رحلتنا مع خلق الإيثار لم تنته بعد، وأنا مصر على أن نتعلم من رسول الله، ومن صحابته حتى نعرف أين نحن منهم، وحتى ندرك أن سبب تراجع مجتمعنا وتفككه هو أننا ضيعنا مثل هذه الأخلاق.
هل تريد أن تفهم ما أقول.. اقرأ عن إيثار عبدالله بن عمر رضى الله عنهما، إيثار نتعجب له.
عبدالله بن عمر كانت تعجبه الآية: «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون» فكان يخرج الصدقة مما يحب، وذات مرة تنبه إلى أن ناقته تعجبه فنزل من عليها، ووقف إلى جوارها فى عرض الطريق حتى وجد عجوزا فقيرا، فقال: اركب يا رجل فهى لك.
أتته مرة سمكة هدية، وكان يحب السمك حبا شديدا، فأتت إليه امرأته بسمكة مشوية، ففرح بها ثم طرق الباب مسكين، فقال لها: أعطيه السمكة فقالت: عندنا فى البيت خبز وشعير ولحم.
قال: وماذا أفعل بقول الله: «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون»؟، أعطه السمكة، وبعد أن أعطتها للرجل قالت له: أتبيع إلى السمكة بدرهم؟ فقال الفقير: نعم. فأعطته الدرهم وأخذت السمكة ثم وضعتها أمام ابن عمر، ففرح وعندما هم بأكلها طرق الباب نفس الرجل وقال أعطونى شيئا، فقال لها بن عمر: أعطيه السمكة. فقالت: يا بن عمر فعلتها مرة. قال: إن الله قالها مرات ولم يقلها مرة. «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون»، فخرجت للرجل بالسمكة وقالت له: أبتاع منك السمكة؟ فوافق فقالت له: أقسمت عليك ألا تعود مرة ثالثة وأخذت السمكة وأعطتها لابن عمر.
أخرجوا الشح من بيوتكم، ومن جيوبكم ترزقوا سخاء النفس وتذوقوا حلاوة الإيثار، لذة غريبة كلما أعطيت كأنك أنت الذى أخذت.
الآن: تكون جالسا على مائدة الطعام أنت وأمك وتقول فى نفسك يا ليتها لا تأخذ هذه اللقمة، كيف ذلك؟ إذا كنت لن تؤثر مع أبيك وأمك، ماذا ستفعل مع من فى الشارع؟ إذا كنت فى الأتوبيس ومتعب جدا كيف ستؤثر أخاك وتجلسه مكانك؟ أين الإيثار فى الصغيرة والكبيرة؟
ينظر لإيثار النبى صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، كان يعلم جيشا بأكمله هذا الخلق العظيم، جاء «جابر بن عبدالله» يوم الخندق، قال يا رسول الله: عندنا فى البيت دجاجة وبقية شعير فأقدم يا رسول الله وكل معى، فنظر إليه النبى وقال: وحدى؟
لقد كان الصحابة ومعهم رسول الله متعبين جدا من الحفر لمدة 15 يوما وكانوا يربطون على بطونهم من شدة الجوع ــ فقال له جابر بن عبدالله: ومعك رجل أو اثنان. فوقف النبى على تل وقال: يا معشر المهاجرين، يا معشر الأنصار: غداؤنا اليوم عند جابر بن عبدالله. يقول جابر: فتسللت وجريت إلى البيت أقول لزوجتى: رسول الله قادم ومعه الجيش ! فقالت ــ المرأة المسلمة المؤمنة ــ أو أخبرت رسول الله بالطعام؟ فقال: نعم، قالت: فالله ورسوله أعلم، ويقف النبى ويقول لجابر: أنت بوابنا اليوم، وقام النبى بتكسير الخبز، ويدخل جابر عليه عشرة عشرة يطعمهم ويخرجون.
أرأيت متى ظهرت معجزة النبى وحلت البركة؟ عندما حدث هذا الحدث ليعلمهم الإيثار وتحل البركة مع أنهم كانوا جوعى منذ مدة فطعم الجيش كله، يقول بن عبدالله، كلما دخلت مجموعة قلت إنها آخر مجموعة ولن تأكل التى تليها، ولكنهم كانوا يخرجون وقد امتلأت البطون، يخللون أسنانهم، ثم دخل جابر فى النهاية فقال له النبى: يا جابر بارك الله لك ولأهل بيتك فى طعامك، فدخلت فإذا بالطعام كما هو إلا قطعة من الدجاجة.
وغدا بإذن الله نكمل حديثنا..