إنها الدائرة الدرامية الكاملة، شاهدنا هذا فى شخصية وكيل النيابة فى فيلم «العار» إخراج على عبدالخالق حين قام هذا الرجل المستقيم بتعنيف أحد المتهمين ورفض أن يعفو عنه وحكم عليه كما تقول بنود القانون، وفيما بعد اضطرت الظروف الحياتية أن تدفع رجل العدالة هذا أن يسقط فى دائرة الخروج عن القانون.
قبل هذا التاريخ بنصف قرن وفى فيلم «الطريق المستقيم» إخراج وسيناريو توجو مزراحى، وتأليف يوسف وهبى، وجد يوسف فهمى نفسه يتعامل بنفس الحدة مع أحد موظفى بنك مصر ويطرده من عمله لمجرد أن وقع فى غرام إحدى الراقصات، وصرف عليها أمواله، يوسف هذا متزوج من امرأة نبيلة أنجب منها ثلاث بنات، وتم اختياره ليكون مديرا للبنك بسبب كفاءته وشغفه ودقته فى العمل، إلا أن الظروف تدفعه إلى التعرف على مغنية تسمى ثريا، وحسب السيناريو المكتوب فإن يوسف يلتقى بالمرأة أكثر من مرة بدون ترتيب، وشيئا فشيئا تدخل ثريا حياته ويتحول إلى شخصية مكررة من الموظف الذى سبق أن طرده من العمل، وما تلبث الأحداث أن تتكشف فهى امرأة مراوغة تدفعه أن يسدد عنها مبلغًا كبيرًا للمحضر الذى جاء للحجز، وتتوغل المرأة فى حياته فيقوم بالصرف عليها ببذخ لدرجة الإفلاس وبيع ممتلكاته، مما يزعج زوجته وتنبهه إلى سوء ما فعل لكن تعلق يوسف بعشيقته يزيد ارتباطه بالمغنية حيث يكشف الفيلم أن هناك رجلا آخر فى حياتها دفعها إلى ابتزاز يوسف، ولأن مدير البنك هذا رجل أمين فإن الإدارة تطلب منه توصيل عشرين ألف جنيه ذهبى إلى سوريا، ومن هنا تحوم ثريا حوله ويساندها عشيقها الذى تدَّعى أنه أخوها، وفى طريق سيناء نحو سوريا تتم سرقة الذهب الكثير كما تقوم العصابة بإسقاط السيارة فى البحر كأن يوسف قد مات مع المسروقات، وينحدر الحال بالرجل فيتحول إلى خادم ويقتل عشيقته حين يعرف الحقيقة التى دفع ثمنها ويتم القبض عليه وترحيله إلى مصر، إلا أنه يهرب ويتجه إلى منزله ليرى أسرته، وترفض امرأته فضحه بينما تطارده الشرطة وتقتله، وتظل أمينة محتفظة بسرها.
هذا الفيلم من إنتاج شركة استوديو مصر التى تمتلك بنك مصر، ولعلها كانت تبعث برسالة فى عام 1943 إلى موظفيها ألا يكون أحد منهم مثل يوسف فهمى، وقام ببطولة الفيلم كل من يوسف وهبى وفاطمة رشدى وأمينة رزق واستيفان روسى ومنسى فهمى وآخرين، والجدير بالذكر أن عبدالحى أديب قد أعاد كتابة هذه القصة فى الفيلم التركى «بعت حياتى»، وهو أحد الأفلام التركية التى اشترك فى بطولتها فريد شوقى فى نهاية الستينيات، وكما نرى فإن أغلب أبطال فيلم «الطريق المستقيم» كانوا من أعلام المسرح فى الثلاثينيات والأربعينيات، ولا شك أن المخرج توجو مزراحى الذى لم يعمل قط بالمسرح قد وجه الممثلين ليكونوا فى أحسن أحوالهم على الشاشة وتخلى أغلبهم عن أسلوب الأداء الفاقع المعروف عن كلٍ منهم، وإذا عدنا إلى مسألة الدائرة الدرامية فإن المشهد الأول من الفيلم يُعبر عن المصير الذى آل إليه موظف البنك الصارم، بما يعنى أن حدته تجاه الموظف الذى عشق الراقصة لم تعرف اللين، لكن يوسف انكسر أمام تلك المغنية وفعل ما هو أكثر: عشق، وخان زوجته، وانتهى أمره بالإفلاس، واختلس الذهب وهرب به من أجل ملذته، أما الموظف الذى رأينه فى بداية الفيلم فإنه لم يبلغ به السقوط نفس المستوى المنحدر الذى سلكه مدير البنك الشريف جدا.