مشهد زيارة المفتى للقدس.. وثقافة الإقصاء - نجوان الأشول - بوابة الشروق
الثلاثاء 4 مارس 2025 7:51 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

مشهد زيارة المفتى للقدس.. وثقافة الإقصاء

نشر فى : الأحد 29 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 29 أبريل 2012 - 8:00 ص

قد يهمس أحد فى أذنك متحدثا عن زيارة المفتى للقدس قائلا إن المفتى قد أحيط به وتم توريطه من قبل رجال السياسة فى الأردن، وقد يهمس ثانٍ مرجحا أن ما حدث هو تنسيق بين الأجهزة المخابراتية المصرية والإسرائيلية وأن المفتى كان يقوم بمهمة ما هناك، وقد يهمس ثالث بأن المفتى قد قام بالزيارة بحسن نية دون أن يقدر العواقب وأنه قد تبع قلبه فى الحنين إلى المسجد الأقصى واستبعد عقله فى اتخاذه لهذا القرار: وقلما استخدمنا قلوبنا فى حياتنا فصرنا كالحجارة أو أشد قسوة.. وهكذا نجد العديد من التأويلات لهذه الزيارة، فى النهاية قد نتفق جميعا على أن الزيارة ــ خاصة فى هذا التوقيت ــ تعد خطأ كبيرا من شخصية لديها وزن معنوى فى مصر وفى الأمة الإسلامية.. ولكن ما يلفت النظر هى طريقة التعامل مع هذا الحدث، والمسارعة فى إعلان ضرورة عزل المفتى من منصبه، أو أن يقدم هو استقالته، كلها فى الحقيقة تصب فى خيارات الإقصاء من الفضاء العام، والذى يعد حلا سحريا للتخلص من أى نوع من أنواع الصداع وإثبات النقاء التام لأشخاصنا وكذلك لمجتمعنا وسياستنا، هذه الوسيلة هى بالفعل الأسرع بل والأكثر شعبوية، لكنها بحق ليست الأفضل خاصة فى المراحل الانتقالية!

 

●●●

 

سياسة الإقصاء أو ثقافة الإقصاء ما هى إلا إحدى موروثات الأنظمة المستبدة التى عاش فيها المصريون دهرا من الزمن والتى أضحت وسيلة ناجعة للتخلص من المختلف فى الرأى والاتجاه والسياسة، وهى بحق أحد الأمراض المزمنة التى تجسرت فى الشخصية المصرية للأسف والتى تتم بنعومة وبتبريرات مريحة للقلب والعقل معا.. لذلك لم تجد غالبية الناس مشكلة فى اتهام أعضاء من حركة 6 أبريل بالخيانة، وبالتالى كان الحل الأسرع هو إما أن يعتقلوا أو ينفوا من مصر ولا مانع من أن يُصلبوا أيضا لأننا ببساطة نرى فى أن نهجهم الثورى يختلف تماما عن ما نراه، وبالتالى فهم بالتأكيد عملاء!.. نفس السيناريو تم بحرفية مع الحركات ذات المرجعية الإسلامية، فنهجهم الثورى مختلف عن بقية أعضاء الجسد الثورى وبالتالى فهم إما فى صفقة مع آخرين أو أنهم تخلوا عن رفقائهم فى الدرب الذين ضحوا أيضا وساعدوهم عندما لم يكن لديهم خُلان ومناصرون فى أيام التعذيب والتنكيل قبل أن تأتى عليهم أيام التمكين. لذا لم نجد أبدا صعوبة فى ربطهم بكل ما هو سيئ فى مخيالنا، بل ولم نجد أى ألم فى إيذائهم جسديا والتحريض على ذلك متناسين ما رأيناه من تعاضد أيام الميدان الأُول وما سمعنا عنهم فى تاريخ بلادنا أيام المحن.

 

قد نجد مبررات كثيرة فى سياسات العزل ضد رموز الأنظمة السابقة والتى ساهمت بوعى فى إفساد ليس فقط الحياة السياسية بل أيضا فى إفساد منظومة الأخلاق العامة والثقافة المجتمعية لدى جموع الناس. إلا أنه من المهم الانتباه إلى أن الإقصاء التام يعنى المواجهة التامة من وراء حجاب، خاصة أن الثورة لم تحكم ولم تتغلل منظومتها القيمية فى الجهاز الإدارى للدولة وموظفيه بدرجاتهم، والثوار أو من يحمل الفكر الثورى والتغيير لا يزالون يسبحون فى مدى خارج المجال الإدارى الرسمى!

 

فى الحقيقة، إن إقصاء شخصيات عامة أو أجهزة كاملة من المشهد السياسى يدفعها إلى تشكيل أجهزة وتكوينات خارج النظام المرئى، وتكوين أو تعيد تشكيل «كيانات» غير مرئية متشابكة المصالح والعلاقات والتى يمكنها العمل بشكل مواز ومعارض مع كل الخطط التى تحاول مكونات النظام الجديد تنفيذها على الأرض، وتصبح الأخيرة عاجزة عن التنفيذ فى غياب المعلومات الدقيقة حول أجهزة الدولة الإدارية وعلاقتها الشبكية الظاهرة منها والخفية. فى حين توفر هذه المعلومات لدى من يدير هذه الأجهزة والذين يمتلكون خرائط الأجهزة الإدارية وأشخاص اتصال فى كل جهاز يمكنهم من خلالهم إحداث شلل فى مرفق أو أكثر من مرافق الدولة. هؤلاء الأشخاص أو الكيانات يزدادون شراسة كلما اقترب موعد تسليم السلطة ــ ولو بشكل شكلى ــ إلى سلطة مدنية منتخبة.

 

إذن، يجب علينا فى المرحلة الانتقالية ــ والتى قد تمتد إلى سنوات ــ أن نتعامل بحكمة مع من لديهم المعلومات والشبكات فى أجهزة الدولة، أو من يدير الدولة بشكل خفى، وأن نهتم بألا يشكلوا أنظمة مضادة للتغيير بعيدا عن أنظمة المراقبة والمحاسبة، والتى قد تعانى هى الأخرى من جود بعض الفساد، وقد يتم هذا إما بالإحلال الناعم فى الدرجات الوظيفية المهمة، أو بإعادة تشكيل الادراكات والتى قد تحتاج وقتا أطول من الإستراتيجية الأولى التى تعد الأنسب فى كثير من الأحوال، لكن إستراتيجية البتر التام قد تكون تكلفتها الحقيقية أكثر بكثير من إنجازاتها الظاهرية!

 

●●●

 

وأخيرا، يبقى لى نقطتان: الأولى: أتذكر القاعدة الناظمة التى وضعها الرسول (صلى الله عليه وسلم) فى الاجتهاد وهى قاعدة «اجتهاد الحاكم» والتى وضحت لنا أنه من اجتهد وأخطأ فله أجر واحد ومن أصاب فله أجران، وبالتالى قد يجتهد المفتى ويخطئ. وفى نهاية المطاف لا يلزم اجتهاده إلا نفسه، فليس فى الإسلام رجال دين يتم اتباعهم فى كل ما يفعلون أو يقولون، أما نحن فعلينا أن يترفق بعضنا ببعض خاصة أننا نعلم أن المراحل الانتقالية تتسم بانتشار القلق وعدم الثقة، وزيادة مثل هذه الأفعال قد تزيد من حالة الفرقة والتشرذم أكثر، ومن جانب آخر على المخطئين ألا يترفعوا عن الاعتذار، ويتذكروا بأن الرجوع إلى الحق فضيلة! والثانية: لست مع زيارة الأماكن المقدسة بعد تحول بعضها إلى مقبرة للثوار من خلال الاعتقال وبقاء بعضها تحت الاحتلال الإسرائيلى خاصة إن كان فى الزيارة مؤشر على قبول هذا الاحتلال بشكل أو بآخر.

 

قد يهمس أحدهم الآن فى أذنك قائلا كاتبة المقالة إما لديها أجندة أو هى نفسها أجندة، لا يهم مادام ربى وربك الله!

نجوان الأشول  باحثة في مجال الصور المتبادلة
التعليقات