ينظر الأغلبية العظمى من مديرى الاستثمار المحترفين فى العالم كله نظرة دونية للكثير مما يسمى مجازا بالاستثمار فى العقارات. يعود ذلك لعدم جدوى هذا النوع من الاستثمار عند احتساب عائده بالطريقة التقليدية. ببساطة، الطريقة التقليدية لحساب جدوى أى استثمار تبدأ باحتساب قيمة هذا الاستثمار ثم حساب عائد هذا الاستثمار خلال عدد من السنوات ثم تخصيم هذا العائد على سعر الفائدة السائد. فإذا كان العائد أعلى من الاستثمار الأساسى فيعتبر هذا الاستثمار مقبولا. هذا النموذج التقييمى المتعارف عليه يسمى Discounted Cash Flow Model. فإذا كان المستثمر يفاضل بين عدة فرص استثمارية، فيقوم بتقييم كل منها بناء على هذا النموذج ليقرر أى الاستثمارات هو الأكثر جدوى. أما عن سبب كراهية معظم مديرى الاستثمار لما يسمى مجازا بالاستثمار العقارى فهو أن معظم هذه «الاستثمارات» عائدها (وهو صافى القيمة الإيجارية بعد خصم جميع المصاريف) ضعيف بالمقارنة بالاستثمار الأصلى. ويُستثنى من ذلك بعض أنواع الاستثمار العقارى خاصة التى تُطرح فى آليات استثمارية خاصة تسمى Real Estate Investment Trust وتُعرف باسمها المختصر REIT. فلماذا يستمر كثير من الأشخاص فى الاستثمار العقارى رغم عدم جدوى هذا الاستثمار طبقا لطرق تقييم الاستثمار المعيارية؟ السبب هو «رهان» هؤلاء الأشخاص على ارتفاع قيمة الأصل العقارى خلال فترة زمنية. وكلمة «رهان» هنا هى الكلمة المناسبة؛ لأن ما يحدث فى هذه الحالة هو بالفعل رهان أو مضاربة بعيدة كل البعد عن المفهوم العلمى للاستثمار. هذا لا ينفى أن بعض هؤلاء المضاربين يملكون بعض العلم أو المعلومات أو الشجاعة، وأن كثيرين قد جمعوا ثروات عن طريق هذا النوع من المضاربة.
فى الاستثمار العقارى، عادة ما يكون الأكثر جدوى هو الاستثمار السياحى والتجارى يليها الإدارى ثم السكنى. يسرى ذلك فى العالم كله وكذلك فى مصر. فإذا كان الغرض من شراء العقار هو الاستثمار وليست المضاربة، فهذا هو تسلسل الأفضلية. ومع ذلك نجد أن أفضلية الشراء فى مصر تكون للعقار السكنى. يعود ذلك لعدة عوامل منها حجم السوق وارتفاع الطلب مع الزيادة السكانية وسرعة دوران رأس المال فيه، وكذلك غياب الكثير من آليات الاستثمارات العقارية الأخرى. فإذا ركزنا على العقارات السكنية حيث أنها الأهم بالنسبة لجمهور القراء فسنجد عقبتين: أولا يبقى سعر الفائدة عقبة حقيقية أمام تقييم الأصل العقارى. فارتفاع سعر الفائدة فى مصر وأغلب الدول النامية يجعل تخصيم العائد لاحتساب قيمته الحالية منخفض للغاية. ثانيا وجود أعداد كبيرة من العقارات غير المستخدمة تتسبب فى انخفاض القيمة الإيجارية فى معظم أنحاء الجمهورية. إذن فيبقى الأهم للمستثمر المحلى هو إمكانية زيادة القيمة الاستثمارية للعقار مع مرور الوقت.
أتخوف دومـًا من الخوض فى تقييم أصول المضاربة ولكن أحيانا تتضح الصورة إلى حد ما. فمثلا فى إبريل ٢٠٢١، كانت الصورة متضحة عندما تناولت قيمة البيتكوين فى مقالى «بيتكوين.. المغامرة العظيمة والمعادلة الصفرية»، فى أوج تألق هذه العملة المشفرة وتوقعت هبوط سعرها وهو بالفعل ما حدث، فقدت تلك العملة حوالى نصف قيمتها منذ نشر المقال. اليوم يوجد بعض الوضوح الذى يمكننى من الخوض فى تقييم حالة السوق العقارية فى مصر. هذه السوق تمر دائما بدورات ارتفاع وانحسار نلاحظها فى حركة البيع والشراء وليس فى الأسعار. فالأسعار لا تنخفض ولكن تختلف معدلات صعودها. فيزيد الطلب بشدة على عقارات فى مناطق ثم يتغير الحال وتنحسر الحركة بشدة وتبدأ منطقة جديدة فى اللمعان فتجذب الطلب. ثم بعد قليل تعود الحركة ولكن ببطء إلى المنطقة القديمة غالبا بدخول نوع جديد من المشترين. ثم تنحسر الدورة فى المنطقة الجديدة التى تصبح قديمة بينما تلمع منطقة أجدد وهكذا. قد تأخذ كل دورة من هذه الدورات عقودا كاملة. ومثال واضح على ذلك مناطق مثل المهندسين والدقى ومدينة نصر. فبينما ارتفع سعر العقار بالجنيه المصرى منذ مطلع القرن فإذا قمنا بتقييمه بأى مقياس آخر فسنجد أن سعره ظل ثابتا على أقصى تقدير. من الممكن أن نقيم العقار بالمقارنة بسعر زجاجة المياه المعدنية مثلا فسنجد أنه انخفض. بسعر البنزين، انخفض. بسعر السيارات، انخفض. ولكن حتى نُخرج التضخم العالمى من الحسبة، فلنستعمل عملة أخرى وليكن الدولار الأمريكى بما أنها العملة الأهم فى العالم. سعر الشقة فى منطقة الدقى مقومة بالدولار الأمريكى منذ ٢٠ سنة هو تقريبا نفس سعرها اليوم. إذا فمن قام بالاستثمار فى العقار فى منطقة الدقى والمهندسين فى مطلع القرن لم يزد من ثروته فى خلال عقدين من الزمان. حتى منطقة الزمالك ومصر الجديدة لم يسلموا ودخلوا فى هذه الدورة منذ سنوات قليلة.
ينظر الناس للعقار على أنه حصالة لمواجهة التضخم ولكن طبقا لمؤشر عقار ماب الذى تم نشره فى نهاية مايو من هذا العام فإن ثروة مصر العقارية عامة فى السنوات القليلة الماضية لم تستطع أن تتجاوب مع التضخم وإن كان أداؤها بالطبع أفضل من النقود.
هذا ما حدث فى السنوات الماضية فماذا عن توقعاتنا للمستقبل؟ أتوقع أن يرتفع سعر العقار فى معظم مناطق الجمهورية اذا كان السعر مقوما بالجنيه المصرى، ولكننى أتوقع أيضا أن هذه الأسعار قد وصلت لأقصى سعر لها لعدة سنوات قادمة بل ربما تكون قد تجاوزته وبدأت فى الانخفاض وذلك بالمقارنة بسعر زجاجة المياه المعدنية أو البنزين أو السيارات أو الدولار. تتبقى هنا ثلاثة أسئلة:
السؤال الأول: هل نشترى عقارات؟
الإجابة: من يريد أن يشترى عقارا للاستعمال فعليه أن يفعل ذلك فى أقرب وقت ممكن. أختص بالذكر شراء منزل لسكن العائلة. فرغم عدم شغفى بالعقارات عامة فأنا مقتنع أن امتلاك السكن من أفضل الاستثمارات؛ خصوصا على مستوى الراحة النفسية. هو أمان لك ولعائلتك. فى هذه الحالة فشراء العقار بالتأكيد ليس مضاربة وأيضا ليس استثمارا بالمعنى المتعارف عليه، هو استثمار يمنح الإنسان استقرارا نفسيا وهو بالتأكيد أمر محمود.
السؤال الثانى: إذا لم نستثمر فى العقارات فأين نوجه استثماراتنا؟
الإجابة: فى استثمار له عائد سنوى أعلى من معدل الفائدة المصرفية. مثلا هناك شركات كبيرة فى البورصة المصرية معدل ربحها السنوى يصل إلى ٢٠٪ و ٣٠٪ وحتى ٤٠٪ من سعر السهم.
السؤال الثالث: هل تحتاج خريطة الاستثمار العقارى إلى مراجعة؟
الإجابة: بكل تأكيد، فالمعادلة فى شكلها الحالى مليئة بالعيوب ولكن هذا موضوع يستحق أن نفرد له مقالا خاصا فى وقت لاحق.