سوريا.. تفاوض بالنار بين واشنطن وموسكو - مواقع عربية - بوابة الشروق
الإثنين 30 ديسمبر 2024 6:48 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سوريا.. تفاوض بالنار بين واشنطن وموسكو

نشر فى : الثلاثاء 1 أغسطس 2023 - 8:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 1 أغسطس 2023 - 8:25 م

نشر موقع 180 مقالا للكاتب سميح صعب، تناول فيه المغزى من الاحتكاكات الجوية بين مقاتلات روسية وطائرات مسيرة أمريكية فوق سماء سوريا، إذ تريد أمريكا الإيحاء بأن التطبيع مع سوريا لم يحن أوانه بعد وأن الأزمة لم تنته، وكذلك نفى الاعتقاد بأن أمريكا انسحبت من منطقة الشرق الأوسط. من جانبها، تريد موسكو إيصال رسالة إلى واشنطن بأن الحرب مع أوكرانيا لن تجعلها تنسحب من سوريا... نعرض من المقال ما يلى.
يحمل تكرار الاحتكاكات الجوية بين مقاتلات روسية وطائرات مسيرة أمريكية فوق سوريا، أكثر من مغزى، بعضه يتعلق بالوضع السورى، وبعضه الآخر يمتد إلى أوكرانيا والمواجهة الأوسع بين واشنطن وموسكو.
حتى الأربعاء الماضى، اشتكت القوات الأمريكية من 6 مضايقات روسية لمسيراتها من طراز «إم كيوــ9 ريبر» هذا الشهر، فوق شمال غرب سوريا، أثناء قيامها بمهمات تعقب لقادة تنظيم «داعش»، وفق الرواية الأمريكية. أما روسيا فتقول إن مقاتلاتها تتصرف دفاعا عن النفس ووفق الأسلوب الاحترافى فى مثل هذه الحالات.
ما يسترعى الانتباه هو أن غالبية الاحتكاكات الجوية تحصل فوق شمال غرب سوريا. ومعلوم أنه يوجد فى هذه المنطقة جيب لـ«هيئة تحرير الشام» («جبهة النصرة» سابقا) وجماعات جهادية أخرى بينها تنظيم «حراس الدين» المنشق عن «هيئة تحرير الشام» والذى بقى على ولائه لتنظيم «القاعدة». وهذه التنظيمات هى على تماس مع قوات الجيش السورى وحلفائه فى محافظتى إدلب واللاذقية.
• • •
لكن ما الذى يجعل روسيا ترتاب فى النشاط الجوى الأمريكى فوق هذه المنطقة؟
أولا؛ تعتبر هذه المنطقة ضمن مجال عمل القوات الروسية الأقرب إليها منذ عام 2015.
ثانيا؛ تتمركز القوات الأمريكية فى شرق سوريا وفى شمال شرقها حيث تنتشر «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) التى يقودها الأكراد، فضلا عن تمركزها فى قاعدة التنف عند المثلث الحدودى السورى مع الأردن والعراق، وهذا ما يجعلها بعيدة نسبيا.
ثالثا؛ الطلعات الجوية الأمريكية ترافقت مع سخونة الجبهة فى الفترة الأخيرة، بعدما بدا أن مسار التطبيع التركى ــ السورى، أقرب إلى الطريق المسدود، بسبب الضغوط الأمريكية على الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، وهو ما عبرت عنه تركيا فى موافقتها على انضمام السويد إلى حلف «الناتو» أخيرا، مقابل ضمانات ومكاسب أمريكية نالها الرئيس التركى.
وإذا مضينا فى تعداد الظروف المحيطة بتوالى الاحتكاكات الجوية الروسية ــ الأمريكية، يبرز عامل تعزيز القوات الأمريكية فى الشرق السورى وفى العراق بأكثر من ألفى جندى فى وقت سابق من يوليو الحالى. وكأن إدارة الرئيس جو بايدن المستاءة من الانفتاح العربى على دمشق الذى ترجم بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، تريد الإيحاء بأن الأزمة السورية لم تنته بعد وأن التطبيع مع سوريا لم يحن أوانه. والملاحظ هنا أن بايدن من خلال تعزيز القوات الأمريكية فى سوريا، يمضى فى مسار معاكس، لرأى غالب فى الولايات المتحدة لا يرى فائدة إستراتيجية من استمرار الوجود العسكرى الأمريكى فى سوريا، خصوصا فى ضوء التعرض لهجمات متكررة من فصائل موالية لإيران، وإمكان تصاعد الموقف بين الجانبين فى المرحلة المقبلة.
على هذه النقطة بالذات بماذا يجيب مسئولون أمريكيون؟ يقولون إن التصعيد الجوى الروسى فى سوريا هو خدمة تؤديها موسكو لإيران، ويتحدثون عن اتصالات بين قادة عسكريين روس وإيرانيين من «فيلق القدس» على مستوى متوسط فى سوريا، من أجل تحقيق هدف واحد مشترك، ألا وهو إخراج القوات الأمريكية من سوريا، بحسب ما يرى جون هاردى مدير روسيا فى «مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات» التى تتخذ من واشنطن مقرا لها.
ومن هنا جاء تعزيز القوات الأمريكية فى سوريا والعراق. ليس هذا فحسب، بل أعلنت أمريكا، الأربعاء الماضى، عن وصول 12 مقاتلة «إف ــ35» إلى الشرق الأوسط بهدف تعزيز الردع فى مواجهة إيران، بعد تكرار محاولات اعتراض سفن تجارية فى المدة الأخيرة. وقد يتوسع دور هذه المقاتلات «إذا تطلب مسرح العمليات ذلك»، وفق ما جاء فى بيان الإعلان الأمريكى.
وتعزيز الحضور العسكرى، يرمى إلى نفى الاعتقاد السائد بأن أمريكا انسحبت من المنطقة فى السنوات الأخيرة، وبأنها تكتفى بحضور متواضع، ما أدى إلى تعزيز موقع إيران والقوى المتحالفة معها، فى العراق وسوريا واليمن ولبنان.
ومن يراقب حركة الزيارات لمسئولين أمريكيين إلى السعودية فى الأشهر الأخيرة، وآخرهم مستشار الأمن القومى جيك سوليفان، الخميس الماضى، يلمس جهدا أمريكيا دءوبا لإقناع الرياض بالانفكاك عن العلاقات المميزة التى نسجتها فى العامين الماضيين مع الصين وروسيا، فى مقابل ترتيبات معاكسة لاتفاق بكين الذى طبع العلاقات مع إيران، وإظهار أن واشنطن لم تغادر الشرق الأوسط.
ووفقا للكاتب الأمريكى فى «النيويورك تايمز» توماس فريدمان، ثمة اتجاه لدى بايدن للدفع فى ما تبقى من ولايته نحو إحداث اختراق على صعيد تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وذلك على خطى سلفه الجمهورى دونالد ترامب الذى رعى «اتفاقات ابراهام» بين أربع دول عربية وإسرائيل فى العام الأخير من ولايته.
وروسيا بطبيعة الحال فى قلب التطورات فى المنطقة برغم انشغالها بالحرب الأوكرانية. وها هو الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يؤكد، يوم السبت الماضى، أنه ما من أحد يريد وقوع صدام مباشر بين قوات «الناتو» وروسيا فى سوريا، لكنه أضاف: «إذا أراد أحد ذلك فإن روسيا مستعدة».
ومع تعثر الهجوم الأوكرانى المضاد، بدأت روسيا فى سوريا، على حد قول الباحث فى مركز كارنيجى للسلام العالمى أندرو ويس، «ممارسة الترهيب ونزع الشعور بأن الولايات المتحدة لن تتعرض للتحدى، لكن الولايات المتحدة تحاول ألا تأكل الطعم، فى الوقت الذى تحمى فيه ناسها على الأرض وفى الجو».
• • •
هل يقود استمرار «المضايقات» الروسية للمسيرات الأمريكية إلى صدام جوى مباشر بين الولايات المتحدة وروسيا؟ لعل السلوك الذى اتبعته واشنطن بعد اسقاط مقاتلتين روسيتين لمسيرة أمريكية من طراز «إم كيو ــ9 ريبر» فوق البحر الأسود فى مارس الماضى، يقدم نموذجا لما يمكن أن يكون عليه الأمر فى سوريا.
فى البحر الأسود، تجنبت أمريكا بعد تحطم مسيرتها الاقتراب من مسارات تحليق المقاتلات الروسية هناك. وليس من مصلحة روسيا الذهاب أبعد فى استفزاز الولايات المتحدة والدخول فى اشتباك مباشر معها فى سوريا.
والرسائل الروسية المراد إيصالها عبر الأجواء السورية، لا شك أن الولايات المتحدة قادرة على فك شيفرتها. روسيا الأكثر اطمئنانا إلى وضع قواتها على الجبهة فى أوكرانيا، تريد القول إن الحرب هناك، لن تجعلها تنسحب من سوريا أو من مواقع نفوذ محسوبة على روسيا فى المجال الإقليمى القريب أو الدول الأبعد. وما مطاردة النفوذ الغربى، وتحديدا الفرنسى، فى مالى وبوركينا فاسو إلا خير دليل على ذلك.
وعندما وقع انقلاب النيجر، الأربعاء الماضى، ساد الاعتقاد لوهلة، بأن روسيا وعبر مجموعة «فاجنر» الناشطة فى مالى وبوركينا فاسو، قد استكملت حلقة النفوذ فى منطقة الساحل، بينما كان بوتين يستقبل القادة الأفارقة فى سان بطرسبرج، تحت أنظار الولايات المتحدة التى تجهد لعزل روسيا على الساحة الدولية.
لماذا «فاجنر»؟ فى مؤشر إلى أن مجموعته ستواصل لعب دور فى سياق تعزيز أجندة السياسة الخارجية الروسية فى إفريقيا، قال رئيس مجموعة «فاجنر» يفجينى بريجوجين فى رسالة صوتية إن ما يحدث فى النيجر هو كفاح شعب ضد مستعمريه، مبديا استعداده لدعم الانقلابيين، وعارضا خدمات «فاجنر» لفرض النظام فى ذلك البلد الإفريقى. وكان بريجوجين قد قال الأسبوع الماضى لدى انتقاله إلى بيلاروسيا، إن أمام مقاتليه دورا يؤدونه فى إفريقيا.
ماذا يعنى ذلك؟ من سوريا إلى إفريقيا إلى أمريكا اللاتينية، تبعث روسيا برسائل تؤكد تمسكها بالنفوذ خارج حدودها، فى خضم الصراع مع الولايات المتحدة، وهو صراع قاد سيرجى شويجو لزيارة بيونج يانج، ليكون أول وزير دفاع روسى يزور كوريا الشمالية منذ انهيار الاتحاد السوفييتى.

النص الأصلي

التعليقات