هو الحدث نفسه أو هكذا يهيئ لك.. تقرأ المذيعة افتتاحية نشرة الأخبار المسائية، ويبدو الحدث هنا مختلفا أو ربما ليس ما كنت تتابع منذ أسابيع، تنتقل لافتتاحية النشرات الأخرى فى أكثر من محطة تلفزيونية ليزداد عندك الإحساس بالغباء أو هكذا يبدو لك. فقد دخلك الشك إما فى فهمك أو فى طريقة متابعتك أو حتى فى الحدث نفسه!! فالاختلاف بين الروايات التلفزيونية والإعلامية تتنوع إلى أن تخلق حالة جماعية من الضياع.
***
والاختلاف ليس فى التسميات فقط بين ثورة أو فورة أو مؤامرة بين شهيد أو عميل أو خائن، بين وطنى وناكر لوطنه، بين مواطن صالح ومواطن لا يستحق حتى تلك الصفة ويحق لهم سحب جنسيته أو جواز سفره.
***
والاختلاف لا يبقى ضمن أسوار التسميات ولكنه يمتد إلى سردية الحدث نفسه. هو احتجاج فإغلاق شوارع للتعبير عن حالة من رفض واقع ظالم أم إنه تعطيل لحياة البشر ولاقتصاد البلد.. ولزيادة حالة «اللخبطة» والخلط لدى المتابع، يقوم بعض الذين يحمل المتظاهرون صورهم بالنزول للميادين متضامنين مع الصرخة التى تريد إنهاء الفساد المستعصى، فيقف البعض حائرا على من ينتفض الشعب إذا كان الجميع متفقا على الوجع!! عندما كتب بعضهم مقالات تحولت إلى شكل كتاب وأعطى لها عنوان حالة الظلم فى الوطن العربى، جاءت الصرخة من الجميع، يسار، يمين، وسط، حزب سياسى دينى أو حتى جمعية أو هكذا تسمى نفسها.. خاف الجميع من كلمة الظلم، تصوروا أنها تضخيم للحالة التى تعيشها هذه المنطقة التى هى أصلا خارج التاريخ وربما حتى الزمن!!
***
حتى بين المتظاهرين المنتفضين أو الثوار تختلف التسميات وليس الوضع مقتصرا على الإعلام. بعضهم يرى أنه ثائر والآخرون ليسوا مثله أو ربما هو درجة أولى ثورة وهم درجة عاشرة!! ضاعت الثورة فى زحمة تفسيراتهم التى هى أصلا تعود إلى انتماءاتهم الحزبية أو الطائفية أو الاثنين معا.. إذن فهم يسقطون فى نفس المستنقع الذى ينتفضون عليه.. كل يرى الأمر من ثقب صغير أو دائرة تشبهه وأى شيء آخر لابد أن يكون قد جاء على ظهر دبابة أو ربما نشرة أخبار أو تغريدة!! أو عبر مندسين قاموا بالتدريب على كيفية «صناعة الثورة» فالثورة هنا تحولت عند بعضهم إلى صناعة تدرس عند مكاتب الـ«سى آى إيه» أو الـ«إم آى فايف» أو جهاز المخابرات الفرنسى، التركى، الإيرانى، الروسى ووووو.. وهذه الرواية ليست برمتها كذبة كبرى أو تهويلا من قبل حملة نظريات المؤامرة، ولكن لا أحد ينظر إلى الأرض الخصبة.. تلك التى قد نشفت أعشابها وجف ترابها حتى اشتعلت بأول شرارة.. لا أحد يتابع الوجع أو ربما حتى لا يعرفه.. فمن يكدس الأصفار أمام أرقام حساباته المصرفيه لا يتصور أن هناك من لا يملك حق ربطة الخبز اليومية.. ولا يدرك أن كثيرين يعيشون إما على أجر يوم بيوم أو على الديون..
***
الحكومات مديونية للبنوك الدولية أو تلك المنظمات الاقتصادية «المنقذة» للدول الفاشلة، والمواطن مديون لبنوك خزائنها متخمة بالأموال المنهوبة والحياة تسير بفعل فاعل أو ربما بقدرة الله كما رد ذاك اليمنى يوما لمندوب البنك الدولى عندما حسب مدخول ذاك المواطن البسيط ومصروفاته والتى فاقت ما يدخل فى جيبه، وسائله «كيف تستطيع أن تمضى فى الحياة وأنت تصرف أكثر مما تدخل «فرد اليمنى الذى كواه الفقر لسنين» «الله يساعدنى».. ضحك ذاك المندوب المهندم وردد «الله غير موجود سوى فى اليمن»!!!
***
الثورة التى أخذت تسميات متنوعة خلال الأشهر الماضية فى كل المدن ببعض الدول التى ظلت تراقب وتعض على الجرح منذ عام 2011 عندما انتفض العرب لأول مرة منذ عديد السنين حتى تصور المرء أنهم آمنوا بتلك الرواية فى المرحلة الابتدائية عن صبر أيوب وهو الآخر لم يعرف إلا عند شعوبنا.. إن تنوع الإعلام فى أوصافه وتمجيده للمتظاهرين فى مدينة ما ورفضها فى مدن أخرى، فهذا أمر ليس بالغريب عندما أصبح الإعلام فى يد الفئة التى تتحكم فى مصير العباد، ولكن أن يختلف الثوار أنفسهم فى تعريفهم للحراك أو التظاهرات فى الدول الأخرى فهذا الأمر يعيدنا للمربع الأول وهو أن الرافض للظلم يقع أحيانا ضحية الترويج له وهى ليست بالنظرية الجديدة فحتى ما حصل من قتل وذبح ودمار فى بعض ما سمى بثورات هو فى الكثير من الأحيان تكرار لتصرفات الظالم نفسه.. ولكن يبقى الأمر المثير للخرف ربما أن ينتقد حاكم أبو غريب قلة الديمقراطية والشفافية والعدالة فى دول دون أخرى.. اختلفوا على التسميات إن شئتم ولكن لا تنكروا الظلم المغمس فى وجعهم اليومى.. لا تنكروا عليهم حقهم فى صرخة تكرر كفى وكلكم يعنى كلكم والشعب يريد.. وعدالة وحرية.. لا شيء يبرر الظلم أبدا ولا عدالة فى قمع الجائع.
كاتبة بحرينية