يتصور الكثيرون أن الفيلمين الأولين اللذين قام ببطولتهما فريد الأطرش هما فيلم واحد، والسبب هو التقارب الواضح بين اسمى الفيلمين (انتصار الشباب ــ أحلام الشباب)، والسبب الأهم هو أن الفيلم الثانى لا يعرض إلا بشكل نادر فى القنوات السينمائية، ومن المهم مشاهدة الفيلم والتعرف عليه باعتباره أول بطولة مطلقة للراحلة مديحة يسرى، كما أنه من الأفلام المبكرة للكثير ممن عملوا به فى جميع المجالات، ففيلم «أحلام الشباب» إخراج كمال سليم هو عمل غنائى، قصته بالغة البساطة يعتمد على اغنيات فردية أغلبها مغناة فى غرف مغلقة، وأحيانا على خشبة مسرح فى صالات يذهب اليها الناس للفرجة، وسوف نلاحظ هنا أن الاغنيات التى غنتها فتحية أحمد بوجه الممثلة الجديدة مديحة يسرى.
إنه زمن الراديو يفرض نفسه على الفيلم والأغانى التى نسمعها، وتبدو مصورة من أجل منح مديحة يسرى فرصتها الأولى فى البطولة، وهى التى بدت هنا بالغة الصبا والجمال، وهى بطولة حقيقية بالنسبة لمديحة التى استمرت سنوات طويلة فى السينما خاصة فى فترات كانت البطولات المطلقة تذهب إلى المطربات مثل ليلى مراد، وصباح، ونور الهدى وشادية، فاختفت بعضهن، وبقيت مديحة يسرى التى لم تكن أيضا بالراقصة مثل تحية كاريوكا التى شاركتها بطولة الفيلم الذى نتحدث عنه، والطريف أن مديحة شاركت فريد الأطرش بطولة ثلاثة افلام منها «شهر العسل»، و«لحن الخلود».
أول ما يصادفك عند رؤية الفيلم الذى عرض عام 1942 بالنسبة للمشاهد فى قرننا الحالى، أنه يكشف عن نضارة وجمال الصبا لكل العاملين به، فمديحة يسرى المولودة عام 1921 كانت فى الحادية والعشرين، وفى تلك السينما كانت عدسات الكاميرات منبهرة بجمال وجهها، وعينيها السوداوين، لم تكن هنومة صاحبة عيون ملونة، ولا ملامح تركية أو أجنبية مثل الكثيرات من نجمات السينما، وقد بدت صبيحة الوجه، تستحق أن يغرم بها الموسيقار الشاب فريد، والجدير بالذكر أن السينما وضعت مديحة فى مثل هذه الشخصية فى الكثير من الأفلام، وبدت كأنها مغرمة بها، سواء فى اللقطات القريبة أو فى أدائها. الشاب فريد بالغ الوسامة خفيف الظل، ليس له عمل محدد لكنه يغنى فى صالة ليلية، إنه من الميسورين، وقد بدت حبيبته إلهام فتاة جادة، ذات موقف «ترفض أن تتزوج من شاب ثرى وتفضل ان يكون حبيبها طموحا فى بداية حياته، تسير معه طريق الكفاح عن كونه ابن أثرياء».
الفيلم مستوحى من مسرحية باسم «اللزقة» تأليف يوسف وهبى وهذا يفسر أن الأماكن فى الفيلم محدودة لا يكاد الأبطال يخرجون منها، والقصة عن شاب ثرى متعدد العلاقات يمشى اثناء النوم ويسوقه المرض إلى الوقوع فى بيت اسرة تتكون من الزوجين وابنتهما، يصاب بكسر فى القدمين، ويبقى فى المنزل إلى أن يتم الشفاء، ويقوم بتدريب إلهام للعزف على البيانو، ويصبح على فريد أن يتخلى عن علاقته مع الراقصة بهية شفشق، التى لا تتخلى بسهولة عمن تحب، تفسد عليه فرحه، ثم تصلح بين الحبيبين.
الفيلم بمثابة حالات من الغناء بينها مواقف تمثيلية سريعة، ولهذا السبب يبدو الفيلم غريبا بين الأعمال التى أخرجها كمال سليم، الذى حاول الخروج من أسر فاطمة رشدى له، كأن الفيلم بمثابة استراحة محارب قبل أن يعود إلى معترك الأفلام المأساوية ضخمة الانتاج، مثل «البؤساء»، و«شهداء الغرام»، ثم «قصة غرام» وهى أفلام مأخوذة عن عيون الأدب العالمى فى القرن التاسع عشر.
نعم هى استراحة محارب، يصنع فيها المخرج النجومية لأبطاله الجدد، ويلجأ إلى المعادلة التى صارت مشهورة فى السينما، وهى البتول فى مواجهة الراقصة، الأولى تحب فى حياتها مرة واحدة فقط، وتتصرف بنبل شديد، فالفتاة إلهام صار عليها اعادة الوثائق التى أهداها لها حبيبها وهى على خصام معه، بعد أن عرفت أن الأوراق تؤكد أن فريد ورث الكثير من المال، حتى وان صدمت ليلة زفافها أن فى حياة فريد امرأة اخرى هى نبوية شفشق، هذه الراقصة امرأة متعددة العلاقات، يلتف الرجال حولها مثل ذكور النحل، وهى تحب المطرب باعتباره من أملاكها، ولن توافق أبدا على التراجع عن موقفها الا اذا تعرضت للتهديد، وتحطيم الصالة التى تعمل بها وتضطر للذهاب إلى إلهام وتكذب عليها فيما يخص علاقتهما حتى تستقيم الأمور، بما يعنى أنها لا تعرف التوبة بقدر ما تعرف الردع، وتكاد تكون هذه هى الحبكة الأهم فى الفيلم، والغريب أن محمد كريم استوحى روايات عالمية مأساوية من أجل أن يقوم ببطولتها مطربه المفضل محمد عبدالوهاب، أما فريد الأطرش فقد غير المخرجون الذين عملوا معه فيما بعد من آليته فاقتبسوا له روايات مشهورة على مدى رحلته ابتداء من بداية الخمسينيات، بعد أن قدم الكثير من الاغنيات فى افلامه التى لم تكن بأهمية ألحانه.
ولا شك أن فريد الأطرش رأى أن هذا النوع من الالحان يناسبه، وأنه يقدم مشروعه كملحن، سواء لنفسه، أو للمطربة فتحية أحمد التى استعاض بها هنا عن شقيقته أسمهان فى الفيلم الأول الذى شاركته البطولة والغناء «وسوف نلاحظ التيمات اللحنية للفنان فى أغنيات الفيلم منها مثلا اغنية «مادام تعاندنى» التى تتضمن لحنا مشابها لفريد استمعنا اليه فيما بعد وهو «غالى يابوى والله عليا» وأيضا التشابه بين تانجو «أهواك»، وأغنية «قالت لى بكرة» التى لحنها بعد هذا التاريخ بستة عشر عاما.
هذا التانجو يحمل عنوان «ابن سوريا وابن مصر» وهو من أوائل الالحان التى تنبأت بالوحدة بين سوريا ومصر.