مع استمرار الغموض حول ترشحه لرئاسة الجمهورية، لم يعد جمهور الناخبين فى مصر يمتلكون تصورا واضحا ومحددا للمشير عبدالفتاح السيسى، فعلى صفحات الجرائد والمجلات وشاشات الفضائيات اصبحت لدينا ثلات أو أربع نسخ من المشير كلها ضد بعضها البعض فى المرجعيات الفكرية والتوجهات السياسية، ولا أحد يعرف أى من هذه النسخ يعبر عن حقيقة السيسى بصدق.
الناصريون يؤكدون ان السيسى هو الامتداد التاريخى لجمال عبدالناصر، وأن الرجل يريد أن يكمل التجربة الناصرية التى انكسرت فى نكسة 67، وان الكثير من الرموز الناصرية تعكف الآن على كتابة الربنامج السياسى – الانتخابى للمشير السيسى ليخوض به الانتخابات الرئاسية القادمة، وان هناك مفاوضات فى الكواليس تدور حول اختيار السيسى بعد فوزه بالرئاسة لحمدين صباحى نائبا له..!
اما معسكرات اليسار، فيرى بعضها ان السيسى يعيد من جديد حكم العسكر كامتداد للحكم العسكرى منذ ثورة يوليو 52 وانه يدخل فى حلف طبقى مع الرأسمالية يعتمد على قمع كل الحركات الجماهيرية وانه يقود معسكر الثورة المضادة ويعبر عن شبكة مصالح الحزب الوطنى، وانه يستبدل الفاشية الدينية لحكم الاخوان بفاشية عسكرية ستنقض على كل مكتسبات ثورة يناير، فى حين ترى فصائل أخرى ان السيسى سيضطر بحكم توازنات القوى الجديدة ان يقدم اصلاحات سياسية واقتصادية لصالح الطبقات الفقيرة، وإنه لن يكون مرشح الثورة، ولكنه ايضا ليس مرشحا للثورة المضادة، وانه بموقعه هذا يمكن للقوى الثورية ان تحقق مكتسبات لم تكن تقدر على تحقيقها تحت حكم الاخوان.
أما معسكرات الفلول، فترى فى الرجل قدرته على فرض الاستقرار فى الشارع، ما يتيح لها العودة للمسرح السياسى بنفس نفوذها القديم، ولكن تحت كيانات سياسية جديدة بعيدة عن الحزب الوطنى ورموزه المحروقة، وهى ترى انها ساندت المشير السيسى فى مظاهرات 30 يونيو، وفى الاستفتاء على الدستورالجديد،وان لها الحق فى الحصول على المقابل، ليس فقط لموقفها هذا ولكن لأنها القوى الوحيدة المنظمة التى تستطيع تقديم مرشحين للانتخابات البرلمانية القادمة يستطيعون مواجهة مرشحى الاخوان، خاصة فى دوائر الصعيد، كما ترى هذه القوى ان السيسى يؤمن بقوانين السوق وانه سيوفر لها المناخ الاقتصادى الذى كان سائدا فى عهد حسنى مبارك، لتعيد من خلاله تحقيق مصالحها التى انهارت مع ثورة يناير.
اما القوى الاسلامية، فتروج للمشير السيسى بأنه الجنرال الانقلابى الذى يخوض معارك ضد الشرعية، وهم يخسرون أى تعاطف شعبى معهم فى الداخل، خاصة مع لجوئهم للعنف، ولكنهم يحققون نجاحا لدى دوائر غربية بعضها يرتبط بقوى صهيونية ويمينية امريكية تراهن على عودة الاخوان للحكم مرة اخرى..!
حتى الآن، نحن لا ندرى أى وجه من هذه الوجوه سيحمله المشير السيسى حينما يصبح رئيسا، هذا إذا قرر فعلا خوض انتخابات الرئاسة، لكن المؤكد أن طريقه ليس مفروشا بالورود، فحتى الذين يرفعون صوره فى الميادين، ويرقصون طربا على الاغانى المؤيدة له الآن، لن ينتظروا طويلا حتى يروا ارتفاعا فى مستوى معيشتهم، وعودة الأمن فى الشوارع، وقد يكون شعور السيسى بحجم المشاكل التى سيواجهها أى رئيس قادم، يجعله مترددا فى الكشف عن أفكاره وتوجهاته وفلسفته فى الحكم.
أنا شخصيا، اتمنى ان يفاجئنا السيسى وان يستكمل طريق محمد نجيب اول رئيس للجمهورية، الذى كان يريد القضاء على الفساد السياسى والاقتصادى، وإقامة بيئة سياسية وقانونية تحمى الحريات، ثم يعود الجيس بعدها لثكناته ويسلم الحكم للمدنيين.. فهل يفعلها السيسى ويحقق حلم محمد نجيب الذى أجهضه رفاقه فى الثورة؟