جاء التشكيل النهائى للجمعية التأسيسية لوضع الدستور بعيدا كل البعد عن مراعاة معايير الكفاءة والتمثيل المتوازن للأطياف السياسية والمجتمعية المختلفة، وأنا لا أنازع فى أن الأكثرية العددية من حزبى الحرية والعدالة والنور داخل مجلسى الشعب والشورى تترجم فى صورة مقاعد بنسبة أكبر من الأحزاب والقوى الأخرى بالجمعية التأسيسية، ولكن أرفض تشكيل الجمعية على نحو يغلب معيار الولاء على معيار الكفاءة ويبتعد عن تمثيل متوازن يترجم لعمل توافقى من اجل خروج الدستور الجديد بصورة تليق بمصر بعد الثورة.
أرفض تهميش المرأة والشباب والاقباط فى الجمعية، وأرفض استبعاد الكثير من كفاءات مصر القانونية والاقتصادية وتقديم أهل الثقة عليهم بالمعنى السياسى الضيق. فتشكيل الجمعية التأسيسية بهذه الصورة، بما تضمنه من غياب الشفافية عن بعض إجراءاتها على نحو أسس داخل مجلسى الشعب والشورى لثنائية ضارة قائمة على أغلبية تعرف وأقلية لا تعرف وكذا الضعف الموضوعى حين لم يتح وقت كاف للنقاش وطرح أسماء لشخصيات عامة ومرشحى هيئات ومؤسسات دون سير ذاتية، جاء صادما للرأى العام ولا يرقى للتوقعات المشروعة.
قبل أن أتخذ قرارى بشأن مشاركتى فى الجمعية من عدمه، ارتأيت العودة لمن انتخبونى وفى ذهنهم أن أدافع عن دستور لدولة مدنية ديمقراطية عادلة، ارتأيت العودة لمن انتخبونى لأستشيرهم وأخيرهم بين الانسحاب من الجمعية أو الاستمرار فى المشاركة والدفاع عن رؤيتى للدستور إلى آخر الطريق أو المشاركة مع الاحتفاظ بحقى فى الانسحاب إذا سارت عملية إعداد الدستور فى اتجاه هيمنة الأغلبية والابتعاد عن التوافق.
ولقد أخبرت من انتخبونى أننى فى نهاية المطاف سأحتكم إلى صوت ضميرى وما يمليه على بشأن مصلحة الوطن. وجاءت نتيجة الاستطلاع الذى وصل عدد المشاركين به إلى 10 آلاف مواطن ومواطنة، وتم جمع النتائج فيه بواسطة فريق عمل ميدانى وإلكترونى، إلى تأييد 55% من المشاركين بالاستمرار فى عضوية الجمعية التأسيسية مع حق الانسحاب مقابل 35% بالانسحاب الفورى لكون تشكيل الجمعية صادما.
وفى هذه اللحظة الفارقة ولأننى لا أملك أن أخالف ضميرى وتقديرى لمصلحة الوطن وهما يمليان على وبعد تفكير عميق القول بأنه فى ظل التشكيل الحالى لا يمكننى أن أقبل المشاركة فى عضوية الجمعية التأسيسية، فإننى أستأذن من انتخبنى وأستأذن مواطنات ومواطنى هذا البلد العظيم الانسحاب من الجمعية التأسيسية ومخالفة تصويت أغلبية من شارك فى استطلاع الرأى.
أدرك جيدا خطورة المشهد السياسى فى اللحظة الراهنة وأرغب فى تجنيب مصر التراجع عن المسار الصحيح لبناء مؤسساتها بشكل ديمقراطى وكتابة دستور يليق بالوطن. كما أننى أرفض وبشدة الاستقواء بالرأس غير المنتخب للسلطة التنفيذية على أحزاب منتخبة مهما اختلفت معها فى الرؤية والتقدير. أبدا لن أتورط فى استدعاء المجلس العسكرى للسياسة وتنازعاتها التى أريد إخراجه منها كى لا تتكرر بالفعل تجارب الماضى.
إلا إننى أهدف من انسحابى تقويم اعوجاج خطير فى مسار المرحلة الراهنة وإعادة النظر كجماعة وطنية مصرية فى تشكيل جمعية تأسيسية بها من الكفاءة والتوزان ما يقارب بيننا وبين دستور نتمناه جميعا ويضمن الدولة المدنية الديمقراطية.