ميسّرٌ زائف - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 3:40 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ميسّرٌ زائف

نشر فى : الجمعة 3 فبراير 2023 - 8:45 م | آخر تحديث : الجمعة 3 فبراير 2023 - 8:45 م
نشرت مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتب مايكل يونج، يقول فيه إنه ما من دولة قوضت قرارات الأمم المتحدة بشأن عمليات السلام العربى الإسرائيلى كما فعلت الولايات المتحدة. ذكر الكاتب أن واشنطن لطالما صورت نفسها متعهدا للسلام بالشرق الأوسط إلا أن مواقفها تناقض ذلك، كتسهيل إبرام اتفاقات أبراهام والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل فى عهد ترامب، وانتهاء بخططها لبناء سفارة جديدة فى القدس.. نعرض من المقال ما يلى.
نشر الأستاذ فى جامعة كولومبيا، رشيد الخالدى، الأسبوع قبل الماضى مقالًا فى صحيفة «نيويورك تايمز» عرض فيه كيف تخطّط الولايات المتحدة لبناء سفارة جديدة فى القدس، على أرض استولت عليها إسرائيل من الشعب الفلسطينى.
أدان الخالدى الخطة الأمريكية لتعزيز «مطالبات إسرائيل بالسيطرة الحصرية على المدينة، التى توافق الولايات المتحدة والمجتمع الدولى على أن وضعها الدائم لم يُحدَّد بعد». وأضاف أن ذلك مثال إضافى يُظهر كيف أن «المعارضة الأمريكية للمشروع الاستيطانى الإسرائيلى ومصادرة إسرائيل للأراضى الفلسطينية ليست أكثر من مجرّد كلام. طوال عقود، اشتكت واشنطن من السلوك الإسرائيلى فيما ظلّت متواطئة فى الاستعمار الذى تمارسه إسرائيل، من خلال تزويدها بمساعدات عسكرية فاقت قيمتها 3 مليارات دولار سنويًا، ويُستخدَم جزء كبير منها لقمع الفلسطينيين».
لا شك فى أن هذه الجملة تثير حفيظة منتقدى الخالدى الموالين لإسرائيل. لكن فى الواقع، ما من دول ضاهت الولايات المتحدة فى تقويضها لقرار الأمم المتحدة التأسيسى الذى أنهى الحرب العربية الإسرائيلية التى اندلعت فى يونيو 1967، والتى احتلّت إسرائيل خلالها الضفة الغربية، والقدس الشرقية، وشبه جزيرة سيناء، ومرتفعات الجولان. إذا تضايق مناصرو إسرائيل من ذلك، فالسبب هو أن لا شىء يجرح كما الحقيقة. أعاد قرار مجلس الأمن رقم 242 الذى فرض معادلة «الأرض مقابل السلام»، التأكيد فى مقدّمته على «عدم جواز الاستيلاء على الأراضى بالحرب»، داعيًا إلى «انسحاب القوات المسلّحة الإسرائيلية من أراضٍ احتلّتها (بحسب النسخة الإنجليزية من القرار) فى النزاع الأخير». وهذا كان أحد الشروط التى اعتبرها القرار ضرورية «لإقامة سلام عادل ودائم فى الشرق الأوسط».
• • •
منذ العام 1967، تسبّب هذا البند المتعلق بالانسحاب بانقسام بين إسرائيل والعالم العربى. فى النسخة الإنجليزية من القرار، نجحت إسرائيل فى إبقاء نطاق الأراضى التى «احتلّتها فى النزاع الأخير» غير محدَّد. فلو ورد فى الصياغة على نحوٍ محدّد «الأراضى التى احتلّتها فى النزاع الأخير»، كان ذلك ليعنى الانسحاب من جميع الأراضى التى استولت عليها إسرائيل آنذاك، ولكن أُسقِطت كلمة «he» من النسخة الإنجليزية («الـ» التعريف من كلمة «أراضٍ»)، ما أتاح تفسير البند بأن إسرائيل ليس عليها الانسحاب من جميع الأراضى التى احتلّتها، بل فقط من أراضٍ غير محدّدة. وقد اقتصرت هذه الفذلكة اللغوية على النسخة الإنجليزية للقرار. وأظهرت إسرائيل بُعد نظر حين أدركت أن تفسير الجملة الإنجليزية هو الذى سيطغى، على الرغم من أن النسخ المترجَمة للقرار باللغات الأخرى ناقضت هذا التفسير.
فى حين أن هذا الجدل اللغوى معروف جيدًا، فإن الأمر الذى لا يتذكّره كثرٌ هو أن الولايات المتحدة عزّزت، بين العامَين 1970 و1972، التفسير الإسرائيلى، وكانت النتيجة إفراغ القرار 242 من جزء كبير من مضمونه. فواشنطن لم تكن متواطئة فحسب فى المشروع الاستيطانى الإسرائيلى، بل ذهبت أبعد من ذلك وضربت عرض الحائط بالأساس الدبلوماسى الذى ينكر شرعية ذلك المشروع. وما زاد الطين بلّة أنها فعلت ذلك بحق قرار أممى كان لها دور أساسى فى إعداده.
لم تكن الخطوات الأمريكية فى هذا المسار متّسقة، فقد طرحت الإدارات المختلفة، وجهات نظر متفرّقة بشأن النزاع العربى الإسرائيلى، ما ولّد مجموعة من الآراء المتنافرة. فى ديسمبر 1969، قدّمت إدارة نيكسون ما بات يُعرَف بـ«خطة روجرز»، تيمّنًا بوزير الخارجية آنذاك ويليام روجرز. أعادت الخطة التأكيد على القرار 242، لكنها أدرجت تنبيهًا بأنه قد يتعيّن إجراء تعديلات حدودية للأراضى العربية المحتلة التى ستُعيدها إسرائيل، نظرًا إلى أن الحدود التى كانت سائدة قبل حرب 1967 حُدِّدت بموجب اتفاقات الهدنة للعام 1949، لذا لم تكن بالضرورة حدودًا نهائية. ولكن الولايات المتحدة اعتبرت أن هذه التعديلات طفيفة، ما سلّط الضوء على أنها لم تدعم المساعى التوسّعية.
لكن روجرز لم يكن المحرّك الحقيقى للسياسة الخارجية فى ذلك الوقت. فمن حّركها فعليًا كان الرئيس ريتشارد نيكسون ومستشاره للأمن القومى هنرى كيسنجر، وقد اتّخذا خطوات لإسقاط خطة روجرز التى عارضها كلاهما بهدوء. وقطعت الإدارة الأمريكية وعدًا إلى رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك، غولدا مائير، فى رسالة موجّهة إليها فى يوليو 1970، بأن الولايات المتحدة لن تصرّ على قبول إسرائيل بالتعريف العربى للقرار 242. عنَت هذه الجملة البسيطة أن الأمريكيين لا يعتبرون أن القرار يفرض انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضى التى احتلّتها فى العام 1967.
فى فبراير 1972، ذهبت الإدارة الأمريكية أبعد من ذلك، مؤكّدةً ألّا داعى لأن تلتزم إسرائيل بانسحاب كامل من الأراضى المحتلة فى إطار أى اتفاق مؤقّت مع العرب. وقد عنى ذلك أن بإمكان إسرائيل الدخول فى مثل هذه المفاوضات من دون تحديد نتيجتها النهائية مسبقًا، ما منحها هامشًا واسعًا للمناورة الدبلوماسية.
والأهم من ذلك أن الجانبين الأمريكى والإسرائيلى وافقا على عدم اتّخاذ واشنطن أى خطوات فى ما يتعلق بالسلام فى الشرق الأوسط من دون مناقشتها أولًا مع إسرائيل. بعبارة أخرى، حصلت إسرائيل على سلطة فيتو فعلية فى هذا الصدد.
أُبرِمت هذه التعهدات على مستوى ثنائى، ولكن تسبّب أثرها بتعطيل قرارات الأمم المتحدة إلى ما لا نهاية. وحدث ذلك بصورة خاصة حين قرّرت إدارة ترامب، فى ديسمبر 2017، الاعتراف رسميًا بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ثم فى مارس 2019، عند اعترافها بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان السورية. ولم تحرّك إدارة بايدن ساكنًا لإبطال أى من هذَين القرارَين، على الرغم من محاولتها التمايز فى سياساتها عن سياسات دونالد ترامب. وتجاهلت من دون أن يرفّ لها جفن واقع أن واشنطن عارضت، إلى جانب أعضاء آخرين فى مجلس الأمن الدولى، ضم إسرائيل لمرتفعات الجولان فى العام 1981، واصفةً الخطوة، فى القرار رقم 497، بأنها «لاغية وباطلة»، قبل أن تطالب إسرائيل بـ«إبطال» قرارها.
• • •
فى سياقٍ كهذا، وفيما يمكن تفهّم الإحباط الذى يشعر به الخالدى، فإن عزم الولايات المتحدة على بناء سفارة على أرض عربية محتلّة لا يشكّل فعليًا خروجًا عن سلوكها السابق. لقد صوّرت واشنطن نفسها، على مدى 56 عامًا، بأنها المتعهّد الكبير للسلام فى الشرق الأوسط، فيما ناقضت مرارًا وتكرارًا مواقفها المُعلنة بشأن مقتضيات هذه التسوية. وساعدت أيضًا أحد الجانبَين، أى إسرائيل، على فرض تفضيلاته على العرب والشعب الفلسطينى، وهو ما حدث مؤخرًا من خلال إبرام اتفاقات سلام مع دول عربية على حدة. لذلك، وحتى لو لم يكن التوصّل إلى سلام شامل ممكنًا من دون أميركا، فلا يمكن فعليًا بلوغ السلام الشامل من خلالها.

النص الأصلي

التعليقات