من ألطف البرامج التلفزيونية التى أحرص على متابعتها أواخر كل عام هى برامج قراءات الطالع للعام الجديد. يبدو ذلك غريبا للكثير ممن يعرفوننى وذلك لحرصى الدائم على المنهج العلمى فى كل ما أفعله على المستويين المهنى والشخصى. ولكنى أرى فى هذه البرامج متنفسا ووسيلة أحرص دائما على أن تظل فى السياق الترفيهى ولا أبنى عليها أية قرارات أبدا، لحرصى الدائم على التقييم الدقيق للمخاطرعند القيام بالاستثمارات. أتعامل مع هذه البرامج بطريقة تشبه تعاملى مع ألعاب الحظ، فعندما ألعب مع أصدقائى الطاولة أو الكوتشينه أجنح دائما لأخذ مخاطرات مبالغ فيها كسرا لهذا الالتزام الصارم بتجنب هذا النوع من المخاطرات فى الحياة العملية. اسمحوا لى إذن أن أصوغ أولى مقالات العام الجديد بلغة قارئى الطالع من الأبراج والأفلاك والأرقام والتاروت وأوراق الشاى وغيرها من تلك الوسائل.
تحدثنا الأفلاك أن عام ٢٠٢١ هو عام التقلبات الكبيرة، بعضها سلبى وأغلبها إيجابى. بالمقارنة بالعام السابق فسيكون عاما إيجابيا ولكن عام ٢٠٢٠ ربما كان الأسوأ على الإطلاق منذ الحرب العالمية الثانية، فأى عام آخر غالبا ما سيكون أحسن منه. يبدأ العام بتجدد المخاوف من الموجة الثانية من الكورونا والتى تسبق بإذن الله التحول الايجابى لعالم يتداوى إنسانيا واقتصاديا بالأمصال المختلفة. كما كانت الكورونا مثل الموجة التى غمرت كل شىء تحت الماء تدريجيا، فالأمصال ستكون كالموجة التى تُجلى هذا الماء تدريجيا. والتدريج هنا لن يكون بالطريقة التى تم بها الغمر والذى اجتاح العالم دون تفرقة. فدول العالم المتقدمة ستخرج أولا لسيطرتها على الدواء وبعدها يأتى دور الدول النامية الأكثر قدرة وأخيرا الدول النامية الأكثر فقرا. فقد قامت كندا مثلا بحجز كمية من جرعات الأمصال المختلفة تكفى لتطعيم أربعة أضعاف عدد مواطنيها. هذا معناه أنهم سيستخدمون المصل الذى يجدونه الأنسب وربما يخزنون بعضه ويتبرعون بالباقى للدول الأكثر احتياجا ولكن ذلك لن يحدث قبل استيفاء احتياجات مواطنيها.
فى السياسة العالمية، تجرى بعد يومين أهم انتخابات هذا العام وهى انتخابات الإعادة على مقعدى ولاية جورجيا فى مجلس الشيوخ الأمريكى. يحتاج الحزب الديمقراطى للفوز بالمقعدين لكى يحظى بالأغلبية بصوت كامالا هاريس الفاصل. خسارة الحزب الديمقراطى أحد المقعدين يعطى الأغلبية للجمهوريين الذين كانوا شوكة فى رقبة كل رئيس ديمقراطى خلال الخمسين عاما الماضية كلما تحققت لهم الأغلبية. كما تحدث الأبراج قارئى الطالع مستشرفين منها المستقبل، فللأسواق لغة لا يتحدثها سوى المتخصصون، تخيب أحيانا وتصيب كثيرا والأسواق تقول لى إن الديمقراطيين لن يتمكنوا من الفوز بالمقعدين وسيكون لذلك تبعات كثيرة على الاقتصاد والسياسة الأمريكية فى العامين القادمين.
بقراءة أوراق التاروت، أرى صعوبات فى إنجلترا فى عام ٢٠٢١ قد تنهى تماما فكرة القومية الانجليزية. للأسف هذه النهاية ستجىء متأخرة لأن الضرر قد حدث وخرجت انجلترا بالفعل من الاتحاد الأوروبى باتفاقية قال المحللون عنها أنها الأسوأ وأنها لا تختلف كثيرا عن الخروج بدون اتفاقية. النهضة الإنجليزية تتوقف على حكومة واعية تستطيع بناء بلد قوى من جديد وتعيد مكانة انجلترا على الخريطة العالمية. حتى الآن يبدو أن بوريس جونسون ليس لديه الحلول المطلوبة. ٢٠٢١ سيكون عاما فاصلا فى التاريخ الإنجليزى الحديث. عاما لن تغيب عنه التأثيرات الإيجابية ولكن ما يحدث بعده يتوقف تماما على قدرة الحكومة الإنجليزية على الإدارة الذكية. هى فرصة ذهبية لإنجلترا إذا تم استغلالها جيدا ولكنى لا أرى ذلك يحدث فى عهد جونسون.
قراءة الأبراج الصينية تحدثنا أن النصف الأول من العام سيكون وقتا للهدوء النسبى للتنين الصينى إلا إذا تم استفزازه، وحينها سيرد بقوة وبسرعة مخيفة. فى أواخر العام ستبدأ المناوشات الأمريكية الصينية وتبدأ المرحلة الجديدة فى لعبة الشطرنج التى أظهر فيها الصينيون التفوق التام فى عهد ترامب. تحدثنى الأبراج الصينية أن ٢٠٢١ سيكون فى معظمه عام إعادة التمركز الصينى استعدادا للمرحلة الجديدة سياسيا واقتصاديا.
قراءة أوراق الشاى تقول لنا أن عام ٢٠٢١ سيكون عاماَ تتسع فيه الفجوة بين أفريقيا وباقى دول العالم. إفريقيا بها العدد الأكبر من الدول النامية الأكثر فقرا وهى بذلك ستكون الأكثر تأثرا بالفيروس من حيث الشدة والمدة. هى فرصة لمصر للعب دور أكبر فى القارة السمراء بتقديم الإمدادات الضرورية من الخبرات الطبية واللوجيستية. وإذا أصبحت مصر بالفعل مركزا لانتاج بعض الأمصال، فستكون فى موقع متميز لزيادة نفوذها الافريقى أكثر من أى وقت مضى.
أخيرا وليس آخرا، قراءة فنجان القهوة المحوجه تحدثنى عن سنة مليئة بالتحديات فى المنطقة العربية التى تحدث بها تحركات تكتونية حيث تختفى عداوات قديمة وتظهر بدلاَ منها تحالفات جديدة من شأنها أن تؤجج عداوات أخرى. بينما سيمضى الجزء الأكبر من العام فى مكافحة وباء الكورونا والتخلص من آثاره، أتوقع أن تبدأ المناوشات فى المنطقة مبكرا وتزيد وطأتها مع الوقت وتبدأ فى الـتأجج فى الشهور الأخيرة من العام. اقتصاديا، تحتاج المنطقة للخروج من عبائة المشكلات السياسية لتدخل مرحلة ازدهار اقتصادى يليق بها. فبينما نتوقع أن يكون ٢٠٢١ عاما إيجابيا فى المطلق للمنطقة، فالأسواق الناشئة خاصة فى آسيا ما زالت فى مركز أكثر قوة بكثير من المنطقة العربية التى تلعب فيها السياسية دورا يجعل المعادلة الاقتصادية أكثر صعوبة.