عدو عدوى - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 12:34 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عدو عدوى

نشر فى : الخميس 3 مايو 2018 - 10:35 م | آخر تحديث : الخميس 3 مايو 2018 - 10:35 م

نشرت مدونة « ديوان» الصادرة عن مركز كارنيجى لدراسات الشرق الأوسط مقالا للكاتب «أنوار بوخرص» يتناول دور الدولة المتزايد فى صعود السلفية الهادئة الموالية للنظام والتى تعارض بشدة السلفية المسيسة والعنيفة، والذين أصبحوا أطرافا فاعلة فى القطاع الاقتصادى غير الرسمى، والتطرق إلى دورهم عند اندلاع الانتفاضات العربية فى العام 2011 حيث أطلق جميع الشخصيات السلفية الهادئة الرئيسة دعوات طلبت فيها من الجزائريين مقاومة موجة الاحتجاج السياسى التى تهز العالم العربى، وشددت فى فتاواها وخطبها على وجود مخططات أجنبية لاستخدام المحرضين المحليين والمثاليين السذج لإثارة الاضطرابات السياسية والعنف.
يستهل الكاتب حديثه بأنه بعد مرور نحو ثلاثة عقود على اندلاع الحرب الأهلية فى الجزائر، التى سرع من وتيرتها إلغاء الجيش للانتخابات التى فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ فى يناير 1992، عادت الأيديولوجيا والحركية السلفيتان لتكون مرة أخرى محور الخلاف الاجتماعى والجدل السياسى.
تتعالى الأصوات العلمانية فى الجزائر أكثر فأكثر، محذرة من «السلفنة الزاحفة» للمجتمع. وقد نشرت الصحف، خصوصا تلك الناطقة بالفرنسية مثل «الوطن»، مقالات مثيرة للقلق حول ما زُعم أنه «خطة حرب» رسمها السلفيون من أجل تقويض إسلام الدولة الجزائرية. ومنذ توليه منصبه فى مايو من العام 2014، انضم وزير الشئون الدينية محمد عيسى إلى أولئك الذين يرفعون الصوت ضد وعظ الدعاة المتمردين وانتشار الأفكار التى يُفترض أنها تخريبية وتشوه وتعطل الفكر والممارسة الدينية.
يُعتبر التوسع المطرد للسلفية فى الجزائر، ولاسيما «الهادئة» التى تمتنع عن ممارسة النشاط السياسى، أحد أعراض تدهور المؤسسات الدينية الرسمية والأحزاب السياسية، خصوصا الإسلامية منها. فقد ازداد تنازع الدعاة السلفيين مع أئمة الأحياء الذين لعبوا دورا مهما فى تشكيل وجهات نظر الجزائريين العاديين. وغرق الإسلاميون الجزائريون فى شكل من أشكال الخمول الفكرى، وانفصلوا إلى حد كبير عن قواعدهم الشعبية. ولحق المصير نفسه المنظمات الصوفية التى ينظر عدد كبير من الجزائريين إلى ممارساتها على أنها خارجة عن الفقه الإسلامى المقبول.
لعبت الدولة دورا لا يُستهان به فى صعود السلفية الهادئة. ونظرا إلى مدى ولاء هؤلاء الهادئين للنظام ومعارضتهم الشديدة للسلفية المسيسة والعنيفة، ليس من المستغرب أن يسمح النظام للسلفيين اللاسياسيين بإدارة مدارسهم وأعمالهم الخاصة. وهكذا، بات العديد من السلفيين، الذين نبذوا التطرف العنيف، أطرافا فاعلة فى القطاع الاقتصادى غير الرسمى. من جهتها، كثفت الصحافة الجزائرية تغطيتها للجهاديين السابقين الذين ازدهرت أحوالهم بفضل التسهيلات التى منحتهم إياها السلطات والعلاقات التى بنوها مع نظرائهم التجاريين فى الخليج.
زاد اندلاع الانتفاضات العربية فى العام 2011 من فائدة السلفيين الهادئين بالنسبة إلى الدولة. فقد أطلقت جميع الشخصيات السلفية الهادئة الرئيسة دعوات طلبت فيها من الجزائريين مقاومة موجة الاحتجاج السياسى التى تهز العالم العربى، وشددت فى فتاواها وخطبها على وجود مخططات أجنبية لاستخدام المحرضين المحليين والمثاليين السذج لإثارة الاضطرابات السياسية والعنف. حذرت هذه الشخصيات من أن الكافرين قاموا بتنميق فضائل الثورات الديمقراطية وأذكوا الكراهية عبر مواقع التواصل الاجتماعى، الأمر الذى دق إسفينا بين الحكام والمحكومين وفاقم الانقسامات الاجتماعية، ما سيؤدى فى نهاية المطاف إلى زيادة انعدام الأمن واستشراء الفساد.
***
أصدر عبدالمالك رمضانى، وهو رجل دين جزائرى يعيش فى السعودية، فتوى مؤلفة من 48 صفحة تحث الجزائريين على عدم الوقوع فى فخ الفتنة. وردد التحذيرَ الذى يكرره كثيرا قادة السلفية العالمية الهادئة، من أنه «طالما أن قائد الأمة مسلم، لابد من إطاعته والإنصات إليه». أما إذا كان الحاكم مقصرا فى واجباته الدنيوية، فنصح رمضانى بـ«الصلاة والصبر».
باعتباره ممثلا للسلفية فى الجزائر، عارض محمد على فركوس أيضا الانتفاضات العربية. فركوس هذا رجل دين جزائرى عينه رجل الدين السعودى السلفى الهادئ ربيع المدخلى فى يناير 2018، إلى جانب عبدالمجيد جمعة وأزهر سنيقرة. وهو استخدم منبره الخاص على الإنترنت لحث الجزائريين على عدم الانضمام إلى الاحتجاجات، كما أصدر فتوى تُدين أعمال التضحية بالنفس باعتبارها انتهاكات لإرادة الله. أما بالنسبة إلى التظاهرات العامة والمسيرات والاعتصامات، فقد شجبها فركوس بكونها أفكارا وأساليب حديثة مستوحاة من الثورة الفرنسية.
تعرض فركوس، بسبب هجماته على الحزبية والفئوية، إلى توبيخ حاد من الناشط السلفى البارز عبدالفتاح حمداش. ففى العام 2013، أطلق حمداش جبهة الصحوة الإسلامية التى لا تحظى باعتراف الدولة، واستخف بسلطة فركوس الدينية، معلنا رفضه له بسبب افتقاره إلى الخبرة والمعرفة لإصدار الأحكام حول القضايا المعاصرة.
***
أضاف الكاتب أنه فى عام 2014، واجه على بلحاج، أحد مؤسسى الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذى أُطلق سراحه من السجن فى العام 2006، الصعوبات نفسها التى واجهها حمداش فى الحصول على اعتراف الدولة بالجبهة كحزب سياسى. والأمر نفسه انطبق على الأمير السابق للجيش الإسلامى للإنقاذ، مدنى مزراق، الذى قاتل الدولة خلال الحرب. فهذا الأخير يتمتع بحق الظهور على وسائل الإعلام، والوعظ وتنظيم اللقاءات. وفى يونيو من العام 2014، استشاره رئيس الوزراء الحالى أحمد أويحيى، الذى كان فى ذلك الوقت وزير دولة وممثلا شخصيا لرئيس الجمهورية، بشأن إعادة النظر فى الدستور. لكن على الرغم من التعامل مع مزراق على أنه «شخصية وطنية»، لايزال النظام مصمما على إبقاء السلفيين السياسيين وأعضاء سابقين فى الجبهة الإسلامية للإنقاذ خارج الإطار السياسى.
هذا الحظر وغياب استطلاعات الرأى العام الموثوقة، يجعلان من الصعب تقييم درجة الدعم التى تتمتع بها السلفية السياسية فى صفوف السكان. ويدعى حمداش ومزراق أن القاعدة السلفية الشابة تتوق لأن تحظى بممثلين لها فى النظام القائم. لكن المراقبين المتحمسين لهذه الظاهرة يشككون فى قدرة السلفيين الناشطين على إعادة تشكيل التسونامى السياسى والانتخابى الذى أحدثته الجبهة الإسلامية للإنقاذ فى العامين 1990 و1991.
لقد جهز النظام الجزائرى لوضع استراتيجية متماسكة لاحتواء التوسع التدريجى للسلفية فى المجتمع. فمن جهة، حذر عيسى، وزير الشئون الدينية، من التعاليم الصارمة وتمرد رجال الدين الذين أعلنوا أنفسهم متأثرين بالوهابية. لكن من ناحية أخرى، تواصل بعض الفصائل داخل النظام اعتبار السلفية الهادئة أداة مفيدة ضد التهديدات الإقليمية والقبلية والطائفية والجهادية التى تواجهها الجزائر. ففى مارس من العام 2017، بدا أن أويحيى يؤكد شكوك المنتقدين الذين يلومون حكومته على استخدام السلفية فى تقسيم وحكم المشهد السياسى. وفى خطاب أمام نشطاء حزبيين فى تمنراست، صور السلفية باعتبارها نموذجا يُحتذى، قائلا: «نحن نحب السلفية، إنها فى ديننا. فلنكن سلفيين فى الوطنية».
وختاما يذكر الكاتب أنه أيا تكن الحقيقة حول سياسة النظام تجاه السلفية، فإن التوسع المطرد للسلفية الهادئة يكشف عن الأزمة العميقة التى تعيشها المؤسسات الدينية الرسمية. فإعادة تأهيل هذه المؤسسات، كما أوصى عيسى، قد تكون حاسمة فى بناء سردية مضادة موثوقة للأفكار والممارسات غير المتسامحة لبعض رجال الدين السلفيين. فى نهاية المطاف، لاتزال هذه مجرد أداة واحدة لدحض الأفكار المتطرفة. وفى ظل الركود الاقتصادى والشلل السياسى وافتقار الفرص، سيكون هناك دائما مخزون من الشباب الغاضبين والساخطين الذين تغريهم الحجج والأساليب الدينية التى تطرحها مختلف فروع السلفية.

النص الأصلى: http://ceip.org/2rhvGEy

التعليقات