قابلت مدير معهد الموارد العالمية أنى داسجوبتا فى صباح أحد أيام مؤتمر الأطراف فى شرم الشيخ، كان يدير جلسة عرض فيها فريقه عملهم الرائع المبنى على فهم العالم كمنظومات مركبة، وكيف أنهم من خلال هذا العمل أصبحوا قادرين على تحديد العلامات المهمة التى يجب أن نستهدفها لتحقيق أهداف البقاء فى إطار زيادة الدرجة ونصف فقط، وهو بالتأكيد عمل حاسم لأنه يحدد علامات للطريق واضحة فى القطاعات المختلفة سواء النقل أو غيره. أهمية ما يقوم به أنى داسجوبتا الهندى الأصل أنه يبرهن بصورة عملية كيف أن الأمل ضرورة فى رواية العمل المناخى بالعلم والإبداع والذكاء والعمل الجماعى الدءوب.
ما كان يشغلنى بالطبع وأنا أستمع لكل ما قيل فى الجلسة هو هل يمكن أن نستفيد من هذا العمل فى التحول المتجدد الذى نحتاجه فى برج رشيد وفى باقى مدن وقرى مصر. خاصة أنه بعد صدور تقرير المجموعة الثالثة للجنة الدولية للتغير المناخى فى الإثنين (4ــ 4ــ2022) الذى ينص صراحة على أن النافذة المتاحة لنا للعمل من أجل مواجهة التغير المناخى تضيق بشدة. وهو ما يظهر الحاجة الماسة للتحرك بسرعة فى العمل. لكن ماذا يعنى هذا العمل بالنسبة لنا؟ هناك ثلاثة توقيتات هامة زمنية يمكن اتخاذها علامات رئيسية لقياس ما إذا كان ما نعمله كافيا أم لا. طبقا للتقرير والدراسات العديدة التى استند إليها فيجب علينا أن نصل إلى أقصى انبعاثاتنا من الغازات المسببة للتغير المناخى بحلول العام 2025، بينما يجب أن نقلل هذه الانبعاثات للنصف بحلول العام 2030 على أن نصل لصفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2050 إن أردنا أن نحافظ على فرصة للبشر فى الحياة بصورة بها أقل قدر من المشكلات التى سيسببها التغير المناخى وهو ما يتماشى مع الحفاظ على زيادة درجات الحرارة عند درجة ونصف. هذا بالطبع طبقا للرواية السائدة التى تركز على الانبعاثات الكربونية والتى ترجمتها فى مصر تتطلب دراسة على مستوى المناطق المختلفة، فمثلا متطلبات هذا التحول فى الريف مختلفة إلى حد كبير وربما تكون فى متناول اليد. مثلا يتطلب وقف الانبعاثات عند أقصى حد لها فى 2025 أن يتم تلبية المتطلبات الناجمة عن ازدياد احتياجات استخدام الطاقة سنويا (قدرها وزير الكهرباء منذ سنوات بزيادة سنوية تصل إلى 10% وربما هى فى الريف أقل) من خلال مصادر متجددة لا يصدر منها انبعاثات. ولا يتطلب ذلك ببساطة زيادة القدرات للطاقة المتجددة ولكنه يتطلب بنفس الأهمية الزيادة فى كفاءة استخدام الطاقة، بالإضافة إلى البداية فى التحول نحو أسلوب حياة جيد ولكنه منخفض فى متطلبات الطاقة (مثلا ركوب الدراجات بدلا من استخدام المركبات قدر الإمكان). قد يكون ذلك أكثر تحديا فى المدن القائمة والجديدة لكن يجب أيضا العمل على تفسير ما يتطلبه ذلك ليمثل الخطة المستهدفة لنا. إن تخفيض انبعاثات الغازات للنصف بحلول العام 2030 يتطلب تدخلات أكثر للوصول لصفر انبعاثات كربونية بحلول العام 2050.
• • •
تعنى أول علامة على الطريق الزمنى للوصول للتنمية المتجددة هنا الوصول لأسفل منحنى انهيار النظم الطبيعية (أنا هنا أقدم فرضيات بناء على ما فهمته من خلال دراستى لهذا الموضوع) وبالنسبة لى هذا يعنى وقف زيادة تلوث المياه سواء السطحية أو الجوفية والتوقف عن إنشاء كل ما يعيق تدفق واتصال منظومة المياه، كما يعنى وقف زيادة تلوث التربة، ويعنى أيضا وقف تزايد النباتات المحلية المعرضة للانقراض وأيضا الحشرات والحيوانات المحلية.
العلامة الزمنية الثانية فى عام 2030 تقتضى الوصول للنقطة صفر فى انهيار المنظومات الطبيعية للماء والتربة والنبات والحيوان. فهى نقطة مهمة لأنها النقطة التى ستبدأ منها الأنظمة الطبيعية فى استعادة قدرتها على التجدد. لذا يمثل هذا أهمية كبرى للمساعدة فى إنقاذ منظومة الطعام والمياه، لكن أيضا لبدء زيادة قدرة الأنظمة الطبيعية للتحكم فى توزيع الطاقة وامتصاص ثانى أكسيد الكربون فى التربة. ويقتضى الوصول لتلك النقطة مجهودات كبرى مدعمة بأبحاث موازية لتلك المجهودات لتصحيح اتجاهاتها ولكن تلك المجهودات تتميز بأنها ليست بالتكلفة الكبرى لتلك المركزة على التقنية المتقدمة لثانى أكسيد الكربون الذى تشير له دراسة المنظمة الدولية الأخيرة بأنه لا غنى عن تعميمه وربما يكون هذا صحيحا فى الدول المتقدمة لكن فى مصر ودول أفريقيا والعديد من دول آسيا وأمريكا اللاتينية (وفى الحقيقة فى باقى دول العالم أيضا) سيكون لاستعادة قدرة الأنظمة الطبيعية، وعلى رأسها التربة وبدعم من إصلاح منظومة المياه وصون النباتات والحشرات والحيوانات، الدور الأكبر فى الوصول لهذا الهدف. ستساهم أيضا فى الاستمرار لتحقيق الهدف الخاص بالعام 2050 الذى يجب أن يشهد ازدهارا كبيرا فى البيئات الطبيعية المختلفة والكائنات التى تعيش فيها.
يسود اعتقاد خاطئ أن الالتزام بتلك العلامات يعنى بالنسبة لنا حياة أصعب أو على الأقل يحرمنا من حياة أفضل، لكن كما قال يوهان روكستروم، وهو أكبر عالم مناخ فى العالم، فى إحدى الجلسات عن الطعام المستدام فى مؤتمر شرم الشيخ أن ترجمة الأهداف العالمية ستعنى بالتأكيد تحولا نحو تقليل الاستهلاك فى الدول المتقدمة لكنها فى الدول النامية تعنى تحسين نوعية الطعام وربما زيادة كميات نوعيات معينة منه.
هكذا أصبحت ترجمة تلك العلامات الرئيسية مكانيا مهمة رئيسية إذا أردنا أن نحقق التحول المتجدد فى مصب النهر. لأننا نريد أن نبدأ من برج رشيد سنحتاج من يساعدنا على تحديد أهداف محددة فى منظومة النقل أو فيما يخص المياه أو فيما يخص الطعام أو فيما يخص الطاقة وهكذا. للأسف الشديد لا أعرف بوجود مثل هذه القدرات محليا، لذلك تقدمت فى نهاية الجلسة من آنى وعرفته بنفسى وطلبت منه المساعدة ووعدنى بأنه سيصلنى بالفريق الذى يعمل على الماء وبالفعل راسلته ووضعنى على صلة باثنين من فريقه وأنا الآن فى انتظار ردهم والتواصل معهم بشأن ما يستطيعون أن يساعدونا فيه.
غادرت شرم الشيخ بعد نهاية الأسبوع الأول للمؤتمر ولدى أمل أن يكون المؤتمر نقطة تحول فى حياة أناس كثيرين على امتداد الوادى وفى الدلتا وسواحل البحر الأحمر والأبيض، وازداد لدى الأمل قليلا بعد نهاية المؤتمر الذى وصفته جريدة الجارديان فى عنوانها «بحق إنه كان إنجازا تاريخيا ولكنه لا يكفى».