الشغل الشاغل للناس هو تخفيض الأسعار، هذا هو المؤشر الوحيد بالنسبة لهم على تجاوز الأزمة الاقتصادية التى اشتدت فى العامين الأخيرين. ولا نفترض أن كل مواطن خبير اقتصادى يستوعب تحديات الاقتصاد الكلى، رغم أن الأزمة علمت الناس ثقافة اقتصادية لا بأس بها، يلتقطونها من الفضائيات، والمواقع الإلكترونية، وصفحات التواصل الاجتماعى.
الأسبوع الماضى عقد المهندس مصطفى مدبولى رئيس الوزراء اجتماعا مع كبار المصنعين والتجار وأصحاب السلاسل التجارية الكبرى، واتفق حسب ما تداولته وسائل الإعلام على أنه خلال أيام سوف يجرى تخفيض الأسعار ما بين ١٥% إلى ٢٠%، ثم تتوالى التخفيضات حتى تصل إلى ٣٠% بعد عيد الفطر. ورغم مرور أكثر من أسبوع على هذا الإعلان لا توجد مؤشرات حقيقية على حدوث ذلك. وبعض الكتاب يتساءلون عن التخفيضات الموعود بها، والتى لم تحدث. هذه حقيقة يمكن لأى متابع أن يكتشفها، بل أكثر من ذلك أن أسعار بعض السلع ارتفعت دون مبرر واضح، هناك عدد من الأمثلة.
بعض الشركات المنتجة للمكرونة، وتلك التى تقوم بتعبئة الأرز، والشركات المستوردة للأطعمة المعلبة مثل التونة رفعت أسعارها الأيام الماضية بشكل ملفت.
هذه مجرد أمثلة، وهو ما يستدعى تساؤلات ضرورية. خلال العامين الماضيين تحديدا ارتفعت أسعار السلع عدة مرات، بل وتضاعفت أسعارها، وكانت الحجة هى الدولار، والذى لم يكن متوافرا بالسوق المصرفية، وكان المستوردون يحصلون عليه من السوق السوداء بأسعار متفاوتة بلغت ذروتها نحو ٧٣ جنيها مقابل الدولار. وعندما ارتفعت الأسعار بصورة مضطردة قيل إن السبب هو الدولار. الآن أصبح سعر الدولار مقابل الجنيه فى البنك نحو ٤٧ جنيها بعد أن كان ٣١ جنيها. لماذا إذا لا تنخفض الأسعار بل تواصل ارتفاعها؟ فى هذه الحالة يدفع المواطن الثمن مضاعفا عدة مرات، حيث يدفع ثمن ارتفاع سعر الدولار الجنونى فى السوق السوداء، ويدفع ثمن ارتفاعه فى البنوك الآن، كل ذلك لصالح التجار والمستوردين. والدليل على ذلك يكفى النظر إلى أسعار السلع فى مارس ٢٠٢٢، وأسعارها اليوم، والتى ينبغى أن تعكس حاليا الزيادة التى طرأت على سعر الدولار رسميا، والزيادة التى حدثت فى الجوانب الأخرى للعملية الإنتاجية، وهو أمر لم يحدث فى غالبية السلع الغذائية وغير الغذائية التى ارتفعت بمعدلات فلكية خلال العامين الماضيين.
والحجة التى نسمعها الآن أن التجار يحتاجون عدة شهور حتى يصرفون ما لديهم، ويستوردون السلع ومستلزمات الإنتاج بسعر الدولار الجديد المتوافر فى البنوك وذلك قبل تخفيض الأسعار. يتنافى ذلك مع اتجاه رفع أسعار بعض السلع فى الوقت الراهن اضافة الي ارتفاع سعر الدولار الجمركي من 31 جنيها الي السعر الحر في السوق.
هذه هى الإشكالية، أنه لا انخفاض فى أسعار كثير من السلع، بل بعضها فى ازدياد ربما تمهيدا لتخفيضها بعد شهور، فنسعد بالانخفاض فى السعر، وننسى ارتفاعاته السابقة.
خذ مثالا واضحا وكاشفا وهو السكر. عندما كان سعر الدولار فى البنك ٣١ جنيها اختفى ثم قفز سعر الكيلو إلى ٢٧ جنيها أى الضعف وقتئذ، والسبب هو الدولار الذى لم يكن زاد سعره فى البنك، اليوم يباع السكر بعد فترة من الشح فى المعروض بسعر ٣٧ جنيها للكيلو، ولو سألت سيقال لك السبب هو الدولار.
الظاهر أن هناك وعودا متتالية لتخفيض الأسعار، وبعض السلع انخفضت أسعارها بالفعل ولكن بشكل يسير، وبعضها الآخر واصل ارتفاعه. العبرة ليست بتصريحات الحكومة ووعود التجار، ولكن بالسعر الذى يجده المواطن عند تاجر التجزئة.
وإذا لم يشعر الناس بفارق حقيقى فى الأسعار وتحسن اقتصادى ملموس فسوف تزداد إحباطا خاصة مع ثورة التوقعات التى خلقتها الحكومة عند المواطن بعد توقيع اتفاق رأس الحكمة، والتبشير بانتهاء الأزمة الاقتصادية، فى حين أن الطريق لا يزال طويلا.