خان الخليلي.. أن تعيش عبق التاريخ في قلب القاهرة - بوابة الشروق
الجمعة 20 سبتمبر 2024 5:28 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خان الخليلي.. أن تعيش عبق التاريخ في قلب القاهرة

إعداد وتصوير أسامة زكريا
نشر في: الجمعة 19 يوليه 2024 - 4:52 م | آخر تحديث: الجمعة 19 يوليه 2024 - 5:16 م

في قلب القاهرة، حيث يتداخل الحاضر مع الماضي في نسيج معقد وساحر، يقع خان الخليلي، السوق التاريخي الذي يروي قصص مصر القديمة بأزقته الضيقة وروائحه الفريدة. في أحد أيام الصيف المشمسة، قررت أن أغوص في أعماق هذا المكان العريق، لأكتشف بنفسي لماذا يظل خان الخليلي رمزًا خالدًا للتجارة والثقافة المصرية، ولم أكن أدري أنني على وشك أن أعيش تجربة فريدة تحفر في ذاكرتي بعمق.

- خطواتي الأولى في سوق خان الخليلي العريق

بدأت رحلتي بالدخول إلى هذا السوق الضخم، حيث لاحت لي أزقته الضيقة والمتاجر المنتشرة على امتدادها، وكل منها يعرض كنوزًا من الحرف اليدوية والمشغولات التقليدية، التي تعكس تراثًا ثقافيًا غنيًا. كانت الأجواء مشحونة بروائح التوابل المتناثرة والألوان الزاهية للأقمشة، مما جعل كل خطوة في السوق تشعرني بأنني انتقل عبر الزمن إلى عصور بعيدة.

الأرضيات المرصوفة بالأحجار القديمة، كانت تحت قدمي تذكرني بأن هذا المكان ليس مجرد سوق عادي، بل هو متحف حي يحكي قصصًا عميقة عن ماضي مصر العريق. تأسس خان الخليلي في القرن الرابع عشر بأمر من الأمير المملوكي جهاركس الخليلي، ومنذ ذلك الحين أصبح رمزًا للحياة والنشاط التجاري في القاهرة القديمة.

بينما كنت أتجول، اقتربت من عم سعيد، أحد الباعة القدامى في السوق، والذي يمتلك متجرًا للعطور. بروح مرحة وحماس، بدأ يحكي لي عن الزوار الأجانب الذين يأتون من كل أنحاء العالم لاكتشاف سحر هذا المكان: "السياح بيجوا هنا للبحث عن الهدايا التذكارية مثل الحلي الفضية، والتماثيل الفرعونية، والعطور الشرقية. وبينبهروا بتاريخ السوق".

وعندما سألته عن العطور التي يعرضها، كانت إجابته تكشف عن مجموعة متنوعة من العطور الشرقية الفاخرة، مستخلصة من الأعشاب والتوابل المحلية التي تشتهر بها مصر "كل عطر يحمل قصة خاصة، تنقل روح الثقافة المصرية التقليدية، مما يجعله محط جذب للزوار الباحثين عن تجربة فريدة وأصيلة في قلب القاهرة التاريخية".

- قهوة الفيشاوي.. نافذة على الماضي

لم تكن جولتي لاستكشاف السوق مكتملة دون زيارة قهوة الفيشاوي، المعلم التاريخي الذي يعود لأكثر من 200 عام. بمجرد دخولي لهذا المقهى، انغمست في جو من الأصالة والتراث، حيث تملأ رائحة القهوة الطازجة الهواء، وأصوات الحديث تتناغم مع ألحان العود. الزبائن يجلسون على كراسي خشبية بسيطة، محاطين بأجواء تاريخية وثقافية فريدة. عم محمد، الذي يعمل في هذه المنطقة منذ زمن طويل، كان هناك ليقدم لي فنجان القهوة، ومعرفته العميقة بتاريخ المكان أضافت قيمة لزيارتي.

بينما كنت احتسي القهوة، تبادلت الحديث مع عازفي العود الذين أطربونا بألحانهم الساحرة، مما جعلني أشعر وكأنني أعيد إحياء زمن آخر. عم أحمد رجب، البالغ من العمر 55 عامًا، أحد محترفي العود يعبر لي عن حبه العميق لهذه المهنة المتوارثة قائلاً: "أعشق هذه المهنة، فهي تمثل لي ليس فقط وسيلة للعيش، بل جزءًا من هويتي وحياتي الفنية. على الرغم من تحدياتها وعائدها المادي الضعيف، إلا أنني لا أتخيل يومًا أن أغادر هذا المكان الذي أصبح موطنًا لأحلامي ومشاعري الفنية".

أثناء استمتاعي بأجواء المكان، تحدث إليٌ عم محمد، والذي يتميز بمعرفة واسعة بتاريخ المنطقة، ويحب مشاركة القصص التاريخية مع الزوار. بدأ حديثه معي بحماس، وأخبرني عن الأيام التي كان فيها الأديب العالمي نجيب محفوظ يزور المكان هنا بانتظام "كان محفوظ يأتي ليكتب فصولاً من رواياته، ويلتقي أصدقائه من الأدباء والفنانين في جو من الإلهام والتواصل الثقافي" عم محمد يتذكر بوضوح تلك الأوقات ويعتبرها من أجمل فترات حياته في القهوة.

لم يقتصر حديثه على نجيب محفوظ فقط، بل استمر ليحكي لي عن ظهوره الطريف في برنامج "صاحبة السعادة" مع إسعاد يونس، بروح الدعابة التي يتمتع بها، وعندما بدت ملامح الشك على وجهي، سارع بإحضار هاتفه ليعرض عليٌ مقطع الفيديو الذي يظهر فيه على الشاشة. ضحكنا معا وأنا أشاهد المقطع، مما أضفى جوا من المرح والألفة على جلستنا.

- استكشاف تاريخ المنطقة

أثناء تجولي في خان الخليلي، لاحظت تواجد العديد من الزوار من مختلف الجنسيات، كل منهم يسعى لاكتشاف جمال وتاريخ هذا المكان العريق. السياح يلتقطون الصور، يشترون الهدايا التذكارية، ويتذوقون المأكولات التقليدية، مما يعكس جاذبية هذا السوق كوجهة سياحية عالمية.

توقفت عند متجر العطور التقليدية، حيث أدهشتني تنوع الروائح الجميلة. حسام، صاحب المتجر، شرح لي كيف يتم استخراج العطور ومزجها بطرق تقليدية تمتد لمئات السنين.

وفي متجر السجاد اليدوي، أطلعني يوسف على مجموعة من السجاد المصنوع يدويًا بدقة، مع تصاميم تعبر عن التراث المصري والشرقي.

عند التجول في الأزقة الضيقة، وجدت متجرًا لبيع الأدوات الموسيقية التقليدية. عمر، موسيقي وصانع آلات موسيقية، دعاني لتجربة العزف على بعض الآلات. حيث يقول بفخر: "هذه الآلات تعبر عن جزء من تراثنا الموسيقي الغني".

- نهاية رحلة في أحضان الزمن

لا تكتمل زيارة القاهرة دون المرور بخان الخليلي، حيث يلتقي الحاضر بالماضي في تمازج فريد لا يضاهيه مكان آخر. في هذا السوق العريق، لا تكتشف فقط المنتجات اليدوية والأطعمة التقليدية، بل تعيش تجربة تاريخية تجسد روح مصر بكل تفاصيلها. سواء كنت تسير بين الأزقة الضيقة، أو تستمتع بفنجان قهوة في قهوة الفيشاوي، ستجد نفسك محاطًا بقصص التاريخ التي يرويها كل حجر وكل وجه.

كل زاوية في خان الخليلي تحكي حكاية، وكل تفاعل مع الباعة يكشف عن جانب جديد من وجوه مصر العريقة. هنا، تجد الزوار من مختلف أنحاء العالم يتشاركون لحظات لا تُنسى، ويعبرون عن إعجابهم بهذه البقعة الفريدة التي تجمع بين التاريخ والثقافة والحياة اليومية في آن واحد. في النهاية، خان الخليلي ليس مجرد سوق، بل هو رحلة عبر الزمن، نافذة تطل على الماضي بعيون الحاضر، وتجربة ثقافية لا تُنسى لكل من يزور قلب القاهرة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك