الأثر الإقليمى للثورة المصرية: ليبيا نموذجا - علاء عبدالعزيز - بوابة الشروق
الأربعاء 25 سبتمبر 2024 1:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأثر الإقليمى للثورة المصرية: ليبيا نموذجا

نشر فى : الأحد 27 فبراير 2011 - 3:44 م | آخر تحديث : الأحد 27 فبراير 2011 - 3:44 م

 نعم ألهمت الثورة التونسية شقيقتها المصرية، لكن تلك الأخيرة توافر لها من الزخم ما فجرت به ينابيع متفاوتة التدفق للثورة فى ليبيا واليمن والبحرين والأردن والجزائر وسوريا والعراق وصولا إلى إيران. ترى ما السر الكامن فى مصر الذى يجعل لها هذا التأثير العميق والسريع فى محيطها الإقليمى؟ أولم نتشدق جميعا طوال العقود الأربعة الفائتة بأن الدور الإقليمى لمصر آخذ فى الانكماش منذ منتصف السبعينيات.. كيف انقلب هذا الدور المتقلص فجأة إلى تأثير طاغٍ؟ ما لهذه الثورة المصرية يسمع دوى صداها الإقليمى حتى قبل أن تؤتى الثورة أكلها فى مصر ذاتها؟

مثل هذه الأسئلة تدغدغ لدى المصريين نزوعا ملحا لاعتبار بلدهم أما للدنيا أو للعرب أو شقيقة كبرى أو حاضنة رءوم.. المهم أنها «كبيرة المكانة» على نحو أو آخر، على أن التأمل الدقيق فى المشهد الإقليمى الراهن يكشف أن المسألة أعمق من أن تختزل فى القول الشائع بأن مصر إذا عطست أصابت محيطها العربى وجواره الإقليمى بالإنفلونزا.

غنى عن البيان أن مسببات الثورة على الأوضاع القائمة موجودة ومتنامية بتجليات ودرجات متفاوتة فى المنطقة العربية سواء ما تعلق منها بالاستبداد والقمع السياسى، أو الإفقار الاقتصادى للقطاعات الأوسع فى المجتمع، ومع تزايد حدة هذه المسببات تصاعدت صور الاحتجاج السياسى التى لم تنقطع عن المشهد العربى خاصة خلال العقد الأخير (فى اليمن والجزائر وموريتانيا والبحرين والكويت والأردن والمغرب والسودان ومصر)، ما الجديد إذن؟ الجديد الذى أحدثته الثورة المصرية ومن قبلها التونسية أنها استصرخت الشعوب المقهورة: «نعم تستطيعون».

الثورة ممكنة مهما كانت قسوة النظم الحاكمة ومهما توحشت وتغولت آلة القمع الأمنى، الثورة ممكنة مهما استقوت تلك النظم بالقوى الدولية المهيمنة واستمدت منها شرعيتها، ثورة العزل فى وجه العسكر وسلاحهم ممكنة، الثورة ممكنة دون تنظيمات تؤطرها أو قيادة ذات خصال كاريزماتية ترسم لها خارطة طريق، الثورة ممكنة دون الإيمان المشترك بدين واحد أو أيديولوجية جامعة.

قد يبدو الدرس بسيطا لكنه لم يكن مقبولا ولا منطقيا ولا معقولا سواء لدى رجل الشارع أو المثقفين فى الوطن العربى وخارجه، حتى إن جريدة لوموند ديبلوماتيك وصفت الثورتين التونسية والمصرية بأنهما «المستحيل الذى تحقق»، ومع متابعة الشعوب العربية ساعة بساعة عبر أثير الفضائيات لوقائع المستحيل الذى يتحقق تولدت شرارة الحذو.


مقومات الثورة فى ليبيا:

يبدو أن قدر ليبيا أن تكون دوما أمثولة يندر أن تجد لها مثيلا، فعلى المستوى السياسى تشير التقارير الدورية لمنظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان الى أن النظام الليبى بلغ مبلغا لا نظير له فى مستويات القمع السياسى سواء على مستوى القتل المنتظم للمعارضين والتنكيل بذويهم أو استخدام أساليب تعذيب وحشية بصورة منهجية أو إنكار حقوق الناس الأساسية فى حرية التعبير والاجتماع والتنظيم والتنقل.. وصولا الى إبادة المتظاهرين العزل عن طريق القصف بالطائرات الحربية والمدفعية الثقيلة.

وتزداد وطأة تلك المستويات القمعية الهائلة عندما تتصف ممارستها بالاستدامة على مدى ما يزيد على أربعة عقود، كما تزداد الصورة قتامة عندما يتابع المرء كيف جرى توزيع السيطرة على قطاعات الدولة المختلفة بين أبناء القذافى على طريقة إقطاعيات العصور الوسطى.

أما على المستوى الاقتصادى فعلامات التعجب لا حدود لها، فتلك الدولة شديدة الثراء بالنفط (ضمن مجموعة البلدان العشرين الأكثر تصديرا للنفط على مستوى العالم) قليلة العدد من السكان (نحو ستة ملايين نسمة) استطاع نظامها السياسى إفقار وإذلال شعبها على نحو مذهل، حيث يقبع ثلث تعداد السكان تحت أو بمحاذاة خط الفقر، ومعدل البطالة وفق أقل التقديرات يجاوز 22% (أعلى من نظيره فى عشرات البلدان العربية والأفريقية الفقيرة) وتحتل ليبيا المركز 99 عالميا من حيث عدد الوفيات من الأطفال دون سن الخامسة (مؤشر مهم على مستوى الرعاية الصحية) كما تحتل المرتبة 159 عالميا من حيث نسبة الإنفاق على التعليم منسوبا إلى الناتج المحلى الإجمالى.

مربط الفرس إذن فى تفسير الثورة الليبية الراهنة لا يكمن فى قوة إلهام التجربتين الثوريتين لدى الجارين الغربى ثم الشرقى، بل فى رباعية الطغيان والفقر والجهل والمرض المقرونة باستشراء فاحش للفساد وتوزيع مجحف للدخول والموارد طبقيا وجغرافيا.

وبطبائع الأشياء فإن قوة إلهام التجربة المصرية ليست كافية لنجاح ثورة الشعب الليبى، الذى سيتوقف على قدرته على مواصلة الحشد المقاوم للاستبداد، وبسالة أبنائه فى مواجهة القصف النيرانى المكثف، وصلابتهم فى وجه محاولات شق صفوفهم باستخدام الفزاعتين القبلية والإسلامية وأخيرا تسلحهم بالنفس الطويل لإنجاز ما يصبون إليه.

التعليقات