القرار 242: قرار مجلس الأمن بعد نصف قرن.. إلى أين؟ - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 5:28 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القرار 242: قرار مجلس الأمن بعد نصف قرن.. إلى أين؟

نشر فى : الإثنين 27 نوفمبر 2017 - 9:50 م | آخر تحديث : الإثنين 27 نوفمبر 2017 - 9:50 م
نصف قرن من الزمن قد مر فى ٢٢ نوفمبر على صدور قرار مجلس الأمن ٢٤٢ الخاص «بالوضع الخطير فى الشرق الأوسط» أو تحديدا «بالصراع العربى الإسرائيلى». القرار الذى شكل لحظة تحول فى تاريخ الصراع. تحول حصل لاحقا بشكل تدريجى: التحول من صراع حول فلسطين التاريخية أو من صراع كما يقال فى أدبيات النزاعات والمفاوضات من نوع «لعبة محصلتها صفر» أو «كل شىء أو لا شىء»، إلى صراع ذى أهداف مختلطة أى يوفر الأرضية للتوصل إلى تسوية. أطلق القرار عملية اختزال الصراع إلى مساحة ٢٢٪‏ من أرض فلسطين التاريخية. المثير للاهتمام أيضا أن النص الإنجليزى يسمح بشرعنة الاحتلال من خلال الإشارة إلى انسحاب من أراضٍ محتلة، فيما النص الفرنسى وبالطبع النص العربى يشير إلى انسحاب من الأراضى المحتلة. لكن المبدأ القانونى العام المشار إليه فى مقدمة القرار يلغى التفسير الإنجليزى إذ يؤكد على عدم جواز الاستيلاء على أراضٍ بواسطة الحرب. كما أن القرار تحدث عن تسوية عادلة لقضية اللاجئين كما كانت تختصر أو تختزل القضية الفلسطينية حينذاك. صار القرار يشكل مرجعية أساسية للدعوة إلى المفاوضات أو لإدارة المفاوضات لاحقا.

ملاحظات ثلاث لا بد منها:
أولا: القضية الفلسطينية اليوم تعيش حالة من التهميش السياسى هى الأسوأ منذ انطلاق الثورة الفلسطينية. تهميش فعلى تحاول أن تغطيه تصريحات موسمية دولية وعربية تؤكد على مكانة القضية وأولوية تسويتها سلميا. لكن التطورات والتغيرات التى حملها ما سمى بالربيع العربى همشت القضية الفلسطينية فيما احتلت قضايا وتداعيات التغييرات والصراعات القائمة والمترابطة الأولوية القصوى على الرادار السياسى الإقليمى والدولى فى الشرق الاوسط.

ثانيا: انطلقت عملية المصالحة الفلسطينية التى طال انتظارها، وهى رغم ذلك تتعثر بشكل خطير. وعادت أطراف المصالحة إلى محاولة اتخاذ مواقف تحكمها التطورات المتسارعة فى المنطقة، والتى يعتقد كل طرف أنها تصب لمصلحته وضد مصلحة الطرف الآخر. يحدث ذلك فيما تحاول مصر احتواء الموقف ومنع العودة إلى المربع الأول، إذ إن المصالحة الفلسطينية صارت أكثر من ضرورية، مصالحة فى العمق وليس مصالحة فى الشكل. 

ثالثا: نسمع عن استعداد لعودة أمريكية للامساك بالملف الفلسطينى بغية إطلاق أو إعادة إطلاق مسار التسوية. لكن المكتوب يقرأ من عنوانه. أن هدف المقاربة الأمريكية، التى تقوم، كما دل على ذلك العديد من التصريحات هنا وهناك، على مدخل إقليمى للتسوية قوامه إسقاط المرجعيات التفاوضية والقانونية لعملية السلام أو وضعها جانبا، بهدف استعمال الورقة الفلسطينية تحت عنوان المدخل الإقليمى لصياغة تحالف واسع عربى إسرائيلى أو تفاهمات على الأقل فى إطار استراتيجية المواجهة المفتوحة مع إيران.

وأعتقد أن طبيعة القضية الفلسطينية كقضية وطنية تمتلك شرعيات عربية وإسلامية، حتى لو ضعفت بعض الشىء عند الرأى العام لكنها تبقى مهمة وأساسية ولا يمكن إلغاؤها أو الالتفاف حولها، إذ تؤدى إلى نتيجة، فيما لو حصل ذلك، معاكسة كليا للهدف من استراتيجية الأقلمة، كما تدل على ذلك بعض التصريحات الأمريكية الراهنة. إن الاستمرار فى التسويف والالتفاف حول طبيعة الموضوع وهو موضوع تحرير وطنى يساهم دون شك فى تعزيز الراديكالية ويصب فى مصلحة كل من يكون اتجاهه نحو خلق أو تعزيز راديكاليات فى المنطقة. فالتاريخ يعلم الجميع أنه لا يمكن إلغاء قضية هوياتية. 

***

خلاصة الأمر أن ما تعد به الأفكار والإيحاءات المسربة حول مبادرة الرئيس الأمريكى يمكن اختصارها بأنها تقدم للفلسطينيين وضعا هو أكثر من حكم ذاتى وأقل من دولة.

عناصر ثلاثة تبقى ضرورية إذا ما تم النجاح فى التعامل معها من أجل رؤية الضوء فى نهاية النفق وإغلاق هذا الملف المتفجر والذى طال استعماله من أطراف عديدة عربية ودولية لمصالح استراتيجية وسياسية تخدم أهداف هذه الأطراف فيما تشوه القضية الفلسطينية. 

أولا: إن المطلوب ترتيب البيت الفلسطينى. والحديث عن ذلك لا يعنى فقط حوارا بين الأطراف السياسية الفلسطينية، حوارا يبقى أسير الحسابات والحساسيات القائمة بين جميع هذه التنظيمات، بل يجب أن يكون حوارا وطنيا بالفعل تشارك فيه جميع مكونات المجتمع الفلسطينى لبلورة استراتيجية عمل أو استراتيجية حراك فى ما يتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية.

ثانيا: من المهم ألا ينزلق العرب نحو استعمال الورقة الفلسطينية فى لعبة صراعات المنطقة والمواجهات القائمة والقادمة أيا كانت شرعية مواقف بعضهم أو مطالب هذا البعض على الصعيد الإقليمى. هنالك دروس عديدة تفيد بعدم جدوى التلويح بالمفاوضات دون الولوج فى مفاوضات حقيقية. فسياسة بناء الجسور إلى منتصف النهر أو العمل بالقطعة قد ولت إلى غير رجعة وفقدت أى مصداقية على جميع الأصعدة الفلسطينية والعربية والدولية. كما أن محاولة توظيف الورقة الفلسطينية، كما أشرنا سابقا، لن تؤدى إلى نتائج فعلية على صعيد الواقع وعلى صعيد تغيير الموازين القائمة. 

ثالثا: المفروض وقفة عربية رغم الأوضاع العربية السائدة حاليا. وقفة عربية لإعادة طرح مبادرة السلام العربية وطرح آلية للتحرك فى هذا المجال على أسس وقواعد واضحة. ربما يرى البعض أن هذا يدخل فى باب المثاليات، ولكننى أعتقد، إذا ما نظرنا إلى الأبعد، إنه يدخل فى باب الواقعية، إذ إن القضية الفلسطينية يمكن أن تتحول إلى فتيل قابل للانفجار وقابل لدى عدة أطراف لاستعماله كورقة فى صراعاتها الإقليمية والأهلية. فمبادرة عربية من هذا النوع، وهذا ليس بالأمر السهل ولكنه ليس بالأمر المستحيل، عمل أكثر من ضرورى وتحدٍ أساسى بغية إطفاء هذا الحريق القادر أيضا أن يساهم فى إشعال مزيد من الحرائق فى المنطقة إذا لم يحسن التعامل معه. فيمكن لأصدقاء الولايات المتحدة وحلفائها الاستراتيجيين فى المنطقة أن يتوجهوا بهذا الموقف الواضح ويتحاوروا مع الإدارة الأمريكية فى هذا الشأن، عل هذا الحوار وهذا الوضوح يساهم فى تغيير الموقف الأمريكى وإعادته إلى صوابه كما نرى، وإعادته أيضا إلى احترام الشرعيات والمرجعيات الدولية التى عملت الولايات المتحدة وشاركت فى صياغتها.

 

ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات