بعضنا وخاصة منا من غادر هذه البقعة التى تسمى وطنا أو أوطانا وانتقل للعيش حيث الحريات الشخصية والحق فى المعرفة والاطلاع مكفولة للجميع.. هذا البعض عندما يزور إحدى دولنا يتفاجأ بأن ما يتصوره جزءا من روتين يومياته مثل تصفح بعض المواقع على شبكة الإنترنت أو الاطلاع على بعض الصحف والمجلات أو حتى محطات التلفزة، هذا الروتين هو ليس بذلك فى العديد من الدول العربية.
هو يكتشف ذلك عندما يقلب محطات التلفزة فى ليلته الأولى عائدا إلى وطنه أو ما يشبه وطنه أو حتى دول مختلفة كان يتصور أنها ستتحول يوما ما إلى وطن واحد! أو هكذا حلم فما لبث أن أيقظته الحقائق المتتالية.. فى الليلة الأولى يتصور أن هناك خللا ما فى جهازه هو أو حتى فى الشبكة.. مع توالى البحث تطول القائمة وتتكرر العبارة هذا الموقع محجوب فى البلد الذى تزوره.
***
ولأنه لا يتحمل افتتاح يومه دون البحث عن الأخبار وتصفح المواقع ومتابعة المستجدات راح يخفف الوطء على نفسه فما كان منه إلا أن وضع قائمة بكل بلد يزوره وبالمواقع التى تم منعها لأسباب فى معظمها تبدو سياسية بحتة على الرغم من أنه اكتشف عبر قراءة بحث قام به باحثان فى كلية الحقوق بجامعة هارفارد حول حجب الإنترنت فى إحدى الدول العربية محاولين فهم أسباب المنع والمنطق الذى يحكم السلطات عند قيامها بذلك. وكانت النتيجة أن من بين 64557 صفحة على الإنترنت متنوعة ومختلفة منعت السلطات فى هذا البلد 2038 موقعا ومعظمها مواقع غير إباحية! بل إن بعضها مواقع مصنفة على أنها مواقع دينية وهنا يجدر التنويه بأنها لم تكن مواقع لجماعات دينية متطرفة بل منها 67 عن المسيحية و4 عن الإسلام و22 عن الوثنية و20 عن اليهودية و12 عن الهندوسية.. ومواقع أخرى موسيقية أو تبث أفلاما غير إباحية... إلخ.. إلخ.
وقع الباحثان فى شديد من الحيرة فى بحثهما عن معيار حجب المواقع واستخلصوا أن المعيار ككل الأمور الأخرى فى دولنا «فضفاض» وأن الكثير من الدول العربية التى تنادى بالأخلاق والفضيلة لا تقوم برصد المواقع الإباحية كما ترصد المواقع المخالفة فى الرأى ربما أو تلك التى بينها وبين تلك الدولة خلافات واضحة أو حتى مخفية..
***
وهذه مجرد دراسة من كثير من البحوث ورسائل الماجستير والدكتوراه التى قام بها باحثون مختصون فى القانون أو فى الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية أو الإعلام وفى مجملها تشير إلى نفس النتيجة كثرة المواقع التى يتم منعها وأصبح المتابع أو الباحث بحاجة لمرجع يشير إلى المواقع المحجوبة فى أى بلد نتيجة لكثرتها واختلافها.. فعلى سبيل المثال تجد أن مواقع بعض الصحف والمحطات التلفزيونية محجوب فى بعض الدول التى لديها علاقات متوترة بممولى هذه الوسائل الإعلامية أو مالكيها أو الدول التى تحتضنها، وفى تناقض صارخ تختلف هذه الدول فيما بينها مما يزيد من حيرة البحث والجهد الذى عليه أو عليها أن يبذلاه من أجل الوصول إلى الخبر بتنوعاته حتى يضعا فى نهاية الأمر تصورا خاصا بهما عما حدث فعلا..
***
تطول قائمة التناقضات فى الحجب والمنع وهناك الكثير من القصص والحكايات التى تضحك وتبكى معا فى هذا المجال.. نتيجة التخبط فى القرارات والجهل فى التعامل والتصور الضيق أن مثل هذا الحجب سيمنع شعوبها من الاطلاع على ذاك الفكر المعادى.. يقول ذاك الباحث والخبير السياسى فى قضايا الشرق الأوسط أنه يتصور أنه كان من الأفضل للدول العربية أن تسمح بأوسع إطلاع على فكر الدول التى تعتبرها معادية لها فى السياسة أو المعتقد حتى يتسنى لشعوبها أن تمتلك الحصانة والمعرفة والدراية بسبب العداء لتلك الدول.. خاصة أنه فى السنوات الأخيرة انقسمت الدول العربية المقسمة أصلا إلى تكتلات ضد أخرى فاختلطت الأمور وأصبح المرء بحاجة إلى دليل واضح لخارطة شديدة التداخل حتى يستطيع أن يضمن الحصول على المعلومة أو المعرفة أو حتى الاطلاع على خبر بصيغة غير تلك «الرسمية» البحتة..
***
يبقى أننا لا نزال فى انتظار أحدهم أو إحداهن الذين سيقومون بوضع قائمة تحت عنوان ربما «دليل المحروم فى حبس المكنون» أو دليل المحروم فى بلاد الفكر المحظور» وحتى ذلك الحين لا عزاء للمسافرين والمتنقلين وما عليهم سوى المثابرة والاستمرار فى البحث عن المواقع أو الاستسلام وتقبل فكرة أنه عليهم قبل دخول أوطاننا «خلع فكرهم» لا نعالهم!!