هناك كتب بعناوين مثل «كيف تكون قائدا ممتازا أو خطيبا متميزا أو«إداريا فذا» أو«جراحا عبقريا؟» ولكن لا توجد كتب تتحدث عن طريق الولاية لله أو كيف تكون وليا من أولياء الله، وذلك لسببين:
الأول: أن أولياء الله قلة نادرة مختارة ومصطفاة.
الثانى: أن هذه المهمة الربانية يزهد فيها معظم الناس لأنها لا تمنح ربحا دنيويا ولا منصبا ولا جاها ولا سلطانا، ولكن تضحيات وعطاء متواصلا وتنزها عن مواطن الشبهات والشهوات وما أكثرها.
وقد كتب العلامة أحمد الدمشقى الذى كان يطلق عليه «جنيد عصره» كتابا مختصرا فى ذلك أسماه «مفتاح طريق الأولياء» طبعته مجلة الوعى الإسلامى الكويتية مع رسالتين مشابهتين،
وهأنذا أعرض مختصرا لأهم الصفات التى يحتاجها من اصطفاهم الله على عينه واختارهم لنفسه لطريق الولاية ومنها:
تعزف عن الدنيا وشهواتها وتشتاق لقرب الله، تلهج بأذكاره وتحن إلى جواره وتتمسك بتقواه، وتكتحل بأنواره فيتزايد شوقك إلى سكنى الجنان.
تجد أرواحهم إلى الله بالشوق طائرة، وأبدانهم بالطاعات عامرة ونفوسهم على أقضية الرب صابرة، يصومون إذا أفطر الناس ويقومون فى الدجى إلى تجارات المعاملات خشية الإفلاس، يبكون إذا ضحك أهل البطالة، أبصرت قلوبهم من عظمة مولاهم سبحانه ما خفى على الأعين الظاهرة وابتهجت بالنور الأعلى سرائرهم.
يراقبون يوما يشيب فيه الوليد وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، يسأل العبد فيه عن ماله فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، فإذا أردت النجاة منه فاستعد له بالتقوى وحفظ الجوارح عما حرمه الله، بحيث لا يبقى عليك فى الشريعة مطالبة ولا فى ذمتك فائتة، ولا غيبة لأحد بغير حق، ولا مخاصمة ولا شحناء ولا بغضاء.
ويكون لك ورد من الدعاء الصحيح والصلاة على الرسول وأنت حاضر كأنك تراه مع المحبة له والتعظيم لحرمته لتصل بركة الرسول إلى قلبك فترزق محبته ومحبة التأسى به.
وعليك بطلب الفقه ومعرفة الأحكام احتسابا لوجه الله لا تنوى به منصبا ولا جاها، فإن لكل امرئ ما نوى، واحذر أن يكون قلبك كقلوب علماء الدنيا فإن قلوبهم لاهية وعلى الدنيا والمناصب مقبلة يفرحون بالدنيا ويحزنون لفواتها.
ومن حفظ فرجه فى صباه اجتمع قلبه وتنور سره، وأورثه الله الحكمة فى كهولته والإمامة فى شيخوخته بقدر استعداده والمحبة فى قلوب المؤمنين.
ومن لم يحفظ فرجه تغيرت فطرته وتبلد قلبه وانعكس وانتكس، وخبثت سريرته، ومن بذل فرجه أوشك ألا يتخذه الله وليا لأنه ضيع أمانة الله وخانه فيما استودعه.
إذا أردت أن تنال درجة الأولياء فعليك بالحياء من الله فى الخلوات فهو يراك ويعلم ما توسوس به نفسك، فعوّد نفسك الحياء من الله تدريجيا ولو ساعة من نهار، وكرر هذه الساعة، واكتم هذه المعاملة بينك وبين مولاك، خشية إن تحدثت بها أن ينطفئ نور المراقبة من قلبك، ولا تزال تزيدها وتكررها حتى يبقى الحياء من الله طبيعة فيك، فإن صبرت على ذلك مدة طويلة كدت تصل إلى مرتبة العارفين.
وعليك بمفارقة الذين يخوضون كثيرا فى قيل وقال، ومجانبة أهل المنكر والفواحش الذين لا همة لهم فى التقوى وليس عليهم أثر المخافة من الله، فاهرب منهم وحاسنهم فى السلام والكلام «وَاهْجُرْهُمْ هَجْرا جَمِيلا».
وصاحب أهل التقوى والورع والأخلاق المرضية، واحفظ قلبك فى الصلاة واعلم أنك تناجى بالقراءة مولاك فافهم ما تقوله ومع من تقول.
وأضاف بعض تلاميذه: أن يكون منشغلا بعيوب نفسه ذاكرا لذنوبه محسنا للظن لكل خلق الله، كافا لنفسه عن أكل لحوم الناس، أن يكون نفعه متعديا، ولا يرى لنفسه فضيلة تميزه عمن سواه، متواضعا، لا يحسد غيره، جازما أن نفعه وضره من الله، كريم النفس يحدث فيصدق، ويعد فيفى ويؤمن فيؤتمن، وأن يكون من الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، يوقر الكبير، ويرحم الصغير، مظهرا لآثار النعم، مواسيا لإخوانه، زاهدا فيما فى أيدى الناس، باذلا لما فى يده، جاعلا مولاه ذخيرة لأولاده، وأن يكتم الأمرين الفقر والغنى.