فى خضم اشتداد المواجهة الأمريكية الإيرانية بعد دخول المرحلة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران حيز التنفيذ، يعود التركيز بقوة على سوريا وهى مسرح استراتيجى أساسى إن لم يكن الأساسى فى هذه المواجهة القائمة بأشكال وصور مختلفة بين واشنطن وطهران.
جملة من العناصر والمؤشرات تدفع بهذا الاتجاه:
أولا: المعلومات التى نقلتها بعض وسائل الإعلام الإسرائيلى عن أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو قد أبلغ لجنة الشئون الخارجية والأمن فى الكنيست عن مقترح روسى قوامه تخفيف العقوبات عن إيران مقابل انسحاب القوات الإيرانية من سوريا، الأمر الذى يبقى هدفا أمريكيا إسرائيليا أساسيا، وهو بالطبع ما سارع إلى نفيه نائب وزير الخارجية الروسى سيرجى ريابكوف. المثير للاهتمام أن المبعوث الأمريكى الجديد إلى سوريا جيمس جيفرى صرح بحصول تفاهم أمريكى روسى خلال زيارة جون بولتون لموسكو فى شهر أكتوبر فى هذا الاتجاه، ولا يعنى ذلك أن السلطات السورية ستقوم بهذا الأمر ضمن مشروع صفقة قد يجرى التحضير لها أو إنها قادرة على ذلك. فالمبعوث الأمريكى يصرح أيضا بما هو يعتبر أنه تحول واضح هذه المرة بموقف واشنطن من الأزمة السورية أن بلاده لا تريد تغيير النظام بل تريد تغيير سلوك الدولة السورية والمعنى بذلك إخراج الإيرانيين وحلفائهم من سوريا وهو الهدف الثانى للولايات المتحدة الذى يكرره المسئولون الأمريكيون إلى جانب هدف هزيمة داعش. إنها عملية جس نبض لمفاوضات لاحقة، ما زال من المبكر الحديث عنها مع إيران ضمن ما يمكن أن يكون صفقة شاملة لتنازلات متبادلة منها بالطبع ما تطالب به واشنطن من تغيير فى «سلوكيات إيرانية فى المنطقة».
ثانيا: تحول خليجى ولو بسيط حامل رسائل عديدة فيما يتعلق بالنظر إلى الأزمة السورية: التركيز على الحل السياسى دون ربطه بشروط مسبقة كإسقاط النظام، إلى مقابلة صحفية للرئيس السورى فى صحيفة خليجية إلى حديث عن عودة سفارة لعملها الطبيعى فى دمشق إلى «مصافحة وزارية»، يأتى ذلك فى إطار الحديث عن «عدم ترك سوريا لإيران» وعن ضرورة الانخراط مع السلطات السورية ولو بتحفظ وبشكل تدريجى لإحداث توازن مع الدور الإيرانى واحتوائه وإضعافه وربما إبعاده لاحقا: إنه تحول بطىء فى سياسة المواجهة التى أثبتت فشلها مع الغياب العربى شبه الكلى عن التأثير فى «الملف السورى» مقارنة مع وزن الأطراف الدولية والإقليمية فى هذا الملف، نحو سياسة انخراط من البوابة الدبلوماسية وليس المواجهة الكلية خاصة فى ظل التحولات الحاصلة على الأرض فى ميزان القوى لمصلحة النظام دون أن يعنى ذلك بالطبع العودة إلى الوضع الذى كان سائدا قبل الحرب.
ثالثا: فى السياق ذاته التأكيد على إطلاق عملية التسوية السياسية فى سوريا عبر مدخل اللجنة الدستورية والدعوة لتشكيلها قبل نهاية هذا العام وبالطبع مواكبة الفاعلين الدوليين والإقليميين لهذه العملية غير السهلة ولكنها كمدخل واقعى وحيد للتسوية السياسية للصراع فى سوريا.
رابعا: غداة فرض العقوبات على إيران تبدو الصورة شديدة التعقيد من حيث استمرار دور غربى أوروبى تشوبه بعض علاقات التوتر مع واشنطن فى شأن إبقاء صلات التواصل مع إيران تحت عنوان الحفاظ على الاتفاق النووى من خلال العمل على إنقاذه عبر البحث عن عناصر توافقية ترضى واشنطن ولا ترفضها إيران. إنه أمر صعب دون شك ولكنه غير مستحيل والحديث عن صفقة فى سوريا يدخل تحت هذا العنوان دون أن يعنى أنه يمكن تحقيق هذه الصفقة كما هو مطروح ولكنه رسالة قوامها أن خطوط التفاوض غير المباشر تبقى مفتوحة.
خامسا: مؤشر غير مباشر داعم لتوجه احتواء الحرائق المشتعلة فى المنطقة والخوف من تمددها مما يصيب مصالح الجميع ولو بأشكال مختلفة يكمن فى التحول الأمريكى ومعه الغربى لنقل الأزمة اليمنية من المواجهة المفتوحة على الأرض إلى طاولة المفاوضات فى مطلع العام القادم فى السويد. ويدرج البعض هذا التحول فى العمل على إفقاد إيران إحدى أوراقها المهمة فى المواجهة فى المنطقة ولكنه يدل أيضا على انسداد أفق الحل العسكرى وعلى التداعيات الخطيرة يمنيا وإقليميا لاستمرار الحرب المفتوحة.
فهل حانت لحظة التعب عند الجميع والبحث عن الحلول السياسية عبر لعبة جس النبض والرسائل المبكرة وشبه الغامضة، ولو أنه لا يوجد بعد تصور موحد لهذه الحلول لكن هذا التصور يمكن أن يولد على طاولة المفاوضات ولو بصعوبة كما علمتنا تجارب دولية عديدة.