أحيانا يأتى التغيير عن طريق فيديو على اليوتيوب - معتمر أمين - بوابة الشروق
الأربعاء 3 يوليه 2024 1:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أحيانا يأتى التغيير عن طريق فيديو على اليوتيوب

نشر فى : الأحد 30 يونيو 2024 - 5:55 م | آخر تحديث : الأحد 30 يونيو 2024 - 5:55 م

لنتصور ماذا يمكن أن يحدث لو غيرت الولايات المتحدة مناهجها الدراسية فى المدارس، لتتبنى وجهة النظر الفلسطينية عن طبيعة الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين منذ عام 1948 وحتى الآن. ثم نتخيل تأثير ذلك على سياسة الولايات المتحدة الخارجية تجاه إسرائيل، والدول العربية! ثم نتخيل لو أن إسرائيل نفسها عدلت مناهجها ونزعت منها فكرة أنهم «شعب الله المختار»، فماذا يبقى من إسرائيل؟ أو بالأحرى لماذا يبقون فى المنطقة العربية ويصارعون على القدس؟ ولو أن موضوع تعديل المناهج فى الولايات المتحدة وإسرائيل خارج التصور، فلماذا يعتبر تعديل المناهج لدينا مسألة عادية؟ الشاهد أننا فى موقف الدفاع، وهو موقف يعتمد على مناعة المجتمع الذى يستقى الكثير من أفكاره عبر منصات التواصل الاجتماعى لاسيما اليوتيوب بأكثر من مناهج التعليم.

لقد ظهرت هذه المسألة فى الولايات المتحدة بصورة لم تكن فى الحسبان، حيث انفجر طلاب كبريات الجامعات الأمريكية بطريقة غير مسبوقة فى وجه إدارات الجامعات مطالبين بقطع العلاقات الأكاديمية مع الجامعات الإسرائيلية، ووقف المنح المقدمة للجانب الإسرائيلى، ورفض تلقى أى دعم مالى من أى شركة منحازة لإسرائيل تضع شروطا على نوعية المناهج التى يتم تدريسها فى الجامعات. وهى مطالب ثورية تبناها طلاب الجامعات وأصروا عليها، مما دفع العديد من الجامعات إلى التجاوب مع بعضها بدرجات متفاوتة.

ولكن السؤال، كيف تسلل هذا الوعى إلى طلاب الجامعات الأمريكية بالرغم من المناهج المنحازة التى يدرسونها؟ والإجابة عبر منصات التواصل الاجتماعى التى نقلت مشاهد حية عما يجرى داخل غزة والضفة، مما كشف تباعا زيف الادعاءات والتضليل المتعمد الذى يجرى. وذلك بالرغم من تضييق منصات التواصل الاجتماعى ذاتها لطبيعة المحتوى الذى تسمح بعرضه. وبالتالى، القدر اليسير الذى وصل إلى الطلاب كان كافيا لتتحرك داخلهم نزعة الرفض للجرائم، وإعلانهم التظاهر ضد هذا العنف المفرط الذى تشارك فيه حكومتهم. وقد يقفز البعض إلى سؤال، ثم ماذا بعد؟ وكأن السؤال يخفف من نتيجة ما حدث وكأنه بلا قيمة. وذلك لأن من يستعجل النتائج ويريد أن يحصد تغييرا فوريا لا يقيم وزنا لمثل هذا التحرك فى الجامعات، بينما التحركات فى حد ذاتها معناها فشل سياسات طويلة الأمد ظن أصحابها أنها محصنة. وهكذا صنع اليوتيوب التغيير.

 • • •

 الشاهد أن قدرة المجتمع على تكوين أفكاره ترتبط دائما بالجامعات، وذلك لأنها محركات النقاش العام التى يدور داخلها صناعة الأفكار وصياغة المفاهيم. ولأن مكانة الجامعات ومحتوى ما تقدمه أصبحت تعانى من التأخر أو التراجع مقابل ما يقدمه الإعلام الديجيتال، انتقل جزء مؤثر من قدرات الجامعات إلى عالم الديجيتال. ولذلك تنظم العديد من الصحف الأمريكية ندوات رأى يشارك فيها خبراء أمن سيبرانى من أجل التوعية بهذه الأمور. فمثلا نظمت صحيفة «واشنطن بوست» يوم 4 يونيو الماضى ندوة حول الأمن السيبرانى، شارك فيها نخبة من المسئولين، وصرح خلالها ناثانيال فيك، مفوض الخارجية الأمريكية للشئون السيبرانية والسياسة الرقمية، بـ«أن معظم المعلومات التى يستقيها الأمريكيون من وسائل التواصل الاجتماعى مصدرها وكالات استخبارات أجنبية». وهو يقصد بذلك ما يراه الأمريكيون بخصوص غزة، ومن ثم فإن تحرك الطلاب فى الجامعات الأمريكية هو ناتج تدخل من مخابرات لدول معادية تريد الإضرار بالأمن الأمريكى وأمن حلفائها، وتأتى المخابرات الروسية فى مقدمة تلك الأجهزة. وفى سياق متصل، تفعل الولايات المتحدة كل ما بوسعها لتوقف أو تحاصر أو تنزع تأثير منصة تيك توك الصينية التى لها أكبر جمهور داخل الولايات المتحدة الأمريكية، مما يجعل الصين نافذة إلى قلب المجتمع الأمريكى.

 • • •

 على الجانب الإسرائيلى، قد يتفاجأ من يتابع قصص المفرج عنهم فى صفقة التبادل الأولى مع حركة حماس، والتى جرت فى شهر نوفمبر العام الماضى، عن وجود نافذة عبر الكثير من هؤلاء المفرج عنهم تتيح للمجتمع الإسرائيلى الرؤية داخل المقاومة الفلسطينية. فبينما المتوقع هو سوء المعاملة، فإذا بحسن المعاملة هو السائد، وتسبب ذلك فى نزع المصداقية من سردية الحكومة الإسرائيلية أمام جمهورها وأمام العالم عن وحشية المقاومة والفظائع التى ترتكبها، لتتحول تلك الصورة لصالح المقاومة داخل المجتمع الإسرائيلى نفسه. وتسبب ذلك فى انتشار الغضب لدى شريحة واسعة من الجمهور الإسرائيلى ممن يؤيد الحكومة اليمينية المتطرفة، مما أدى لزيادة العنف ضد الفلسطينيين، لاسيما فى الضفة الغربية. ولكن حالة الجدال مستعصية داخل إسرائيل، فبعدما كان الإقبال على التطوع من جنود الاحتياط يصل لمعدل 120% كرد فعل على هجمات 7 أكتوبر، تتراجع النسبة الآن إلى 70% فقط مع تجدد الدعوات للتعبئة لمواجهة محتملة مع حزب الله فى الشمال.

 •  •  •

 إذن، مسار الحرب يكشف أمام المجتمع الإسرائيلى ذاته بأن ما تقوله حكومته وما تسمح بنشره ليس الحقيقة، ويبدو أن مفعول منصات التواصل وما يتسرب خلالها من لقطات حية، بالإضافة للواقع الذى تتناقله ألسنة المنخرطين ميدانيا فى غزة والذين يرون المجازر التى يرتكبها جيشهم فى حق المدنيات والمدنيين العزل، كل ذلك له تأثير سلبى على المجتمع الإسرائيلى. وبينما تنشغل حكومة اليمين المتطرف بالاستعداد لضرب لبنان، ورد فعل إيران، فإن الخطر الحقيقى الذى يهددها يأتى من الداخل. وكلما وصلت الحقيقة للمجتمع الإسرائيلى زاد الانقسام الداخلى، حيث يكتشفون زيف الادعاء بأن لجيشهم أخلاقا، وتزداد قناعتهم بأن الإفراط فى العنف والهروب للأمام عبر فتح مزيد من الجبهات لن يغير شيئا من خسارتهم الاستراتيجية وتراجع سمعتهم الدولية.

ولكن ماذا عن صناعة الأفكار وصياغة المفاهيم لدى الشعب المصري. وهنا نلفت الانتباه لمسألتين؛ الأولى، نوعية القضايا التى تشهد تفاعلا داخل الجامعات، والتى لا شك أن فى مقدمتها حرب الإبادة فى غزة، إضافة لمسائل داخلية مثل غلاء الأسعار، ومستقبل سعر صرف الجنيه مقابل الدولار فى ظل زيادة أعداد اللاجئين واللاجئات بسبب الحرب الأهلية فى السودان. المسألة الثانية، أن الجامعات المصرية تواجه مثل باقى الجامعات العالمية نفس التحدى المتمثل فى تقدم عالم الديجيتال الذى يعرض محتوى جذابا، قد يكون دوره أكبر فى صناعة الأفكار والمفاهيم عن دور الجامعات. مما يعنى أن حالة الحوار داخل الجامعة لا تؤثر بالقدر الكافى فى إعداد عقل ووجدان الخريجين والخريجات بنفس مقدار منصات التواصل.

حتى وقت قريب، كانت صناعة المحتوى على معظم تلك المنصات لاسيما اليوتيوب حكرا على المنتمين للتيار المناوئ للدولة. ولولا بعض القنوات على اليوتيوب مثل سامرى، والمواطن سعيد، ولطفى زكريا، وغيرهم لاستمر نجاح القنوات التى تهاجم الدولة فى سوء تفسير الكثير من المواقف المصرية فى أزمات مثل، غزة، والسودان، وحتى الأزمة الاقتصادية. وفى حين نهتم بالمحتوى الذى يخص المجتمع المصري، فإن لدينا ملايين الأشخاص المقيمين من جنسيات أخرى يتأثرون بمحتوى قنواتهم على اليوتيوب التى تصنع لهم عالما موازيا فى مصر قد لا نصل إليه ولا نؤثر فيه. وهكذا يفعل اليوتيوب.

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات