ينشغل العالم بربيع أتى أو آخر سيأتى.. يتحرك سياسيو «العالم الأول» ليطلقوا التسميات أو يوزعوا الألقاب؛ فهذا ربيع وذاك ربيع ولكن للياسمين وآخر ثورة وثالث دكتاتوريات تتساقط وهكذا. حسب ما يرى بعض الخبراء المستشرقين فهى فى مجملها إسقاطات لعالم لا يعرفونه حق المعرفة فيما هم يتحكمون فى مصيره!
تأتى التسميات فى لحظات الانشغال بتحولات هى أكثر من مجرد محاولات للتغيير وكسر الجمود والهيمنة والاحتكار، أو هى ليست فقط لبناء عقد اجتماعى جديد بين الحاكم والمحكوم أو حتى خلق الأنظمة التى تحمى المواطن من بطش الأنظمة القديمة والأيادى الطائلة!! تنتشر حالة الفوضى حتى تصبح هى الواقع وتبرز أمراضا، سيكرر عليك الكثير من أبناء المنطقة بأنها لم تكن موجودة فى الماضى القريب أى قبل خمس سنوات أو أكثر عندما انتشر الغزل المعلب القادم من عواصم الضباب والضجيج إلى هذه المنطقة.. غزل ما لبث أن خف ضجيجه ربما حسب المكان والزمان والمصالح وكثير من العوامل التى ليست بالضرورة مرتبطة بشكل مباشر بعشق ذاك المدعو «العالم الأول بالعدالة والديمقراطية والحريات.. كل الحريات بما فيها حرية الرأى والتعبير والعقيدة»..
***
تأتى السيناريوهات عكس كل توقعاتهم.. تنقلب الثورات على أبنائها.. تنتشر الفوضى حتى فى الدول التى كانت حتى وقت قريب تعد من الدول المزدهرة والمستقرة.. يعود البعض للنبش بحثا عن السبب وحينها يتفاجأ الكثيرون بالبديهى من الأمور وهو أن التعليم هو الأساس.. فيرحل المفتشون ينقبون فى الكتب المبعثرة، ويبحثون خلف الكلمة والصورة لتبرز الكارثة الكبرى – ربما ــ وهى أن هذه المناهج ولسنوات طويلة قد شهدت تحولات وخاصة منها مناهج المراحل التعليمية الأولى، وهى المراحل التى يسهل فيها بناء الشخصية وتغيير السلوكيات والمعتقدات والنظرة للآخر.. إلخ، ولذلك بدأ البعض أولا فى كتب اللغة ثم فى كتب الدين، نفس ذاك الأمر الذى كتب عنه كثير من المختصين لسنين عديدة دون أن يستمع إليهم أحد، ولسنين حذر بعضهم أذكر منهم ذاك الخبير المختص الذى دعته احدى المنظمات الدولية المتخصصة لاجتماع مع وزراء التربية والتعليم فى المنطقة حيث قال لهم ما لم يريدوا الاستماع له؛ وهو أن المناهج بهذا الشكل غير قادرة إلا على خلق أفراد منغلقين، رافضين للآخر، غير قادرين على الانتاج ومنهمكين فى فعل العزلة.. قال ذلك مرارا، صفق البعض له محاولة ربما منهم للإيحاء بأنهم مع التجديد والتغيير؛ أليسوا وزراء للتربية قبل التعليم وهى الوزارات الأهم فى بناء الأوطان الحقيقية حيث الحلم بمساحة البحار والصحارى وحيث الحريات هى أساس التربية والاحترام أساس البناء! ولكنه وفى نهاية الأمر دفع ثمن التحذير بأنهم لم يستعينوا به فى أى من اجتماعاتهم الخاصة بمراجعة السياسات التعليمية فى دول المنطقة ككل.
***
الآن وبعد كل الدم والقتل وإسكات الأصوات المعارضة أو حتى المختلفة، اتجهت الدول العربية لمراجعة المناهج التعليمية وفى تصريحات تبدو ربما ثورية اتجهت وزارات إلى شطب كل الآيات القرآنية والأحاديث التى تدعو للجهاد والقتل. وقال آخرون أن الفكر الرافض للآخر والنمطى موجود فى الكتب الأخرى فاتجهوا لتغيير تلك أيضا.. فى صورة هنا وعبارة هناك وفكرة مستنبطة من الجاهلية الأولى.. إلا أن كل هذه التغييرات التى جاءت متأخرة بعض الشىء قد ووجهت بالرفض بالامتعاض والنقد وربما الرفض القاطع ليس من الأهالى فقط بل من الهيئة التعليمية التى من المفترض أن تكون الأكثر استنارة والأكثر انفتاحا.. كل هذا مهم حتما ولكن التأخير فى الوقوف فى وجه ذلك الفكر قد تأخر كثيرا حتى استقر فى عقول المدرسين والمربين وأصبح جزءا من معتقدهم بل إن الاهمال الذى كان لسنين عدة قد فتح المجال لكل مدرس أو مدرسة أن يدرسوا ليس فقط المنهج المنغلق بل ويضيفوا تفسيراتهم الضيقة أيضا.. انظروا ما يحدث فى بعض تلك الدول العربية والرفض القاطع القادم من المعلمين.. هنا تكمن المشكلة الأولى.. هنا سنقف بعد سنين لنعيد نفس التشخيص للمرض وهنا حتما ستبقى الحكومات بعيدة عن ادراك أهمية التعليم الأول وأهمية اختيار المسئولين عن التعليم قبل المسئولين عن السياحة والترفيه! كل ذلك سيستمر طالما أن معظم الحكومات معينة ولا توجد محاسبة لها ولا مجالس مستقلة ولا نظام حكم شفاف يعتمد على ادماج الجميع..
***
أن تأتى متأخرا أحسن من ألا تأتى. ربما هكذا يفسر قيام بعض الدول العربية بالتحرك لإعادة النظر فى مناهج التعليم وخاصة التعليم الابتدائى الأساسى أو ربما هى سياسة ردود الفعل المتبعة على مدى سنين طويلة ليس فقط على مستويات الأفراد بل الحكومات والدول.