نشر موقع على الطريق مقالا للكاتب «نصرى الصايغ» عن تطورات الأوضاع الداخلية فى لبنان، وجاء فيه:
كفى. عبث الكلام على لبنان، فما حاجتنا إلى القول والكتابة؟ هذا هو. كان كذلك، وسيبقى كذلك. غير مجدٍ التفكير بالتغيير. عقم تام. «شعب» جدير بالفشل. لا معنى لأى محاولة. معيب جدا أن نشتمه ونفضحه، ونحن الشتيمة والفضيحة.
كيف نحلم بلبنان آخر؟ أضغاث يقظة. من الحكمة أن نتصرف عنه فيما نحنُ فيه. من المفيد أن نكف عن الشكوى والتذمر والتظاهر والهتاف. هذه تمارين سياسية فاشلة. لبنان قلعة تسخر من رذاذ الموج وهو يتكسَّر عل صمودها.
الاستسلام فضيلة سياسية. لا حلول لهذا الكيان القوى، المنيع، الصامد، والذى بات يشبه به، وهو الذى لا يشبه إلا نفسه.
أقول إن الاستسلام السياسى فضيلة سياسية، لأن لبنان يسخر من محاولات تحسينه أو تغييره. لقد قيل فيه من الاتهامات والإهانات ما لا يحصى تعداده. استعملت بحقه كلمات بذيئة، وسيقت ضده اتهامات وجرائم، وقيل فيه ما لم يقله الفرزدق فى جرير، ومع ذلك، فإنه يرفل بقامة صامدة، ومحاط بأثرياء الطوائف وحثالاتهم كذلك… فاسد؟ مضحكة هذه التهمة. لبنان يتباهى بأنه فاسد، وفى كونه يحتل مرتبة مرموقة بين الدول الفاسدة فى العالم. ولا غرابة فى إقدام الفاسدين الكبار، والمعروفين جدا، فى اتهام لبنان بالفساد. فليس من الجائز أخلاقيا وسياسيا، تقليد هؤلاء، وشن هجوم دونكيشوتى على النظام، من قبل الأيتام السياسيين: أحزابا وشبابا وشيوخا ونساء وأطفالا و… الغلابى الأبرياء، الذين يظنون أن لبنان مأزوم، وأن طبقة حكامه مأزومة… غلط. الأزمة ليست حيث يشير الناس بأصابعهم. الأزمة فى الشعوب اللبنانية المصابة بهستيريا التغيير، وهى لا تملك غير لغة مطاطة، وأقوال مكرورة، ومسيرات مستعادة.
قيل، «القوة هى القول الفصل» فى إثبات الحق. صح. إلا فى لبنان. القوة ممنوعة ومحرَّمة، لأنها أداة تخريب وفتنة طائفية. والطوائف تربح فى معاركها، فيما تسجل الخسائر فى ذمة الأبرياء… ولو!!! ألم يحدث ذلك فى «ثورة» الـ58؟ ألا نعيش زمن انتصار الطوائف التى ذبحت لبنان على مدى 15 عاما؟ الثورة فى لبنان، خرافة. والله حرام. إن دم الناس ليس مجانيا. لقد سُفك مرارا، ومُنى بالجراح، وندوبها ظاهرة فى النفوس.
يفتقر اللبنانيون إلى دليل. لا ضوء فى هذا النفق الدامس. مصيبة. لعنة. كارثة. ومع ذلك، ليس المطلوب أن تستسلم لأصحاب لبنان «الشرعيين»، طوائف وزعامات وأتباع. يلزم أن نستسلم أمام أنفسنا ونعلن استقلالنا التام، عن طغمة النظام، مهما كان لونها أو شكلها أو دينها ومهما تعاظمت قوتها. من غير المعقول أن نكون لازمة النق على هذا النظام وزعرانه.
لا عمل مجدٍ. إذا لم تعلن حالة اليأس من هذا النظام المغفل والمحروس والخطير. أذل لم يحصل ذلك، فلا تفكير بلبنان آخر، ولو بعد أعوام.
لسنا البدائل أبدا. كل مشاركة بالنظام رذيلة وعمى وانتهازية. إن أول الأمل، يبدأ بإعلان اليأس التام من هذا النظام وحراسه وخدمه وزعاماته. لا أمل قبل ذلك. التظاهرات فولكلور جميل. «غزل بنات». يثير حنينا إلى ماضٍ ويطمح برجاء مستقبلا، وهو فولكلور ردىء النتائج. يعود المتظاهرون بعدما تصدح حناجرهم، ببحة وغصة فى حلوقهم: لن يتغير شىء ابدا. ستكون شهادة لهم ويتباهون بأنهم «نظام ديمقراطى، ومع حرية الرأى» ونقطة كخاتمة لمشهد أو فصل من مشاهد.
إذا ماذا؟
الرهان هو على المستقبل، ولو بعد عقود. لبنان باقٍ، على الرغم من كل إعاقاته وعاهاته. مكتف بذاته. السؤال: ليس عنه، بل عمن يريد لبنان وطنا ديموقراطيا عادلا مسئولا علمانيا.. إلخ
إذا لم يبدأ اليوم البحث عن النواة الصلبة، أو عن حجر الأساس، فلا رجاء. فلبنان، يستحقه من يقتنصه اليوم. أن نكون، هو السؤال: هل نستطيع أن نكون قوة صغيرة مصممة وعاقلة ومضحية، ومؤمنة بالتراكم وحيوية الفكر وصلابة الثقافة ونصاعة الموقف؟
هل تستطيع النواة الصلبة أن تكون البديل الشعبى القوى، وهذا يتطلب تصالحا مع الواقع والناس والأفكار الجديدة والنضال الدءوب، لبناء وصفوف مرصوصة، يُحسب لها حساب، ليس فى المواسم الانتخابية، فى وسائل النضال الذى لا ينحرف إلى طوائفيات مستعدة للقضم والهدم.
لقد كنا، حتى الآن، جديرين بالفشل. فهل نحصل، بعد جهد ونضال وتجدد وابتكار، أن نكون جديرين بالتقدم والنجاح؟
خارج هذا التحدى، لا معنى لأى حراك ينتهى بعد انفضاض الجموع. علينا أن نكفر نهائيا بالنظام وبأدواتنا. فنحن إن لم نفعل، فلبنان الطائفى جدير بأهله، وعلى الرافضين أن يعيشوا مرارة الفشل، إنهم يستحقونها.
إذا: الحق ليس على أرباب النظام، بل الحق علينا نحن. فهل نحن جديرون بهذا التحدى؟ الجواب يلزمه عمل، لا لغة. ويلزمنا أن نتجرأ على الجنون. فيا مجانين لبنان اتحدوا.
النص الأصلى: من هنا