بعد تولى نتنياهو السلطة، أصبحت حكومته لا تقيم اعتبارا لمكانة الأردن، خاصة بعد ظهور وزير المالية الإسرائيلى، سموتريتش، أمام منصة وضع عليها خريطة للأردن وفلسطين معا وكأنها تمثل إسرائيل. فى ضوء ذلك، نشرت مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا لوزير خارجية الأردن الأسبق، مروان المعشر، دعا فيه حكومة دولته إلى تخليها عن سياسة التكيف التى تتبعها مع الكيان الصهيونى، وإلى مراجعة وطنية لمجمل علاقاتها مع إسرائيل... نعرض من المقال ما يلى:
قوبلت تصريحات وزير المالية الإسرائيلى سموتريتش الأخيرة، وهو يتحدث أمام منظمة يهودية متطرّفة وراء منصة وضع عليها خريطة الأردن وفلسطين معا وكأنها تمثّل إسرائيل، كما تراها هذه المنظمة ويراها هو، بردّة فعل عنيفة وغاضبة من الأوساط الرسمية والشعبية. وقد بدا واضحا أن سموتريتش لا يقيم وزنا ليس للمعاهدة الأردنية الإسرائيلية فقط، بل للدولة الأردنية بأكملها، وهو يحيى المطالب الإسرائيلية المتطرّفة السابقة فى إقامة وعد بلفور على كامل الأراضى الأردنية كما الفلسطينية.
قبل ذلك، خرج علينا وزير آخر فى الحكومة الإسرائيلية هو إيتمار بن غفير ليقول، إن ما يحدث فى الأردن يبقى فى الأردن، وذلك ردا على ما اتفق عليه من مقررات فى قمة العقبة الأمنية، بما فى ذلك احترام إسرائيل للدور الأردنى فى حماية المقدسات الإسلامية فى القدس. وقبل ذلك كان بن غفير قد اقتحم مرارا حرم المسجد الأقصى تحت حماية الجنود الإسرائيليين، بينما اعترضت الشرطة الإسرائيلية طريق السفير الأردنى حين حاول دخول المسجد الأقصى.
وفى ضوء تهديدات سموتريتش وبن غفير، يبقى السؤال حول كيفية تعامل الأردن مع إسرائيل بعد كل هذه الانتهاكات من أعضاء بارزين فى الحكومة الإسرائيلية. ولعلّه أصبح واضحا أن النفى المتكرر للحكومة الإسرائيلية لكون هذه الممارسات تمثّل الموقف الرسمى لإسرائيل، فإن مواصلة هذه الانتهاكات بعد كل نفى رسمى يجعل التطمينات الإسرائيلية غير ذات قيمة. كما يجعل من ردة الفعل الأردنية الرسمية والشعبية غير كافية لمواجهة هذه الغطرسة الإسرائيلية المتكررة. وللإجابة عن ما ينبغى فعله تجاه هذه الممارسات الإسرائيلية، لا بد من الإجابة على بعض الأسئلة التى تتردد على أفواه الناس ولا تجد لها جوابا بعد من الحكومة الأردنية.
ولعل السؤال الأهم هو كيف تقيّم الحكومة الأردنية هذه التصريحات؟ هل تعتقد أنها تمثّل شخصيات رعناء داخل الحكومة الإسرائيلية وبالتالى لا تقيم لها وزنا؟ هل تدخل الحكومة الأردنية فى حساباتها إمكانية أن تمثل هذه التصريحات سياسة إسرائيلية متدرجة تهدف إلى حل الصراع على حساب الأردن بالتدريج؟ وإن كان الحال كذلك، أفليس من المفترض ألا تكتفى الحكومة الأردنية بالنفى الإسرائيلى المتكرر الفاقد لأى قيمة؟
هل تعتقد الحكومة الأردنية أن سياسة التكيّف التى تنتهجها مع إسرائيل قادرة على تليين الموقف الإسرائيلى، أو حمل نتنياهو على لجم الأعضاء المتطرّفين داخل حكومته، ما يجعل رد فعلها ليّنا مقارنة بالموقف الرسمى الإسرائيلى، الذى يردّد التزامه بالمعاهدة يوما ليخرقها فى اليوم الذى يليه؟ أليست رغبة نتنياهو فى البقاء خارج السجن أهم لديه من أى شىء آخر بما فى ذلك المعاهدة الأردنية الإسرائيلية؟ هل تقتصر المواقف الإسرائيلية على إيديولوجيا متطرّفة من بعض العناصر الرعناء داخل الحكومة، أم أن ثمة إيديولوجيات أخرى يؤمن بها رئيس الحكومة الإسرائيلية نفسه، وإن كان أسلوبه «أكثر نعومة» من أسلوب بعض أعضاء حكومته؟ ماذا تعنى اتفاقيات الغاز والمياه والتعاون الأمنى مع إسرائيل؟
هذه أسئلة لم يعد باستطاعة الحكومة الأردنية تجاهلها. فماذا يعنى أن تُنتهك المعاهدة الإسرائيلية من إسرائيل بشكل متكرر ليتم الرد الفعلى، لا اللفظى، من خلال تعظيم التعاون الاقتصادى والأمنى مع إسرائيل؟ هل تعتقد الحكومة الأردنية حقا أن مثل هذا التعاون سيلجم إسرائيل عن محاولتها الاحتفاظ بكامل الأرض والتخلص ممن تستطيع من الشعب الفلسطينى؟ هل يمثّل الموقف الأردنى بالاشتراك فى قمتَى العقبة وشرم الشيخ استجابة لضغوط أمريكية باتت معلنة، وهل الأردن عاجز عن إفهام الإدارة الأمريكية، وهى التى تأخذ اليوم موقفا سلبيا متزايدا من حكومة نتنياهو، أن سياسة التكيّف هذه تخلق مسافة واسعة بين الموقفَين الرسمى والشعبى قد لا يحمد عقباها؟
وأخيرا، أما حان الوقت لمراجعة وطنية لمجمل العلاقة الأردنية الإسرائيلية؟ ولماذا تتحمل الحكومة كامل وزر هذه العلاقة؟ ألسنا بحاجة لحوار وطنى مسئول حول هذه العلاقة يشترك فيه الجميع، من المؤيدين والمعارضين للعلاقة، علّ الكثير من الأمور الغامضة تتضح للجميع بدلا من سياسات تبدو متناقضة وذات نتائج غير مفهومة.
مطلوب اليوم سياسة أردنية جديدة تجاه إسرائيل تتبلور بعد مراجعة شاملة وتشاركية للعلاقة، يتم فيها وضع الإيجابيات والسلبيات كافة على الطاولة، وتشمل تقييم العلاقة الاقتصادية والسياسية ومقارنتها مع المخاطر الوجودية التى تمثلها إسرائيل اليوم على الأردن. لا نريد أن نكتفى بالإدانة فينطبق علينا مثل الأعرابى حين قال: أشبعتهم شتما وفازوا بالإبل.