لبيك اللهم لبيك - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 1:21 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لبيك اللهم لبيك

نشر فى : الجمعة 31 يوليه 2020 - 7:40 م | آخر تحديث : الجمعة 31 يوليه 2020 - 7:40 م

لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك لبيك.. هكذا تنطلق أعظم هتافات التوحيد من الحجيج.
لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. لبيك ذلًا وخضوعًا، لبيك حبًا وقربًا، لبيك صلاة ومناجاة، لبيك خشوعًا وسجودًا وركوعًا، لبيك رجاءً وخوفًا.
هذه الكلمات الرائعة هى لبُّ توحيد الله وإفراده بالعبودية الخالصة والإقرار الكامل من قائليها أنهم شرفوا بعبوديته والخضوع له والتذلل لعظمته سبحانه.
هذه الكلمات تلخص المضمون الأبرز لرسالات السماء ودعوة الأنبياء والمرسلين، إنها تعنى تنزيه الله وتسبيحه وتعظيمه وتقديسه، إنها جل المعرفة بالله ثم بالنفس، إنها تعنى أننى عبد مذنب مقصر مسرف على نفسه جاء تائبا إلى ربه راغبا فى عفوه ذليلا أمامه خاضعا فى ملكه.
هذه التلبية تحمل تلخيصا رائعا للعبودية الحقة لله والتى جاء الأنبياء وعلى رأسهم خاتم الرسل محمد «صلى الله عليه وسلم» من أجل ترسيخها وإرسائها.
إنها تمثل عقيدة غاية فى البساطة واليسر لا تعقيد فيها ولا صعوبة، يفهمها العالم كما يدركها الإنسان البسيط، يفهمها العربى والأعجمى، يدركها المسلم الهندى أو الصعيدى والقروى البسيط محورها الأساسى عبادة الله وحده.
هذه العبودية الحقة لله هى التى صنعت جيل الصحابة كأول جيل فى هذه الأمة، وصنعت أبا بكر وعمر وعثمان وعلى وخباب وبلال وعمار وياسر، كما صنعت خديجة وعائشة وسمية وأم عمارة.
هذه العبودية الحقة لله هى فطرة الله التى فطر الناس عليها، ومهما غطتها المعاصى والآثام والمظالم أو الإلحاد فإن القلب يهتف بها عند لحظة الشدائد الكاشفة.
لبيك اللهم لبيك، لبيك فى الضيق والسعة، فى عسرنا قبل يسرنا، وفى فقرنا قبل غنانا، وفى شدتنا قبل رخائنا.
لبيك اللهم لبيك، خلقتنا ورزقتنا وأعطيتنا وأكرمتنا بالأصل والآباء والأمهات الصالحات، وبزوجاتنا الراضيات القانعات، ورزقتنا الذرية الطيبة بغير حول منا ولا قوة.
لبيك يارب، كم أكرمتنا ونحن نقصر فى شكرك، كم سترتنا ونحن نستمرئ العصيان، كم أعطيتنا دون أن نحمدك، كم جبرت كسرنا وآويتنا، ورحمت غربتنا وكربتنا، ولولاك ما عرفناك، ولولا هدايتك ما عبدناك، ولولا سترك علينا لافتضحنا، ولولا كتابك ورسلك ما اهتدينا، ولولا دفاعك عنا لانتهينا، ولولا رحمتك بنا ما كان لنا شأن، ولولا أن وهبتنا العقل والحكمة ما تعلمنا ولا فهمنا.
لبيك اللهم لبيك.. لبيك شوقا إلى لقائك، واستعذابا لكل صعب فى سبيلك، وركوبا لكل وعر للوصول إلى مرضاتك ومحبتك.
لبيك اللهم لبيك.. يا من أغرقت الدنيا كلها استجابة لكلمات قليلة دعا بها عبدك ونبيك نوح «فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّى مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ».
لبيك اللهم لبيك، يا من منحت ملك الدنيا كلها بإنسها وجنها وطيورها وحيواناتها ودوابها استجابة لدعاء عبدك سليمان «رَبِّ اغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلْكًا»..
لبيك اللهم لبيك، هتف بها قلب محمد وهو يرفض أن يكون ملكا رسولا رغم عظم المنصبين، ليكون عبدا رسولا، يريد أن يحيا ويعيش ويموت عبدا متجردا لله لا تغره زينة ولا يفتنه ملك ولا يصرفه عن الله صارف.
لبيك اللهم لبيك، هتاف التوحيد العظيم، والأنشودة الجميلة للعبودية الحقة لله، هذه العبودية هى التى تضبط حقا حياة العبد؛ حيث يوقن أن الله يسمع ويرى، ويعلم خائنة الأنفس وما تخفى الصدور، فقد جاء رجل إلى رسول الله فقرأ عليه: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ** وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»، فقال: حسبى لا أبالى ألا أسمع غيرها.
عبودية تضبط العبد دون ترسانة القوانين التى لا تردع أحدا عن الإجرام أو الفساد أو السرقة، ودون عشرات المحاكم التى لا جدوى منها، وقبل آلاف المدارس التى لا تربى أحدا، وآلاف المساجد التى لا روح فيها، عبودية تنبع من قلب حى يهتف «لبيك اللهم لبيك».
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، تمثل العبودية الخالصة لله والتى أفرزت الرجال الصالحين الزاهدين على مر الأجيال فأوجدت الصديق أبى بكر يوم الردة، وخالد بن الوليد فى اليرموك، وسعد بن أبى وقاص فى القادسية، وصلاح الدين فى حطين، وقطز وبيبرس فى عين جالوت.
تلك العبودية الحقة التى ألهمت الصديقة العظيمة خديجة زوج النبى بأعظم كلمة تأييد زوجة لزوجها «أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتحمل الكلَّ وتقرى الضيف وتعين على نوائب الدهر»، وهى التى ألهمت من قبل هاجر أن تقول لزوجها إبراهيم عليهما السلام: «إن كان الله أمرك بهذا فلن يضيعنا الله»، وهى التى جعلت الأنبياء يضحون فى سبيل الله بكل غالٍ ورخيص، فتُرمى العذراء مريم بالزور والبهتان وهى صابرة، ويطارد المسيح عليه السلام فيعفو ويغفر، ويشق بالمنشار زكريا، ويذبح السيد الحصور يحيى، ويلقى فى السجن يوسف بعد أن بيع بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين.
لبيك اللهم لبيك هى التى جعلت أهل التصوف والزهد والعلم بالله تهتف قلوبهم «نحن فى نعمة لو علمها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف»، وهى نعمة القرب من الله «يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ»، فلم يعد أمر المناصب والرتب والنياشين والأموال والقصور يشغلهم أو يصرف اهتمامهم عن المحبوب الأعظم سبحانه.
هؤلاء استعذبوا الطريق إلى الله، فالناس تسير إلى الله بقلوبها وليس بأبدانها ولا بألسنتها، وهذا الإيمان هو الذى أذهب عنهم ألم الطريق إلى الله وصعوباته ومشقاته، وحولت عسره يسرا، ومره حلوا، وصعبه سهلا، وغاليه رخيصا، فرضاهم فى رضا مولاهم الحق سبحانه، ومحبتهم نابعة من محبة مليكهم سبحانه، فهم يحبون ما يحبه مولاهم ويكرهون ما يكره.
إن كان رضاكم فى سهرى *** فسلام الله على وسنى
وكل عام وأنتم بخير.. وأعاد الله على مصر والعالم كله هذه الأيام المباركة بالأمن والأمان والرزق والسعة والسلام والوئام والعافية فى الدنيا والدين.

التعليقات