هناك كثير من «الفلاتر» للكلمات أو الأفكار حيث يستخدمها البعض، أما الآخرون فيقومون بتكديس التعابير التى يجرون نحوها لتنقذهم وقت يضيق الكلمات وتتبعثر الأحرف ويتلعثم اللسان.. كلما سخن الحوار أو تحول إلى مجرد أفكار تتصارع أو «وجهات نظر» تزحم فضاء الجلسة، هنا تسقط «الفلاتر» أو يقوم البعض بالاستعانة ببعض «الرداحين» على وسائل التواصل الذين يحملون صفات مختلفة ومنها وليس حصرا، الخبير، الاستشارى، المحلل، المختص، الدكتور، الباحث، و..و.. كم تنوعت الألقاب وتحولت إلى قوائم تختار منها ما يبعث على ما يتصوره البعض أنه يشير إلى مصداقية حاملة، أى حامل اللقب؟
• • •
يتعرج الحوار ويسخن ثم يهدأ، وفجأة تسقط كل الأقنعة بل يجد المستمع نفسه فى دهاليز نفس المتحدث المعتمة بعض الشىء.. فجأة أيضا يتحول المختص إلى مجرد رجل أو امرأة عاديين بل ربما مثل الكثير من الجهلة أو غير المتعلمين أو حتى الموهومين أو المشعوذين.. يستخدمون تعابير هى أقرب إلى «السوقية» أو «الشوارعية» ثم يحاولون تغليفها بألوان زاهية من ما سمعوه فى مؤتمر أو ندوة أو حوار تلفزيونى أو ربما مجرد عنوان لصحيفة صفراء جدا.. ألم تتحول معظم صحف العالم بعد السابع من أكتوبر إلى صحف صفراء كتلك التى درسناها فى السنة الأولى من الجامعة فى قسم الإعلام والصحافة؟!
• • •
يفضل كثر منا أن تمر حواراتهم على تعابير تبدو «سكسى» أكثر أى مثيرة، أو فى مظهرها الخارجى تعبر عن فهم عميق للمتحدث أو علم ومعرفة.. وفى باطنها ما هى إلا استعانة بالمعايير والقيم لتغطية التعصب والسطحية، حتى بين المتعلمين جدا، أو ربما الانغلاق أو عدم القدرة على الخروج من ترسبات الزمن وأفكار طالما نثرها ما يسمى برجال الدين أو العلم أو السياسة..
• • •
مثير كم التعصب عندما تعريه الحقائق أو العلم كما يقول ذاك المتحيز لمهنته فى الطب عندما يأتى الطلبة الجدد ليخلطوا معتقداتهم وما سمعوه بما هو مدون كعلم فى الكتب الأكاديمية، حيث يردد «لو سمحت أو سمحتى لنكمل النقاش مستعينين بالعلم لا بما يردده العامة أو حتى جوجل!».
• • •
كل التطور الذى ساهم فى تدوين الحقائق مثل الإبادة الجماعية والتطهير العرقى ضد الشعب الفلسطينى، هو نفسه يستخدمه بعض المحرضين أو «الجنود» فى الجيوش الإلكترونية، لنشر الأكاذيب وتلفيق القصص وتشتيت الغضب أو بعثرة أدلة الإدانة الواضحة كالشمس.. مثل أن يقال أن ما يجرى من إبادة للفلسطينيين والفلسطينيات هو مشابه لما يقوم به ذاك النظام الذى يختلفون معه ولطالما استماتوا فى تحويله إلى «البعبع» الأكبر والعدو الوحيد.. وقد يكون من المهم أن نتذكر ونذكر أن كثيرا من ممارسات القمع والتنكيل أصبحت عامة ولم تعد «حكرا» على الحكومات والأنظمة فى الجنوب، بل تسابق خلال الأشهر الأخيرة كثيرون من دول الشمال لينافسوا «أصدقاءهم» وحلفاءهم فى كتم الصوت الآخر ومحاولة تسويق السردية الصهيونية حتى لو تطلب ذلك أن نسحل المتظاهرين والمعتصمين ونعتقلهم ونرمى بالأكاديميين خلف القضبان، أو بعيدا عن أسوار الجامعات التى كانت تعرف على أنها من أعرق الجامعات..
• • •
الحوارات فى الأشهر الأخيرة كشفت الكثير من الأصدقاء قبل الأعداء، وعرت ما يخفيه البعض تحت العمائم والألقاب والشهادات والمراكز، بل استبسل البعض فى إشغال العامة بحوارات جانبية قد تكون مهمة لو لم تكن المجزرة فى فلسطين مستمرة منذ 1948 وليس فقط منذ أكثر من تسعة أشهر.
• • •
كم عدد من سقطوا من حسابات بعضنا بل سقطوا من أجندات مواعيدهم ورسائلهم للسؤال أو التعبير عن الشوق أو التوق للقاء؟ وكم لقاءات وتجمعات هى الأخرى اختفت عندما أصبحت الجلسات تتحول سريعا إلى خطابات كراهية ضد الآخر وتوجيه أصابع الاتهام وتخوين الآخر الذى لا يشبهنى، أو هو وأنا نختلف فى العرق أو الطائفة أو الدين أو البلاد؟ نعم البلاد ألا يرى بعض العرب اليوم أنفسهم بأنهم أكثر علما ومعرفة وتفوقا بل وحضارة من كثير من العرب؟! بعد أن كثر الدس وغسل الأدمغة والتحريض الممنهج والخطاب المغمس بالسم وهم فى مجملهم صناعة أنجلوصهيونية باحتراف رغم أن بعض العرب بدأوا فى التفوق فى مثل هذه المهنة.