أجمل ما فيك شعرك قال، توقف وكأنه يعود فى ذاكرته ليسترجع صورا كثيرة مر عليها أكثر من عقدين من الزمان.. بل ربما أكثر. وما إن ذكرته بعوامل الزمن وكيف أن الدهر يفسد الكثير مما كان، لم يأبه بل ردد «لا لا شعرك لم يتغير أبدا وهو الذى جعلنى أتعرف عليك عندما التقينا مصادفة، هى أو ربما قدر فى ذاك المساء القاهرى بمقهى الفندق الفخم المطل على النيل.. كنت تجلسين مع ما عرفت لاحقا أنها صديقة حميمة لك وكنتما منهمكتين فى نقاش جدى.. بقيت أنا للحظات أتأمل بل ربما أبحث عن تفاصيلك.. شعرك كما هو بل هو ما جعلنى أعيد النظر إلى الجالستين فى ذاك الركن الهادئ وكأنهما اختارتا مكانا يرفع يافطة «الرجاء الابتعاد» أو «احذروا الاقتراب»!
•••
وقفت للحظات بسيطة، نعم هذه هى، هذا شعرها لا يمكن إلا أن تكون هى لم أرَ امرأة لديها شعر ساحر كما كان شعرها.. ولكن أين الابتسامة بل الضحكة التى لم تكن تفارق وجهها. وفيما أنا أبحث، جاء النادل الذى يعرفنى جيدا بحكم ترددى على الفندق نفسه وحبى الشديد لهذا الركن فيه.. لا أعرف ما الذى رددته عليه ربما قال هناك طاولتك المعتادة القريبة من النافذة المطلة على النيل أيضا.. ربما رددت نعم نعم ولم أستطع مقاومة ما قد يكون «حشرية» منى فى الاتجاه والسلام عليك.
•••
وبتردد نطقت اسمك فأدرتِ ظهرك وبوجه من نور وعيناك اللامعتان قمتِ لتحيينى وكأننا لم نفترق أبدا وكأنها لم تكن سنين طويلة منذ لقائنا الأخير فى إحدى الرمضانيات القاهرية وأنا أبحث فى كل يوم عن عذر للقاء من بينها نتسحر أو نفطر فى الحسين أو أو.. حتى نفذت كل المناسبات والدعوات. ولكن تشاء الصدف أم هو القدر كما هى هذه اللحظة لأسمع من الأصدقاء أن هناك مسرحية أخرى من مسرحيات الزعيم وهى تحمل ذاك الاسم.. «وجدتها» صرخت بفرح الأطفال واتصلت فلم ترد وأعدت الاتصال حتى تعبت أصابعى وفى الآخر جاء صوتها «اعذرنى كثرت الاجتماعات اليوم رغم أنه رمضان ولكن فترة زيارتى إلى القاهرة قاربت على الانتهاء وهناك الكثير لما هو مهم للبحث الذى أحضر له». حزنت بعض الشىء ولكنى سألت «هل حضرتِ مسرحية الزعيم» وقلبى يرجف من الخوف فى انتظار الإجابة حتى جاءت «لا رغم أننى أتمنى ذلك».. إنه القدر يضعنا فى طرق تتلاقى أو عندما يشاء يفتح أبواب السماء والأرض.
•••
أعادتنى أسئلتك الكثيرة والمتلاحقة إلى الآن، إلى اللحظة فأجبت بكثير من الحماس وعاتبتك كثيرا على عدم بقائك على التواصل حتى ولو كان متقطعا ومتباعدا.. قلتِ أنا الآن هنا وبما أنك موجود إذن نلتقى خلال الأيام القادمة.. جاء ضيوفى وبقيت أراقبك وصديقتك من بعيد على أمل أن يعود القدر ليلعب دوره.
•••
مضت ساعات وأيام طويلة بعدها وأنا أنتظر ربما عودتك لذاك الركن أو الاتصال، ولكن خابت كل آمالى وجاء موعد سفرى أنا هذه المرة، فكان أن رحلت وتباعدت طرقنا إلا نادرا، وفى كل مرة نلتقى، وكأن الزمن لم يتحرك لحظة وكأننا لم نكبر، وكأننى لم أرتبط بامرأة أخرى، رغم أنها لم تكن امرأتى، ففى كل هذه السنين لم أملك الجرأة على مصارحتها بأى شيء، واكتفيت بالحفاظ عليها صديقة أو حبيبة مع وقف التنفيذ.
•••
قالت له علىّ أن أنهى المكالمة ونلتقى فى الغد كما اتفقنا هناك فى نفس المكان.. ضحك وكأن الزمن قد توقف وهى تصر أنه ركنها هى رغم أن الكثير مروا من هنا وجلسوا بعضهم عشاق وآخرون لعقد الصفقات وكثير منها ربما يكون مشبوها.. ضحك وعلق ببعض تمتمة خوفا من أن يلفظ كلمة أو حرفا تعيق ذاك اللقاء الذى بقيا يخططان له لأكثر من ستة أو سبعة أشهر بل ربما منذ ذاك التاريخ حين سمع خبرا عنها أعاد الحياة لما تصور أنها مشاعر كانت وانتهت.. هو فى كل رسالة أو مكالمة يتقن فن «الكول»، ويُعمل جهده ألا تسمع هى عبر الهاتف دقات قلبه المتلاحقة وكأنها تغنى «كم طال انتظارك».
•••
يعد المتبقى من الوقت ليطمئن نفسه «بضع ساعات فقط بضع ساعات».. غير آبهٍ من مخاوفها من عوامل الزمن وكثير من التجاعيد على الوجه وتعب لم يغتسل بعد.