الكاتب الفلسطيني ربعي المدهون في حوار مطوّل: الرواية الفلسطينية حققت نجاحًا وحضورًا.. والحرب زلزال كشف كذب السردية الإسرائيلية - بوابة الشروق
الإثنين 1 يوليه 2024 4:45 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بعد انقطاع عن الحوارات الصحفية

الكاتب الفلسطيني ربعي المدهون في حوار مطوّل: الرواية الفلسطينية حققت نجاحًا وحضورًا.. والحرب زلزال كشف كذب السردية الإسرائيلية

ربعي المدهون مع محررة الشروق
ربعي المدهون مع محررة الشروق
حوار - إيمان صبري خفاجة / تصوير: مصطفى الطيب
نشر في: السبت 29 يونيو 2024 - 1:07 م | آخر تحديث: السبت 29 يونيو 2024 - 1:19 م

ولدت في مدينة المجدل عسقلان جنوب فلسطين وهي تعرضت لـ قصف مكثف في الحرب الأخيرة

جئت مصر وعمري 19 عامًا لإتمام دراستي.. وحتى الآن أحرص على الزيارة

المجموعة القصصية "أبله خان يونس" كانت موصوفة بأنها مؤشر ولادة قاص فلسطيني واعد ولكني لم أوف بالعهد على مدار 25 عاما

الجوائز الأدبية ساعدت على تقديم جيل من الكتاب المبدعين.. وخلقت كمًا هائلًا من المحاولات الكتابية.. ولكن!

ربما شغلني العمل الصحفي والبحث الأكاديمي عن المسيرة الأدبية

عدت لزيارة وطني بعد 38 سنة من الترحال والغربة في ظروف شديدة التعقيد وتبخرت النوستالجيا عند سماع جملة "مطار بن غوريون يرحب بكم"

كتابي "سوبر نميمة" يناقش ظاهرة التطاول على النقد نفسه

المرأة الفلسطينية كما الرجل في الحكاية.. هي الأم والمناضلة وتعاني نفس ظلم الاحتلال

الحرب كسرت الرواية الإسرائيلية التي بُنيت عليها المظالم التاريخية

الفارق بين حرب غزة والهولوكوست هو أن الحرب تُبث علنًا والهولوكوست كانت في واقع مظلم

نبتدي منين الحكاية؟ بهذا التساؤل الذي يبدو  للبعض مجرد استدعاء لحالة من النوستالجيا، استهل الكاتب والصحفي ربعي المدهون حديثه بعد تنهيدة طويلة، وبعد انتهاء الحوار أدركت أن هذا التساؤل هو التوصيف الأنسب لـ رحلة الكاتب الفلسطيني التي بدأت بالتهجير طفلا من المجدل عسقلان، ثم الانتقال إلى مصر التي رحل عنها عنوة ومازال يحن إليها زائرًا، وصولًا إلى إنجلترا حيث اللجوء الثاني – وفقا لتعبيره – في هذه الرحلة شهد المدهون العديد من المحطات والمنعطفات المهمة؛ والتي تعكس تاريخ وطن بأكمله وجيل خرج من غزة ولم يعد إليها إلا بعد 40 عامًا.

 

في حواره للشروق بعد انقطاعه لسنوات طويلة عن الأحاديث الصحفية، يتحدث ربعي المدهون عن رحلته، وأهم محطاتها وأسرار الكتابة ودوافعها، وعن ملامح أبطاله الذين يشبهون رحلته إلى حد التطابق.

وإلى نص الحوار..

تتشابه حكايتك مع أبطال أعمالك، فهل حدثتنا عن ظروف نشأتك؟

ولدت لأسرة فلسطينية، هُجِّرت من مدينة المجدل عسقلان جنوب فلسطين -والتي قُصِفت بكثافة بعد عملية طوفان الأقصى- عام 1948 خلال النكبة، كان عمري ثلاث سنوات آنذاك؛ فعشت في مخيم للاجئين 16 سنة حتى انتهيت من المرحلة الثانوية وانتقلت إلى مصر للالتحاق بالجامعة.

إذا كانت بداية رحلتك العملية من مصر.. حدّثنا عن تلك الفترة

جئت إلى مصر وعمري 19 عامًا، والتحقت بكلية الزراعة بجامعة عين شمس عام 1964، لكن رسبت لسنتين بسبب اهتمامي بتعلم الموسيقى، ثم التحقت فيما بعد بكلية الآداب ودرست فيها لمدة أربع سنوات؛ لكني لم أتم السنة الرابعة لأني كنت انتميت إلى تنظيم يساري فلسطيني.

هل هذا التوجه كان سبب الخروج من مصر؟

في هذا الوقت كانت حركة المقاومة الفلسطينية في حالة صعود، لكن عام 1970 دخلت أمريكا على خط الصراع وتم طرح مبادرة روجرز؛ التي قبلها الرئيس جمال عبدالناصر ورفضتها المنظمات الفلسطينية؛ ما أحدث خللًا في العلاقة بين عبدالناصر كداعم حقيقي للفلسطينيين والمنظمات الفلسطينية بدرجات مختلفة، وكانت المنظمات اليسارية في ذلك الوقت حادة في التعامل مع الرئيس عبدالناصر وبالفعل أساءت في بعض شعاراتها له، وبالتبعية تم إبعادي برفقة مجموعة من الطلال اليساريين.

نعلم أن رحلتك فيها محطات عدة.. من مصر إلى سوريا ثم الأردن ومنه إلى العراق.. ما هي الدولة التي كانت انطلاقتك الحقيقية لعالم الكتابة؟

حين انتقلت إلى العراق بدأت عملية قراءة مكثفة للأدب العالمي، كنت تقريبا أقرأ لمدة 14 ساعة يوميا، وفي هذا الوقت بدأت أطوَر القصة القصيرة متأثرا بالأجواء العراقية، فالعراق كان غنيًا بكُتّاب القصة القصيرة أمثال محمد خضير، جمعة اللامي، وغازي العبادي، البصرة وحدها كان فيها 25 قاصًّا فتعرفت على المثقفين العراقيين وبدأت في كتابة القصة القصيرة، ونشرت في العراق ثلاث قصص، ومن هناك بدأت أضع أقدامي على طريق الكتابة.

إذن شهد العراق الكتابة الأدبية فمتى بدأت الكتابة السياسية؟

في العراق أيضا بدأت الكتابة السياسية؛ وذلك لأن كان هناك حاجة إلى قلم فلسطيني، فكنت أكتب المقالات وأرسلها للصحف.

وماذا عن المحطة التالية للعراق؟

انتقلت إلى لبنان للعمل في صحيفة الحرية ثم إلى موسكو في دورة حزبية تابعة للاتحاد السوفيتي؛ بغرض دراسة العلوم الاجتماعية والفلسفة الماركسية، ومنها إلى سوريا التي اُعتقلت فيها لمدة أسبوع على غرار حادث مأساوي، وبعد الاعتقال عدت إلى بيروت مرة أخرى للعمل في مجلة الحرية الأسبوعية.

استقريت في لبنان حتى عام 1980؛ تابعت خلال هذه الفترة الكتابة الأدبية التي عمّقتها مناخات بيروت ومنظمة التحرير والمقاومة؛ فقد كانت مرحلة ثورية ساهمت في إنضاجي سياسيا وأدبيا، فأصدرت أول مجموعة قصصية لي بعنوان "أبله خان يونس" التي لاقت رواجا جيدا وقيل إنها مؤشر على ولادة قاص فلسطيني واعد، لكني لم أفِ بالوعد للقصة القصيرة لأكثر من 25 عاما.

هل كان عملك في الصحافة مُعطّلا لمسيرتك الأدبية؟

ربما؛ خاصة وأني التحقت بمركز الأبحاث الفلسطيني وتحولت إلى باحث أكاديمي في تجربة أخرى مكملة للعمل الصحفي، وكنت أول من أصدر كتاب عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وطُبع هذا الكتاب في قبرص وعن دار الأسوار في عكا، ووزع بشكل سري عام 1988.

مع توقيع اتفاقية أوسلو بدأت مرحلة جديدة لكنك رفضت العودة إلى فلسطين مع حركات المقاومة والمنظمات الفلسطينية التي عادت إلى غزة والضفة الغربية في ذلك الوقت، فما هي الأسباب والقناعات وراء ذلك؟

لم أكن ضد أوسلو تحديدا كاتفاق؛ ولكن كان لدي شك بأن القيادة الفلسطينية تستطيع إدارة الصراع؛ بحيث تحول ما هو إيجابي في الاتفاقية إلى مرحلة أكثر تطور تجاه الحقوق الفلسطينية، وهذا ما حدث في الواقع فاضطررت إلى الهجرة واللجوء إلى بريطانيا أنا وعائلتي وأبتدأت مرحلة أخرى من الحراك.

 

وماذا عن حياتك في بريطانيا؟

في بريطانيا التحقت بجريدة القدس العربية لمدة ثلاثة أشهر، ثم انتقلت للعمل في الوكالة العالمية للأخبار المصورة وهي وكالة أمريكية، وكنت ضمن فريق قسم الشرق الأوسط لمدة 6 سنوات، كانت وظيفة القسم إعطاء تقارير للمراسلين الصحفيين من مناطق مختلفة حول العالم لبعض القنوات العربية التي كانت في بدايتها آنذاك.

شهدت بريطانيا ميلاد أول أعمالك الروائية.. هل تحدثنا عن ظروف كتابتها؟

أحد الأيام كنت ذاهبًا إلى العمل في قطار من محطة ريتش مونت تجاه مقر الوكالة، وبالطريق تذكرت والدي، بالتحديد وفاة والدي الذي كان موظفًا بوكالة الغوث، وأصيب بالسل لمدة 9 سنوات وتوفي، وخلالها عشنا مرحلة صعبة، فوجدت نفسي أخرج الكراسة من الحقيبة وأكتب مات أبي، وإذا بي أكتب الفصل الأول بالكامل.

هل كانت هذه الذكرى وحدها هي السبب في العودة للكتابة الأدبية مرة أخرى؟

حين انتهيت من كتابة الفصل الأول ذهبت إلى مكتبي وفي فترة الاستراحة استعدت شريط حياتي فوجدت فيه ما يستحق الكتابة، صحيح أني لست شخصية معروفة لديها الخبرة والتجربة التي تستحق أن تكتب، ولست قائدا حربيا أو سياسيا، لكن حين استعدت حياتي بين اللجوء الأول وأنا عمري 3 سنوات واللجوء إلى بريطانيا بعد 50 سنة وجدت بين اللجوء الأول والثاني؛ أنني مررت بمراحل صعبة وقاسية ومختلفة، وتجربة مفعمة بالأحداث والتجارب السياسية والعاطفية فبدأت أكتب "طعم الفراق"، وهذه كانت عودتي للأدب، وهي ليست رواية.

ولماذا ترفض أن تصنف طعم الفراق كـ رواية رغم توافر عوامل البناء الروائي لها؟

هي سيرة روائية أو رواية قائمة على سيرة ذاتية.

 

 

تملك أسلوبًا سرديًا مختلفًا لكنه متكرر في جميع أعمالك.. هل تحدد أسلوب السرد أولا قبل الكتابة أم يولد مع الحكاية ويفرض نفسه؟

هي تولد كلها كاملة؛ بمعنى أنني أبني سردًا ابن بيئته، ولغة ابنة بيئتها؛ وهذا يعتمد على الشخصيات والمناخ والحكاية التي أتعامل معها، لكن غالبا ما يكون سردي مُفعمًا بالحكايات والأمثال والتراث والتاريخ والمعلومات وتجربتي الخاصة نفسها.

نستطيع القول إن من يتابعني  يعرف أن هذا السرد غير متأثر بأي مدارس معينة أو أشكال كتابية معينة؛ أنا حريص خلال الكتابة أن أبتدع تقنيتي الخاصة وأسلوبي السردي؛ فلا يختلف أسلوبي في "السيدة" عن أسلوبي في "مصائر" لكن التقنيات تختلف جزئيا وفقا لتطور الأحداث وبناء الشخصيات.

على ذكر مصائر والسيدة من تل أبيب وطعم الفراق، ثلاثة أعمال روائية خلال مشوار طويل فلماذا أنت مقل في الكتابة الروائية؟

لأن الكتابة عندي مرتبطة بتطورات ومنعطفات في حياتي، بمعنى؛ كما كان الانتقال من بيروت إلى قبرص أنهى القصة القصيرة في حياتي؛ لأن المناخات التي كنت أحيى فيها في ظل منظمة التحرير  كانت توفر معطيات وقصص تساعد على الكتابة؛ وهذه الظروف انعدمت في موسكو ثم على مدار 12 سنة في قبرص؛ فأبعدتني عن هذه الكتابة؛ فضلا عن الانخراط في العمل الصحفي.

طيلة هذه المسيرة بين الصحافة والأدب لماذا تأجلت زيارتك لفلسطين؟

حصولي على جواز السفر البريطاني بداية الألفية، هو جواز السفر الحقيقي الذي امتلكته في حياتي؛ بمعنى أنه حين أبعدت من مصر كان عندي وثيقة سفر مصرية انتهت وأنا في دمشق؛ وأصبحت بلا جاز سفر؛ وأغلب الفلسطينيين آنذاك كانوا يمتلكون وثائق مصرية أو سورية أو لبنانية أو أردنية؛ ولكن بسبب العمل السياسي؛ حصلت على الجواز البريطاني الذي فتح الطريق إليّ طريق العودة لزيارة أهلي بعد 38 عامًا.

شعرت من إجابتك وكأنك تتحدث عن "وليد دهمان" بطل روايتك الثانية السيدة من تل أبيب؟

بالطبع؛ فهي مبنية على أحداث حقيقية، وأنا أتحدث الآن كيف كتبت السيدة من تل أبيب، فحين قررت العودة إلى غزة لزيارة والدتي بعد غياب وتمت الرحلة، قررت حينها كتابة رواية.

 

وما هي دوافعك لكتابة رواية في هذه المرحلة بالتحديد أو أثناء الزيارة؟

كان لدي تصور ثبت أنه صحيح؛ وهو أني ذاهب لزيارة فلسطين للمرة الأولى في حياتي بعد ولادتي وأنا عمري 3 سنوات؛ أذهب في عمر الـ60 لأرى قطاع غزة ومدينة خان يونس التي عشت فيها طفولتي وصبايا؛ هذا حدث غير عادي. لم أر ولم يمر في حياتي إنسان عاد إلى أهله بعد 38 سنة أمضاها في ظروف شديدة التعقيد؛ لذلك ظللت أفكر بأن الرحلة سوف يكون لها زخمًا، وتساعد على الكتابة الدرامية؛ كنت أرى نزولي على أرض فلسطين حينها سأقبل التراب وأعفر نفسي به ثم تأتي الصدمة.

وأين تكمن الصدمة؟

تبخرت كل هذه النوستالجيا عند جملة "مطار بن غوريون يرحب بكم"؛ آنذاك بدأ الصراع بين الذاكرة والواقع، وهنا المراهنة على المصادفات التي خدمتني حين وقعت القصة الحقيقية وجلست إلى جواري ممثلة إسرائيلية وحدث ما حدث من حوارات، فليس من الضرورة أن يكون الحديث حرفيا؛ لكن العناصر الأساسية كانت موجودة، واتجهت إلى غزة وبدأت تسجيل الملاحظات واللقاءات والتعرف على تفاصيل الوضع في غزة.

الوقوف على معبر ايريز كان من أهم مشاهد الرواية.. فهل يمكن أن تحدثنا عن ظروف كتابة هذا المشهد؟

هذا السؤال يقودنا إلى مصادفة ثانية؛ كان المفروض أصل الساعة ثمانية ونصف بين المطار وغزة، لكن بدل من أن يحدث ذلك، حدثت محاولة لعملية انتحارية في المعبر وهذه حقيقة لم أكن أعلم عنها شئ، فكانت الفكرة التي طرحتيها في السؤال، بمعنى ماذا يحدث في المعبر، المعبر الذي نسمع عنه باستمرار، عن عذابات الفلسطينيين في معابر الاحتلال.

ما أريد أن أقوله أن الحادثة خدمتني بطريقة ممتازة وهذا يجعلني أعود وأقول أنا كنت أكتب والأحداث تكتبني المصادفات تكتبني، فامضيت 9 ساعات على معبر ايريز وهذا وفر لي إمكانات مراقبة وملاحظة كل ما يجري على المعبر من صغيرة فكتبت فصل طويل ولكنه أعتقد فصل غني وكما ذكرتي بالفعل القارئ يعيش كل تفاصيل التسع ساعات، وهذه هي القاعدة التي كتبت عليها السيدة من تل أبيب.

كتبت "السيدة من تل أبيب" من وحي زيارتك الأولى لغزة بعد 38 عامًا.. فماذا كانت دوافعك لكتابة "مصائر"؟

بما أني غطيت قطاع غزة بكل تفاصيله في السيدة من تل أبيب، بدأت التفكير في تغطية أوضاع فلسطينيين 48؛ مستندًا إلى علاقتي البحثية والصحافية وتخصصي في الشأن الفلسطيني لسنوات طويلة؛ ووضع إصبعي على الظلم التاريخي الذي تعرضوا له.

في هذا الصدد؛ عثرت على حكاية أحد أقاربي إسماعيل المدهون الذي خرج من المجدل عسقلان سنة 48 خلال الحرب هو وزوجته وابنته إلى قطاع غزة؛ لكنه عاد إلى المجدل مرة أخرى قبل أن تغلق الحدود ويتم ترسيمها في اتفاقية رودس، بقي في المجدل عسقلان ثم نقلوهم إلى اللد فعاش هو في اللد؛ هنا أخذت الفكرة ومضيت في كتابة "مصائر"، التي كان أهم ما فيها الربط بين فلسطينيي 48 والظلم الذي عانوا منه من المحيط العربي.

 

 

وما ملامح هذه القسوة من وجهة نظرك؟

تعرضوا لـ ظلم قاس؛ كان يقال عن هذا الرجل في العائلة أنه صار إسرائيليًا؛ لأنه عايش مع اليهود وفي نفس الوقت كانوا يحسدونه لأنه يحيا في البلاد؛ فمن جهة هو محسود لبقائه على أرض الوطن ومن جهة هو مكروه لأنه كان يحمل جنسية إسرائيلية.

هل يعني ذلك أن رواية "مصائر" هي دفاع عن فلسطيني 48؟

على امتداد أربعين سنة العرب يوجهون العداء الشرس لهم؛ وكأن ترك البلاد والهجرة هو الحل لكن الصحيح هو البقاء ومن هنا أخذتني الفكرة انطلاقا من محاولة إنصاف لا تبرئة؛ أو دفاع لقسم كبير من شعبنا 2 مليون فلسطيني هم 20% من المجتمع الإسرائيلي.

تطرقت في رواية "مصائر "إلى العديد من الموضوعات الضاربة في أعماق التاريخ.. فما هي الوثائق التي أعتمدت عليها بجانب الحكاية الشخصية؟

استغرقت الرواية أربع أو خمس سنوات عمل؛ بين الزيارات لكثير من المدن الفلسطينية والبقاء فيها لعدة أيام والتجول والتعرف على الناس والحكايات، وأيضا استنادا إلى خبرتي البحثية والصحفية وتخصصي لأربعين سنة في الشأن الفلسطيني؛ ومعرفتي العميقة بتفاصيل حياتهم.

 

هل لقب "باقي هناك" الذي أطلقته على بطل الرواية محمود دهمان يرمز لصعوبة خلاص الكيان الصهيوني من الفلسطينيين؟

صحيح لكن في الأساس هو رمز لهؤلاء الناس الذين بقوا في أرضهم، لكن لا أريد أن أُحمِّل "باقي هناك" البعد الرمزي، هو بقاء حقيقي يعني أن وجودهم وجود أساسي يشكل معضلة حقيقية لإسرائيل ولهذا السبب أصدرت دولة الاحتلال قانون اليهودية، وحاولت التخطيط  للمستقبل للتخلص منهم وهذه هي المخاوف التي نتجت عن الحرب الأخيرة؛ تهجير غزة للخارج والاستيلاء على غزة ثم الانتقال إلى الضفة الغربية ودفعها نحو الأردن ونحو سيناء ثم الانتباه إلى فلسطينيين 48 للتخلص منهم، لذلك من جهة إنصاف ومن جهة أخرى الاعتماد على أنهم يشكلوا عنصرًا أساسيًا في بقاء القضية الفلسطينية حية، لكن اسم "باقي هناك" كـ لقب اتخذته من كلمة "باقي في حيفا" التي كُتبت على شاهد قبر الأديب إيميل حبيبي في حيفا ونقلته إلى شخصية محمود دهمان.

تطرقت الرواية في جزء كبير منها للحديث عن الجنسيات الأخرى التي عاشت في فلسطين قبل الاحتلال خاصة الأرمن، هل كان ذلك بهدف كشف كذبة الكيان الصهيوني بأن فلسطين دولة عنصرية؟

الحديث عن الأرمن كان لفتة أولى في مسار العمل الفلسطيني، واللافت للنظر أن الأرمن في فلسطين عاشوا نكبة الأرمن في مذابح الأتراك وتوزعوا في كل الدنيا، والجزء الذي جاء فلسطين منهم عاش نكبة أخرى مع الفلسطينيين؛ ما دفعني لإلقاء الضوء على حياة الأرمن في فلسطين باعتبارهم جزءًا من النسيج الاجتماعي؛ لكي أقول إن فلسطين بلد متعدد متنور يتقبل الآخر فيه دروز وأرمن، وأسلط الضوء على الأرمن تحديدا لمدى تعمقهم في الهوية الفلسطينية بالمعنى الكامل  فجاءت فكرة العم الذي استشهد، فهؤلاء الناس جزء من النسيج ودافعوا عنه في المقام الأول.

هل يعني ذلك أن هذا الجزء في الرواية إسقاط على الوضع السياسي والتاريخي  للهويات الأخرى التي عاشت بفلسطين؟

أنا لا أكتب سياسة، السياسة تنبع وحدها، نقرأ السياسة بلغة الأدب، الرواية قد تفرز اتجاهات سياسية لكن أنا  لا أفرض عليها، أنا لا أسقط أفكارًا على العمل، أنا رغبت في إلقاء الضوء على واقع الجالية الأرمينية الفلسطينية، وهي منحى درامي جيد مكنني من بناء الرواية، بالإضافة إلى توفر قصص أخرى فيهم  كالهجرة والابتعاد عن الوطن، وقصة الفتاة التي أحبت ضابطًا استعماريًا، وهذا فتح الباب على المحيط الفلسطيني في الحارة.

البطل الأساسي في روايتي "السيدة من تل أبيب ومصائر" هو وليد دهمان.. هل تكتب رواية واحدة في أجزاء منفصلة متصلة دون أن تعلن عن ذلك بشكل مباشر؟

وما المشكلة أن يكون عمل واحد في أجزاء، هو بالفعل هكذا؛ "السيدة من تل أبيب" غطت مرحلة من غزة بكاملها و"مصائر" غطت أراضي 48 والوضع الفلسطيني بشكل شامل؛ وهذا ما دفعني أن آخد وليد دهمان من "السيدة في تل أبيب" إلى "مصائر" لكن ما يحيط بالبطل يختلف في الروايتين؛ بالتالي البطل لم يختلف لكن اختلفت الظروف المحيطه به؛ ومستقبلا سآخذ وليد دهمان إلى مرحلة ثالثة.

هل ننتظر جزء ثالث بطله وليد دهمان؟

أتمنى أن أنتهي قريبا من جزء ثالث، ولكن في نفس الوقت وليد دهمان يأتي بمجموعة أبطال جدد، ستحيط به ظروف مختلفة  فـ وليد عدسة ترصد كل شيء.

- تُعرف أعمالك الأدبية بالعناوين المباشرة بالإضافة إلى المقدمة التي تشرح فيها طبيعة العمل وظروفه.. ألا تخشى أن يضيع فضول القارئ تجاه القراءة؟

العنوان لابد أن يكون تعبيرًا عن مضمون العمل؛ فهذه ليست فزورة أو سر، في الرواية ليس مُهما كشف تفاصيل الحكاية لأن هناك من يخشى التفاصيل أنا لا أعتقد بهذا المنطق، الأهم هو كيف تُكتب الحكاية. واستفاض شارحًا: "منذ آدم وحواء كم قصة حب كتبت، ولكن كيف كتبت كل قصة؟ كيف تُنقل الأفكار كيف تكتب؟  فأنا إذا لخصت فيلم تختلف عن مشاهدته وحتى لو لخصت الحكاية لابد أن أقرأه؟ أستمتع بالقراءة  لأعرف هل يحقق الكاتب متعة القراءة أو لا يحققها.

 

 

للمرأة دور محوري في أعمالك وتعطيها أحيانا خط سرد الحكاية.. حدّثنا عن ذلك؟

المرأة كما الرجل في مسار الحكاية الفلسطينية، هي جزء من هذه الحكاية مساوي للرجل، فإذا أخذتيها من النكبة فهي منكوبة  بالمثل، هي الأم وهي المناضلة وهي أيضا تعاني ما يعانيه الرجل من ظلم الاحتلال، وتعاني من الظلم الاجتماعي، وهناك جزء غائب أحيانا عن الأعمال الأدبية حول قضايا الشرف وقتل النساء لمجرد الاشتباه وقد لا يكون هذا الاتهام حقيقيًا.

كانت هناك عائلة في حي الجواريش قتلت عشرة من بناتها خلال سنة واحدة والاحتلال كان يتستر على هذا الموضوع؛ لا يقوم بالتحقيق ويطوي الحكايات؛ وجزء منها هذه المظالم التي تقع على حق المرأة على أكثر من مستوى، الرجل عليه اضطهاد الاحتلال وهي عليها اضطهاد الاحتلال واضطهاد الرجل وهذه مسألة مهمة.

كتاب "سوبر نميمة" يعتبر تغيير في نوعية كتاباتك.. هل تعتبره كتابا نقديا؟

سوبر نميمة كانت له وظيفة مختلفة وهي التعرض للظواهر النقدية التي نشأت على الهامش، وهي أقرب إلى التطاول على النقد نفسه ولا تنتمي إلى مدارس نقدية، بل تنتمي إلى الطفيليات التي تتسلق على سلالم النقد؛ هذه الظواهر السلبية هي التي يعالجها سوبر نميمة، إذ اعتبرت سوبر نميمة يقدم سيرة للرواية، كيف كتبت الرواية وكيف تم استقبالها من قبل النقاد سلبا وإيجابا.

وما هي رؤيتك للكتابة النقدية؟ هل تؤدي الدور المنوط بها؟

هناك اتجاهات نقدية في الوطن العربي محترمة؛ ومصر غنية بالنقاد الكبار، لكن المرحلة النقدية اختلفت من الخمسينيات والستينيات عما بعد السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات والألفية، في الواقع السابق كان هناك مدارس نقدية تتمتع بعمق أكاديمي، لكن في الوقت الحالي يبدأ بعض من يتسلقوا على سلالم النقد بالانطلاق من هذه الأخطاء لبناء سردية للتقليل من أهمية العمل أو التطاول على الكاتب؛ أي الانتقال من العمل إلى الشخصنة.

أنت أول كاتب فلسطيني يحصل على  جائزة البوكر العربية فما هو تأثير الجائزة على الكاتب والوسط الأدبي؟

الجائزة هي قيمة لصانع هذا العمل؛ لكنها في الأوساط الثقافية تأخذ مناحي مختلفة، فنحن نتعرض إلى طفرة من الأعمال الروائية وتتزاحم الروايات في السوق، من جهة أخرى خلق نوع من السباق الذي دخله هواة الكتابة، وخلق سباق لا يخلو من الغيرة؛ أدى إلى تنافس سلبي الطابع بدل أن يكون هذا التنافس إيجابيا، بدون شك الجوائز ساعدت على تقديم عدد من الكتاب المبدعين، وسلطت الأضواء أيضا على كتاب شباب، وفي الوقت نفسه خلقت هذا الكم الهائل من المحاولات الكتابية.

 

هل مازلت تتابع الجائزة؟ وهل تقرأ الأعمال التي تأتي ضمن قوائمها؟

توقفت عن الاهتمام بالجائزة منذ فترة لأسباب سياسية، وليس عندي أي شكوك حول نزاهتها وبالمعنى العام الجوائز وتحديدا البوكر سلطت الضوء على عدد كبير من الكتابات الممتازة؛ التي عرفتنا على جيل من شباب الكتاب الروائيين الجيدين في معظم البلدان العربية.

أود أن أسألك عن الأدب الفلسطيني خاصة مع تخصيص مساحة في رواياتك له وذكرك غسان كنفاني وإميل حبيبي.. كيف ترى الأدب الفلسطيني؟

خليني أقول بأن الرواية الفلسطينية مرت بأكثر من مرحلة، مرحلة البدايات التي كانت أقرب إلى محاولات كتابة رواية أكثر منها رواية بالمعنى الحقيقي، لكن الرواية ثبتت أقدامها مع ظهور غسان كنفاني وجبرا إبراهيم جبرا وإيميل حبيبي، هؤلاء الثلاثة يمكن اعتبارهم مرجعية الرواية الفلسطينية، لكن هذه الفترة أيضا اختلطت بفترة صعود منظمة التحرير الفلسطينية من أواخر الستينات إلى السبعينات.

وفي فترة السبعينيات ظهر عدد كبير من الروائيين الفلسطينيين في مرحلة صعود المد الثوري الفلسطيني والكفاح المسلح؛ هذه المرحلة كانت مليئة بالشعارات وكانت خاضعة للكثير من الأيديلوجيات والسياسة. ثم مرت فترة أقرب إلى الصمت إلى حد ما؛ التي أعقبت اتفاقية أوسلو، وبعدها بدأت تنشأ أعمال لها علاقة بما عرف ب أدب العودة، فنشأت كتابات تقترب إلى الرواية تكاد تكون رواية كما عمل مريد البرغوثي "رأيت رام الله"، وعمل رشاد أبو شاوة "آه يا بيروت"، وهذه الأعمال الأدبية أغلبها قام على صدمة العودة التي هي ملخصها هل هذا هو الوطن الذي كنا نحلم به!

في مرحلة لاحقة بدأت الرواية تتخلص من الشعارات، وبدأ جيل آخر ينشأ يبتعد كثيرا عن سمات الرواية في المراحل السابقة ويقترب أكثر من تقديم رواية حداثية ثبتت أقدامها على المستوى الأدبي وثبتت حضورها.

هل حقق الأدب الفلسطيني الهدف المرجو منه للقضية الفلسطينية؟ ولمن تقرأ من الكتاب الفلسطينيين؟

عندنا محمود شقير، إبراهيم نصرالله، أكرم مسلم، تيسير خلف، عندنا أسماء عديدة قدمن أعمال ممتازة وأصبحت أعمالهم متداولة كما الأعمال العربية الأخرى، فضلا عن الأسماء التي ظهرت من خارج فلسطين أي المغتربين مثل سوزان أبو الهوى في "صباح الخير جنين" ولها أكثر من تسمية حسب الترجمة التي ترجمت إليها، وعدد من الأسماء قدمت الرواية بأسلوب متقدم وبلغة أخرى مختلفة وحققت حضورا قويا على مستوى العالم ومع ذلك إذا بدنا نضع مسألة الهدف بين قوسين فنحن لا نكتب لهدف، نحن نكتب روايتنا.

لماذا توقفت عن كتابة المقالات خاصة السياسية بعد هذا المشوار الطويل في الصحافة؟

توقفت عن الكتابة السياسية والتحليل السياسي والرأي عام 2004 لسبب بسيط أنه كانت لدي رؤية أن الوضع الفلسطيني متجه إلى الانغلاق ولا يوجد ضوء في نهاية النفق، وأن المشروع الفلسطيني يواجه فشلا كبيرا وقتها شعرت أن لم يعد هناك لدي ما أقوله وأنا لا أحب أن أكرر أي كتابة.

 

وكيف تفاعلت مع الوضع الحالي ما حدث يوم 7 أكتوبر وما بعدها حتى الآن؟

لا أحاول أن أدعي معرفة بأين ستتجه الأمور، وليس لدي قدرة الآن على استشراف أين ستنتهي المرحلة، لكن المرحلة مازالت طويلة ما حدث زلزال في المنطقة، فمن كان يتصور أن مستوى القتل سيصل إلى هذه الفظاعة التي نراها، يعني عندما وقعت الهولوكوست على سبيل المثال جرت في التاريخ وجرت مذابح حقيقية ولكنها جرت كأن ما بين قوسين في العتمة، لكن نحن نشهد ما هو أفظع من المذابح على شاشات التليفزيون نراها لايف.

وبرأيك ما هي أهم المكاسب التي حققتها عملية طوفان الأقصى؟

كسر الرواية الإسرائيلية التي بنيت عليها مظالمهم التاريخية، والمحرقة التي بدأ العالم يكتشف بعد 75 عاما من النكبة أنها بنيت على أكاذيب، وكشف المشروع الاستعماري الذي لا حدود لمظالمه وكراهيته وعنصريته تجاه الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى إحداث شرخ قوي على المستوى السياسي والأمني والاستخباراتي لإسرائيل وهذا الأمر سيستمر بالتزايد.

بما أنك فلسطيني يعيش بالخارج منذ سنوات طويلة هل اختلفت نظرة الغرب للقضية بعد طوفان الأقصى وما هي مظاهر هذا الاختلاف؟ وهل لتغير الأجيال علاقة بذلك؟

نعم؛ فمع انكشاف كذب السردية الإسرائيلية وحلول السردية الفلسطينية مكانها؛ أمكن تحقيق انتصار على المستوى الدولى بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، بفضل منظمات التضامن، بفضل هذا الجيل الرائع من شباب العالم الذي يبدأ يبحث بنفسه عن الحقيقة وانفصل تماما عن الإعلام الرسمي التابع لحكومات استبدادية استعمارية وقفت بشكل مخز بجانب إسرائيل.

بينما هذا الجيل من الشباب أعاد القضية الفلسطينية إلى جذورها إلى سنة 1948 وكشف الغطاء عن أن المسألة لا تتعلق بما حدث يوم 7 أكتوبر وإنما هو مسار من الظلم التاريخي بدأ سنة 1948 ومازال هذا الظلم مستمر بشكل فظيع في قطاع غزة.

إذا ما تعليقك على الأصوات الغربية التي مازالت تجمع بين النكبة والهولوكوست وبالتبعية أحقية إسرائيل فيما تفعل؟

ما يحدث لا علاقة له بمظالم اليهود التاريخية، لأن ما حدث لليهود في ألمانيا حدث في ألمانيا وعلى أيدي النازية الألمانية وليس على أيدي الفلسطينيين، نحن لا ذنب لنا وهذا جزء من نقاش "السيدة من تل أبيب ومصائر" فهي تناقش النكبة والهولوكوست من هذا المنظار الذي نشهده الآن.

وكدليل على ما يكتب الآن هو ما كتب في مصائر حين زار وليد دهمان متحف الهولوكوست وتساءل وما الفرق بين المحرقة وبين القتل بصواريخ الأباتشي في غزة؟ فهذه محرقة وهذه محرقة، الفرق الوحيد أن هذه حدثت في التاريخ وانتهت، إنما هذه مستمرة وبشكل أكثر فظاعة ووحشية، لذلك ما نشهده الآن هو مرحلة انكسار وانحدار في المسار الإسرائيلي، وهنا أعود مرة أخرى إلى رواية مصائر التي قالت ذلك في سطر واحد حين قالت جنين لزوجها باسم في أحد الحوارات: وليد دهمان قال لي إسرائيل هذه التي ترينها يا جنين هي مرحلة عابرة في تاريخ فلسطين.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك