أسابيع ثلاثة تفصلنا عن الانتخابات النيابية الإسرائيلية وما زالت صورة التحالفات الممكنة فى الكنيست الجديد غير واضحة. ويرى عدد من المراقبين أن النتائج لن تكون مختلفة بشكل كبير ومؤثر عن خارطة توزيع القوى التى أفرزتها الانتخابات الماضية فى إبريل والتى لم تسمح ببلورة ائتلاف لتشكيل حكومة، الأمر الذى أدى إلى حلّ الكنيست والدعوة إلى انتخابات جديدة.
فالخلافات والانقسامات هى ذاتها، ولو أن الضغوط الموضوعية لعدم الذهاب إلى انتخابات ثالثة وتلافى أزمة حكم مفتوحة قد تدفع باتجاه بلورة مرونة من قبل الأطراف الأساسية. كما أن قصر المسافة الزمنية بين الانتخابات الماضية والقادمة لم تسمح بإحداث تأثير عند الناخب لمصلحة حزب على حساب حزب آخر. رغم ذلك فإن سيناريو الفشل فى تشكيل حكومة بعد الانتخابات وحلّ الكنيست والعودة إلى انتخابات لمرة ثالثة أمر غير مستبعد كليا.
كيف تبدو الصورة عشية ١٧ سبتمبر؟
ــ حزب أزرق أبيض، القوة الرئيسية الأساسية الأخرى إلى جانب الليكود، مستعد أن يدخل فى ائتلاف مع الليكود بشرط ألا تكون الحكومة برئاسة نتنياهو. يبقى ذلك بالطبع موقفا تفاوضيا قابلا للتغيير مقابل ثمن حكومى يدفعه الليكود، ويعتمد هذا الأمر على الثقل النهائى لكل من الحزبين فى الكنيست.
ــ نتنياهو يؤكد أن أولوياته تكمن فى تشكيل حكومة مع «شركائه الطبيعيين»، وهم ائتلاف الأحزاب الأصولية الدينية: يعطيهم فى المجال الاجتماعى وهم يمنحونه «شيك على بياض» فى المجال السياسى.
ــ حصول تفاهم أولى بين حزب أزرق أبيض الذى يتزعمه بينى جانتس وحزب إسرائيل بيتينو الذى يتزعمه ليبرمان قد يتطور لاحقا إلى تحالف ممكن فى وجه الليكود بعد الانتخابات.
ــ توحيد قوى بقايا اليسار الذى صار مهمشا، وذلك بقيادة إيهود باراك تحت مسمى المعسكر الديمقراطى بغية فرض أنفسهم صوتا مؤثرا عند تشكيل الحكومة فيما لو احتاج حزب أزرق أبيض للتحالف مع بعض الأحزاب لتشكيل الحكومة.
ــ يشعر نتنياهو بأنه يملك أوراقا دولية أساسية من خلال العلاقات التى صاغها مع عدد من الزعماء فى العالم وبشكل خاص مع الرئيس الأمريكى وأيضا مع الرئيس الروسى مما يسمح له بحيازة عدد من أصوات المهاجرين الروس أيضا. وهذه الأوراق الدولية يستطيع أن يوظفها لمصلحته فى الانتخابات. والجدير بالذكر أن نتنياهو قد احتل المركز الأول أمام ديفيد بن جوريون فى عدد السنوات التى أمضاها فى موقعه كرئيس للوزراء. وقد يساعد ذلك فى إحياء خيار تحالف الحزبين الرئيسيين (الليكود وأزرق أبيض) كما حصل عام ١٩٨٤ فى التحالف عند ذاك بين إسحاق شامير زعيم الليكود وشيمون بيريز زعيم حزب العمل اللذين اقتسما بالتساوى بينهما ولاية منصب رئاسة الحكومة.
غداة تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة ستطرح الإدارة الأمريكية مبادرتها للسلام التى تحمل عنوان صفقة القرن والتى صارت معالمها واضحة من خلال التصريحات المتتالية لجاريد كوشنر «مهندس الصفقة» وجريسون جرينبلات مبعوث الرئيس الأمريكى إلى الشرق الأوسط. جرينبلات يطمئن أنه لا يمكن حل الصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى على أساس القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة داعيا الفلسطينيين والإسرائيليين لتسوية الصراع عبر التفاوض: فلا مرجعيات دولية لتسوية الصراع بل مرجعيات أمريكية تقوم على لاءات ثلاث بالتفاهم مع نتنياهو قوامها لا قدس، لا لاجئين ولا دولة فلسطينية، فهذه القضايا الثلاث خارج المفاوضات كليا.
سيدعو دون شك الرئيس ترامب إلى مؤتمر «كامب ديفيد إقليمى» لإطلاق خطته بمشاركة من يعتبرهم أطرافا معنية، وبالأخص بعض الدول العربية. إنها عودة بعد عقود أربعة من الزمن إلى مفهوم الحكم الذاتى الذى طرحه مناحيم بيجن فى قمة كامب ديفيد.
خلاصة الأمر أن صفقة القرن بالنسبة إلى ما تقدمه للشعب الفلسطينى تقوم على تحسين الظروف المعيشية بواسطة مساعدات عربية ومنحهم «صلاحيات بلدية» (حكم ذاتى) كبديل عن الدولة الفلسطينية.
فرصة ضائعة أخرى فى سراب السلام، والخوف كل الخوف من العودة إلى المربع الأول.