هذا رسول الله - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 10:34 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هذا رسول الله

نشر فى : الجمعة 29 أكتوبر 2021 - 8:35 م | آخر تحديث : الجمعة 29 أكتوبر 2021 - 8:35 م

ولد يتيما فلم تكتحل عينه برؤية والده، ثم ماتت أمه وهو طفل فلم يستمتع بها وبحنانها، فقد مكث فترة يرضع فى بادية بنى سعد من حليمة السعدية، فصبر ورضى ولم يتسخط، ومات جده عبدالمطلب سنده وكفيله بعد سنوات، ثم كفله عمه أبو طالب وكان فقيرا فخرج وهو صغير يرعى الغنم مقابل دراهم معدودة.

ثم عمل فى مال خديجة فى شبابه فكان نعم الأمين الصادق فى تجارته، ورتبت الأقدار له أن يتزوج من امرأة تكبره بـ 15 عاما وغيره يرفض أن يتزوج من فتاة تقاربه السن، فرضى وسعد لأنها تحمل قلبا عطوفا رحيما وعقلا كبيرا يستطيع تحمل أعباء الرسالة التى وصفها الله بقوله «إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا».
عانى أشد المعاناة فى حمل الرسالة وأدائها، يبعث إلى الخلق وحده، والكفر والشرك يملأ الكون حوله، وكلما دعا إلى ربه قيل له: مجنون، ساحر، كذاب، كاهن، فإذا به يقابل هذه السفاهات بالصبر الجميل والحلم العظيم دون سخط أو ضيق، لم يقابل سفاهتهم بمثلها ولا تطاولهم بتفحش أو تبذل، فما كان رسول الله فاحشا ولا متفحشا فهو يكره الفاحش والبذىء، وهذا درس لمحترفى الشتائم والبذاءات الذين يظنون أنهم يخدمون قضية الإسلام وهم يوجهونها إلى خصومهم السياسيين.
ولما اشتد أذى كفار قريش عليه كان يفر من أذاهم من دار إلى دار، واضطر وهم أكرم الخلق أن يستتر بدعوته فى «دار الأرقم» وفى إحدى المرات ضربوه حتى سال الدم منه، وألقوا سلى الجذور «أى أمعاءه» على ظهره وهو يصلى فصبر وسكن لحكم ربه.
فى إحدى المرات حاولوا خنقه فدافع عنه صديق عمره ورفيق دعوته الصديق أبو بكر مستلهما القرآن «أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّى اللَّهُ».
صدود وصلف أهل مكة اضطروه وهو المؤيد من السماء أن يخرج من مكة ليطوف على القبائل هاتفا فيهم «من يئوينى.. ومن ينصرنى» فقبيلة ترفض خوفا من محاربة العرب، وأخرى تريد خلافته لنفسها ظنا أنه ملك، وإذا بثقيف لا تقف عند رفضه بل تسلط عليه سفهاءها وصبيانها ليضربوه بالحجارة ويشتمونه ويسبونه حتى جرحت أقدامه، أهكذا يهان نبى الأمة العظيم؟
بعدها لم يستطع العودة إلى منزله فى مكة إلا فى جوار المطعم بن عدى وكان كافرا رحيما شهما فآواه وأكرمه وأجاره، كل ذلك وقلبه لا يعرف الاعتراض على ربه، لم يقل مثلما قال عمر يوم الحديبية «ألسنا على الحق» فلمَ نعطِ الدنية فى ديننا؟.
يأتيه ملك الجبال يطلب إذنه ليطبق على من آذوه الجبلين؟ فلم تأخذه العزة والأنفة ولا الرغبة فى الانتقام بل قال فى تواضع وعفو «اللهم اغفر لقومى فإنهم يعملون».
رغم حجم الإهانات اللامتناهية لم يعرف قلبه الحقد أو الانتقام، يقتل عمه ونصيره حمزة، ويمثل بجثته فيهم أن ينتقم له فيمنعه الله من ذلك فيمتثل صاغرا لأمر ربه «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ».
ويحتضر عمه أبو طالب الذى لم يخذله أبدا ويتمنى أن يسلم فيخاطبه ربه: «إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاءُ» فيستسلم لأمر ربه.
ويبتلى بالجوع ويربط الحجر على بطنه وتمر الأشهر الثلاث ولا يطبخ فى بيوت زوجاته شيئا وهو يجمع الحكم والنبوة وربه يملك خزائن السموات والأرض، وهو قانع بحياته وراضٍ بها، ما دام ذلك يرضى مليكه سبحانه.
ويعذب أصحابه فى مكة ويقتل أحبابه فى المعركة تلو الأخرى ويشج وجهه وتكسر رباعيته ويهزم جيشه فى أحد ويمثل بالكرام من أصحابه فلا يسخط ولا يتغير باطنه ولا يقل لربه «أين النصر».
وتقتل رعل وذكوان الدعاة من أصحابه غدرا وخيانة ولما همَّ أن يدعو عليهم منعه الله «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَىءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ»، فسكن ظاهره وباطنه لأمر ربه.
ورزق إبراهيم فتسرى وتسلى به عن منغصات الحياة فمات، ورزق بالأحفاد الحسن والحسين فأخبر بما سيجرى عليهما فرضى عن ربه وقضائه رغم ألمه.
وسكن بطبعه حبا وهياما بعائشة التى كانت تمتلئ ذكاءً وجمالا وحيوية فلم يهنأ بذلك، بل تكدر عيشه حينما قذفها القاذفون ظلما وعانى ليالى طوال قبل أن يتنزل القرآن ببراءتها».
أظهر آيات النبوة فحزن لعلمه أنه سيخرج بعده من يدَّعى النبوة مثل مسيلمة الكذاب والأسود العنسى.
تغاضبه زوجاته فلا يطردهن إلى بيوت آبائهن ولكن يذهب هو إلى بيت أبيه وربه «المسجد» راضيا سعيدا.
كان يمرض ويشتد عليه المرض، ويوعك كما يوعك رجلان من أمته، ولم يطلب يوما من ربه أن يعفيه لمكانته ونبوته من هذه الأمراض.
كان ينام على الحصير فتؤثر فى جنبه الشريف دون تسخط ولم يطلب من الله حتى وسادة مريحة، كان يقدم أمته على نفسه ولا يقول مثل غيره «نفسى نفسى» ولكن يقول: «أمتى أمتى».
وخير بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وخير بين أن يكون ملكا رسولا وعبدا رسولا فتواضع لربه واختار الأخيرة، وبين البقاء والرفيق الأعلى فاختار الرفيق الأعلى.
ويشتد عليه ألم الموت حتى يقول وهو فى شدة التعب والمعاناة واصفا حاله «إن للموت لسكرات».
سلبت روحه الشريفة وهو نائم فى حجرة غاية فى البساطة ويرفض أن يجلس فيها اليوم عامل بسيط ويموت وهو يرتدى ملابس غاية فى البساطة والزهد، وليلتها لم تجد زوجاته زيتا يوقد به المصباح.. عليك الصلاة والسلام يا سيدى يا رمز الرضا العظيم والصبر الجميل والحلم اللا محدود.

التعليقات