تسلا: عن الشركة - محمد الهوارى - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 6:47 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تسلا: عن الشركة

نشر فى : السبت 4 سبتمبر 2021 - 7:05 م | آخر تحديث : السبت 4 سبتمبر 2021 - 7:05 م

فى المقال السابق تحدثنا عن تكنولوجيا السيارات الكهربائية عامة والسيارة التسلا بوجه خاص. الجزء الأخير من التكنولوجيا والذى لم أذكره فى المقال السابق أعتبره خاصا أكثر بتسلا كشركة وليس بالسيارات الكهربائية عامة وهو تطوير السيارة ذاتية القيادة وهى التكنولوجيا التى تعمل عليها شركة تسلا بشكل خاص وشركات أخرى معدودة. هى حلم تكنولوجى يبدو حتى اليوم بعيد المنال ولكنه يعبر عن شخصية رئيس الشركة إيلون ماسك أكثر من ارتباطه بفكرة السيارة المستقبلية.
فى عالم صناديق التحوط أقوى مديرى الصناديق أعصابا وأكثرهم قوة تقنيا هم الذين يتخصصون فى البيع على المكشوف للشركات التى فاقت قيمتها السوقية قيمتها الحقيقية. أبرز هؤلاء المديرين على الإطلاق هو جيم شانوس. يرى شانوس أن إيلون ماسك يجيد التسويق وأنه نجح فى بناء قصة وهالة حول شركة تسلا حولتها من شركة سيارات إلى شركة أحلام تبيع فكرة التحول للاقتصاد الأخضر صديق البيئة. فى لقاء منذ شهور سألوه عن شركة أخرى تدعى «نيقولا» وهو الاسم الأول للمخترع «تسلا» وهى شركة تتخصص فى تصنيع سيارات النقل الكهربائية أصبحت قيمتها بالمليارات على الرغم من أنها لم تصنع سيارة واحدة حتى اليوم. فأجاب شانوس بأنه لا يتعجب من ظهور «مسوقين» آخرين ينقلون تجربة ماسك ويبيعون حلما وليس شركة.
حتى اليوم شركة تسلا لديها مصدران لعائداتها، الأول هو السيارات وقطع الغيار كأى شركة سيارات فى العالم. أما المصدر الآخر فهو ما يسمى بإيرادات الكربون أو Regulatory credits، وهى باختصار كالآتى: فى الدول المتقدمة يوجد حد أقصى للانبعاثات الكربونية المسموحة لكل شركة. وبالتالى فالشركات المصنعة للسيارات العادية مثلا تعتبر شركات ملوثة للبيئة. أما شركة تسلا التى تنتج سيارات صديقة للبيئة فبالعكس لا تستخدم النسبة المسموحة لها وبالتالى فتسلا تستطيع بيع «مسموحات التلوث» تلك للشركات الأكثر تلويثا حتى لا تتعدى تلك الشركات النسبة المسموحة لها. منذ بدء جائحة الكورونا وبسبب تركيز الدول الأكثر تقدما على الاقتصاد الصديق للبيئة كأولوية للتنمية، قفز سعر طن الكربون لأكثر من الضعف وبالتالى زادت عائدات تسلا منه حتى أصبح نحو ٦٪ من اجمالى عائدات الشركة.
إذا أخذنا فى الاعتبار مصدرى العائدات وكذلك عدد السيارات المنتجة سنويا وقمنا بمقارنته بالقيمة السوقية للشركة ثم قارنا ذلك بالقيمة السوقية لشركات السيارات الأخرى العاملة فى السوق فسنجد أنه للوصول للقيمة الحالية للسهم يتعين على شركة تسلا إما القيام بقفزة هائلة فى الانتاج والمبيعات، أو القيام بالتحول إلى شركة تكنولوجيا صديقة للبيئة تنتج السيارات وتبيع العديد من المنتجات والخدمات الأخرى. لا يرى أغلب مستثمرى تسلا أن قفزة المبيعات ستحدث قريبا لأن ذلك يحتاج إلى حدوث طفرة فى تكنولوجيا البطاريات كما استعرضنا فى المقال السابق. وبالتالى أغلب المستثمرين الذين يدفعون مبالغ باهظة فى أسهم الشركة ينتظرون تنفيذ الحل الثانى. هو حلم أغلبهم لا يعلمون كل جوانبه ولكنهم على استعداد لدفع مبالغ باهظة ليكونوا جزءا منه. وهى أيضا إحدى الظواهر التى تؤكد أن هناك فقاعة فى أسواق المال تحدث حاليا.
فى أواخر الستينيات من القرن الماضى كانت هناك مجموعة شركات أمريكية أغلبها تكتلات عملاقة كان يطلق عليها اسم Nifty Fifty. لم يكن هناك وقتها حدود لسعر سهم أى من هذه الشركات. لكن عندما هبط السوق فى السبعينيات بعض هذه الشركات أفلست وبعضها لم يستعد قيمته إلا بعد أكثر من عشرين عاما. قرأت أخيرا تحليلا أنه على الرغم من غلاء سعر السهم وقتها فإن العائد من شراء أسهم شركات النيفتى فيفتى فى أوج تألقها كان سيصبح مماثلا لعائد السوق من أواخر الستينيات وحتى أواخر التسعينيات. فى تقديرى ان وضع شركة تسلا سوف يكون مماثلا أى إن أغلب العائدات المرتفعة من سهم الشركة قد تم تحقيقها بالفعل، ومن الآن فصاعدا فسهم الشركة سيقدم على المدى الطويل عائدات عادية معقولة وليست عائدات شديدة الارتفاع مثل السنوات السابقة. ولكن قبلها سنرى تقلبات سريعة وعنيفة للسعر بين صعود وهبوط. هو استثمار قد يصلح للشباب الذين يستطيعون تحمل تقلبات الزئبقى إيلون ماسك وحبه الصارخ للظهور. فى نفس الوقت هو استثمار لا يصلح للمستثمر الجاد سوى فى أضيق الحدود.
مع ذلك فسوق السيارات يقدم اليوم فرصة واعدة. أتخيل أنه عندما يتم حل معضلة البطاريات سنجد أنه على مدى عشرة أو خمسة عشر عاما على الأكثر سيتم إحلال ٨٠٪ على الأقل من أساطيل السيارات فى العالم من سيارات عادية إلى سيارات كهربائية. أى أن حجم المبيعات سيزيد بصفة مطردة. فى نفس الوقت، عائدات الصيانة وقطع الغيار ستهبط بشدة. هى فرصة حقيقية لمن يستطيع تحليل هذه الفرص بدقة ولكن اذا اتخذت قرار الاستثمار فى هذا القطاع فإن استثماراتى لن تتوجه إلى ايلون ولكنها ستتوجه بكل ثقة إلى قلعة الصناعة والتطوير التى ستقود التحول العالمى: ألمانيا!

محمد الهوارى مدير صناديق استثمار دولية
التعليقات