل، مرارا وتكرارا، من دخول رفح، على سبيل المثال، لكن الأخيرة مضت قدما فى خططها ولم تلتفت إلى هذه التحذيرات. أما محاولات منع اندلاع حرب إقليمية فإن الشواهد الأخيرة؛ اغتيال إسماعيل هنية فى طهران، وفؤاد شكر فى قلب الضاحية الجنوبية ببيروت، تشير إلى أن إسرائيل تسعى جاهدة إلى توريط أمريكا فى حرب إقليمية، بمعنى أن محاولات أمريكا لمنع اندلاع حرب إقليمية مجرد رد فعل على ما تقوم به إسرائيل). يعترف معدا التقرير بأن الإدارة الأمريكية والطائفة اليهودية بالولايات المتحدة الأمريكية وقفتا إلى جانب إسرائيل رغم "انتقادهما" للحكومة الإسرائيلية.
• • •
سابعا: فيما يخص العلاقات مع أوروبا يشير معدا التقرير إلى أن أوروبا وقفت إلى جانب إسرائيل فى حربها ضد «حماس»، لكنها انتقدت طريقة إدارة إسرائيل للحرب خشية المساس بالقانون الدولى وخوفا من الانتقادات الشعبية المتصاعدة التى تتضمن دعوات، أيضا، بفرض حظر على تصدير السلاح إلى إسرائيل. فى المقابل، يشير التقرير إلى أن إسرائيل عملت من أجل دعم علاقاتها مع عناصر اليمين الأوروبى ومع من يتبنون مواقف تعارض تدخل الاتحاد الأوروبى فى الشئون الجارية لدول الاتحاد والتكامل فيما بينها. يزعم التقرير أن بعض الدول الأوروبية اختارت الاعتراف بالدولة الفلسطينية من منطلق البحث عن أداء دور فعال فى الصراع. فيما يخص العلاقات مع تركيا، يشير التقرير إلى أن الأزمة مع تركيا وصلت إلى مستويات غير مسبوقة حيث تأثر النشاط التجارى بين البلدين بشكل أكثر عمقا من الأزمة السياسية. فى المقابل، يشير التقرير إلى أن اليونان ساعدت إسرائيل فى الالتفاف على تحديات التجارة المباشرة مع تركيا، وأن قبرص ساعدت إسرائيل بجهد استخبارى، وسياسى وعسكرى فى حربها ضد غزة ولبنان.
• • •
ثامنا: كان للحرب على غزة تأثير على مسار تعميق وتوسيع التطبيع فى المنطقة. إذ يشير التقرير إلى أن علاقات إسرائيل مع دول الإقليم أبدت مَنَعَة ولم تُقطع، رسميا، رغم المشاهد التى تُنقل من غزة والضغوط المترتبة عليها، لكن طبيعتها تغيرت، حيث تبدل زخم دفعها قُدما إلى تريث وانتظار. يزعم التقرير أن العلاقات العلنية (ما يعنى أن هناك علاقات تحت الطاولة) مع البحرين والمغرب تجمدت، وأن الأطر الإقليمية متعددة الأطراف التى نشأت خلال مسيرة التطبيع لم تلتئم، وأن المضى قدما فى التطبيع مع السعودية، الذى كان على جدول الأعمال قبل اندلاع الحرب، يتوقف الآن على استعداد إسرائيل لإنهاء الحرب والمضى قُدما فى حل الدولتين. من ناحية أخرى، يشير التقرير إلى أن التعاون بين إسرائيل وبعض دول الإقليم قد تجسد، بحكم الضرورة، فى التصدى للهجوم المباشر الذى شنته إيران على إسرائيل فى ليلة الرابع عشر من شهر أبريل عام 2024م.

يحيى عبدالله أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة المنصورة
التعليقات