«رابطة كارهي سليم العشي».. سرديات روائية ممزوجة بالغرائبيات - بوابة الشروق
الخميس 27 يونيو 2024 11:24 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«رابطة كارهي سليم العشي».. سرديات روائية ممزوجة بالغرائبيات

أسماء سعد
نشر في: الجمعة 29 أكتوبر 2021 - 7:45 م | آخر تحديث: الجمعة 29 أكتوبر 2021 - 7:45 م

سامح الجباس يقدم إطلالة على عالم الدكتور داهش المثير للجدل

«لن تستطيع أن تفرق بين الحقيقة والخيال فى هذه الرواية».. بهذه الكلمات الصادمة نجد أنفسنا وسط عالم من الغرائبيات الممزوجة بالأحاديث الأدبية، حيث يطوف بنا الكاتب والروائى سامح الجباس، فى مؤلفه «رابطة كارهى سليم العشى» ويكشف لنا العديد من الجوانب الغامضة للشخصية المثيرة للجدل، سليم موسى العشى المعروف بدكتور«داهش».
«حدث لى أمر ما لم يكن مصرحا لى بالكتابة عنه والآن زال هذا العائق أعرف أن ما سأحكيه ربما يثير جدلا كبيرا لكن لابد لى من البوح فليصدقنى أو يكذبنى من يريد»، هكذا استدرج الجباس قارئه ليغوص معه فى نصوصه واستنتاجاته الغريبة قدر غرابة الدكتور داهش.
المؤلف سامح الجباس، هو طبيب، وكاتب، ومترجم من مواليد بورسعيد، وقد نسج سبعة فصول كاملة عن «سليم موسى العشى»، الشخصية اللبنانية شديدة الغرابة والتفرد، والتى تحيط به مجموعة من الألغاز والأسرار الخاصة باعتناقات عقائدية، وممارسات خارقة للطبيعة، الأمر الذى وضعنا أمام نصوص أدبية ذات طبيعة خاصة، من خلال شهادات بعض مريدينه ومنهم أسرة مارى حداد وبناتها وزوجها.
لم يجزم لنا الجباس خلال فصول روايته إذا كانت هذه الشهادات هى شهادات حقيقية أم نسجها خياله الإبداعى فهو تعمد أن يدفع القارئ إلى البحث والاستقصاء وربما استفزازه لكى يتعقب مسار شخصيته الجدلية حيث تعمد الجباس الخلط بين الحقيقة والخيال، ولم يلزم الكاتب نفسه بالتصريح أنه فى صدد تقديم تاريخ بصحة الوقائع وحقيقة الأشخاص والأحداث.
استطاع الجباس أن يقدم لنا شخصية تاريخية، فى قالب فنى روائى، فيذهب بنا إلى رحلة من الإمتاع والإثارة الفنية، يأخذ الكاتب بيد القارئ ليبدأ معه رحلة، ويجعله يتوحد معه خلال مسارات البحث والحيرة والغموض، فيخلق نوعا من المشاركة والتفاعل بينهم.

♦ رسالة غامضة
«فى ذلك اليوم العاشر من يناير فتحت بريدى الإلكترونى بلا حماس فوجئت برسالة من بريد الكترونى لا أعرفه ولا أستطيع ذكره هنا.. السيد سامح نحن مركز ثقافى فى نييويورك تابعنا باهتمام رواياتك لذلك وقع اختيارنا عليك لمنحة كتابة رواية».
وردت العبارة السابقة على لسان راوى العمل واسمه «سامح» حيث وقع عليه الاختيار من جهة ما لكى يكتب رواية عن دكتور داهش، وأن يسافر إلى بيروت للإقامة ويزور الأماكن التى عاش بها، ويعيش فترة معايشة ومحاكاة لكل ما مر به دكتور داهش.
اعتمدت نصوص تلك الرواية على استثمار الظواهر الفيزيائية العجيبة التى اقترنت باسم سليم العشى، للدرجة التى نجد فيها وعاء لغوبا ثريا يربط بين الدكتور داهش وعدد من المدركات غير العقلانية فنجد أنفسنا أما شخصيات قد آمنت بالرجل وأطروحاته العجيبة.
ويتضح من خلال الرواية مجهود بحثى ضخم قام به الجباس حول صاحب العقيدة الداهشية مستعينا بخطاب سردى حافل بالمفاجآت.

♦ أيقونة غرائبية
يعرض الجباس شخصية «دكتور داهش» التى تبنت العقيدة الداهشية وهى عقيدة روحية قامت بتوحيد جميع الأديان السماوية وغير السماوية ليخلق منها منهجا جديدا بأفكار وقواعد تجذب وربما تسحر كل من يتلقاها، لن نذهب بعيدا، فمؤسس العقيدة الداهشية الذى ولد فى بيت لحم عام 1909، وتوفى فى أحد مستشفيات نيويورك عام 1984م، كان قد عرف فى أوساط بيت لحم بكونه ساحرا بالفعل.
وبعد رحيل والده، عاش فترة من حياته فى ميتم، أمضى بضعة أشهر قليلة فى مدرسته، ولم يكمل «العشى» تعليمه، ومع ذلك فقد استطاع أن يؤلف ما يقارب من 150 كتابا، تناولت مختلف الموضوعات الأدبية والفكرية، ومن أشهرهم «ضجعة الموت» وضمت مكتبته الخاصة فيما يقارب ربع مليون كتاب.
قد نجد بعض التناقضات فى فصول الرواية من شهادات عن لماذا تمت تسميته بدكتور «داهش»، يوضح لنا الجباس خلال فصول الرواية أنه تم إطلاق لقب «داهش» بدلا من سليم، يرجع لعدة أسباب أولها من كثرة ما قام من أعمال تدهش الناس، بمعجزاته وخوارقه الروحانية، وثانيها هو انه قد أُلهم الفتى سنة 1929م بأنه يجب أن يغير اسمه ويتخذ، وذلك يجرى من خلال إجراء قرعة، فأخبر تلاميذه بذلك؛ فعمدوا إلى كتابة أسماء كثيرة على قصاصاتٍ من الورق، وخلطوها، واختار سليم منها واحدة، فإذا فيها اسمُ «داهش».

♦ معجزات خارقة
يذكر الجباس، أن جمعية المباحث النفسية الفرنسية قامت باستضافته بعدما ذاع صيته، فسافر إليها، وطلبوا منه أن يعرض لهم معجزة من معجزاته، فطلب منهم وضعه فى صندوق، ويحكم إغلاقه، ويدفن فى قعر نهر السين، سبعة أيام تحت الحراسة المُشددة، وبعدما مضى 7 أيام وأمام 150 شاهدا، رفعوا غطاء الصندوق ليجدوا الجثمان القابع يتحرك، والوجه يبتسم، وبعد هذه المعجزة المذهلة، منح «داهش» شهادة العلوم النفسية، ثم شهادة الدكتوراه منْ قبل معهد «ساج» الإنجليزى فى باريس.

♦ شهادات المريدين
«منذ عامين فقط عرفته فتغيرت حياتى تماما.. حكت لى أمى مارى حداد عن طفولته حكاية لا أنساها.. كنت فتاة صغيرة فى ذلك الوقت لكنى كنت أدرك أن الحياة قد تغيرت تماما منذ أن آمنت أسرتنا برسالة الدكتور داهش».
يعرض لنا الكاتب سامح جباس شهادة أحد أتباعه وأنصاره وهى «ماجدا حداد»، التى آمنت أسرتها برسالة الدكتور داهش وكان لإيمانهم ضجة كبرى فى جميع الأوساط وعقيدته وخروجهم عن الكنيسة الكاثوليكية، بحسب ما ذكره الجباس.
كما يعرض لنا شهادة يوسف الحاج، والذى وفقا لما ذكره الجباس، كان يؤمن بدكتور داهش واصفا إياه بأنه مغمور بفيض سماوى عجيب وأن روحه أخذت تسمو فوق جميع الأقطاب الروحانية.

♦ تقمص الأرواح
«انا أؤمن بأنه توجد عدالة سماوية، وأن جميع ما يصيبنا فى الحياة الدنيا من منغصات، ما هو إلا جزاء وفاقا لما اجترحناه فى أدوارنا السابقة من آثام وشرور، ولهذا يجب علينا ان نستقبل كل ما يحل بنا من آلام الحياة ومآسيها غير متبرمين ولا متذمرين، بل قانعون بعدالة السماء ونظمها السامية».
أسس المذهب الداهشى أو الداهشية عام 1942 وهى عقيدة جديدة هدفها التقريب بين كل الأديان التوحيدية وغير السماوية أيضا، وتقوم على مبدأ تقمص الأرواح.
ويكشف لنا الكاتب سامح الجباس، أنه بحسب مذهب الداهشية فإن حلول الروح أو تناسخها هو معتقد بأن لشخص الواحد أكثر من حياة وأن روح الشخص تحل فى أجسام مختلفة، وذلك ما كان يستطيع دكتور داهش إثباته.

♦ داهش فى مصر
«وصل إلى مصر الدكتور داهش، المنوم المغناطيسى والعالم الروحانى وهو الذى أدهش العلماء بواسطة وسيطه «انتوانيت» يقرأ افكار الناس ــ ويعلم ما يجول بخاطرهم، ويقرأ الخطابات المقبلة ويخبرهم عن أحوال الغائبين والتائهين وعن أحوال التجارة والزواج والسفر ونتائج القضايا، سواء عن الماضى والحاضر والمستقبل، كل ذلك ببراهن علمية ثابتة»، كان ذلك إعلان فى مجلة الصرخة التى تصدر تحت اشراف روزاليوسف ومحمد التابعى مجلة الصرخة ــ نفس العدد ــ صفحة رقم 24.
تكررت زيارة دكتور داهش إلى مصر أكثر من مرة، وبحسب استنتاجات الجباس خلال الرواية، فإن تأثير خفى قد امتد من الدكتور داهش إلى عدد كبير من الكتاب والادباء فى مصر ممن احتوت اعمالهم بشكل غريب على أفكار وتيمات أساسية كان يروج لها دكتور داهش.
ويذهب الجباس إلى أن سمة ارتباط واضح بين قصة نجيب محفوظ «السماء السابعة»، والافكار التى روج لها الدكتور داهش، وأيضا الأديب توفيق الحكيم الذى كتب عن فكرة التقمص وهى من أساس الذهب الداهشى.
وبقدر غرابة الرواية والشخصية التى ركزت عليها، تضم مجموعة من الأسئلة الغريبة الذى يترك اجابتها إلى ذهن القارئ ومخيلته ومقدار ما سيقوم به من البحث والتقصى، هل الحياة التى نعرفها هى الحقيقة المطلقة، والأهم كيف نقترب من فهم تلك الحياة، وهل يلزم أن نقضى فصولا طويلة من عمرنا لتأمل النور الذى يبين لنا الطريق.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك