كانت حصته فى تلك الجامعة البعيدة فى آخر بقعة شمال ولاية تكساس هى الأكثر إثارة وتثقيفا وربما بعض التسلية.. هو الأمريكى الاسود الذى لا يزال يعانى من ما علق به من سنوات العبودية فى أكثر دول العالم حديثا عن العدالة وحقوق الانسان والحرية والمساواة.. كان أسلوبه الساخر من النظام فى بلاده ومن شعارات وما كان يسميه «أكاذيب» رجال الدولة والسياسة هو ما يجذب له الكثير من طلاب العالم الثالث فى ذلك الوقت.. قدرته تلك وفرت له شعبية كبيرة بين الطلاب الباحثين عن المعرفة والتواقين إلى الحوار فى قضايا أساسية تمس الإنسان أينما كان لا تلك المكررة فى كتب يضعها من كسب المعركة الأخيرة!!
•••
هو وآخرون مثله كانوا قلقين من نظام اقتصادى عالمى غير عادل. نظام يقف مع السارق الكبير ويمنحه الفرصة لأن يتحول إلى رجل سياسة أو ربما رجل دولة فيما كان يقول لنا يعاقب الجائع الفقير إذا سولت إليه نفسه إن يمد يده ويقطف حبة من الطماطم ليسد بعض جوعه..
شأنه شأن القليل من المعلمين الحقيقيين فى حياتنا رحل هو وبقت صورته معى وحديثه فى تلك القاعة المكتظة بالطلبة والطالبات.. ذاك النوع من التعليم الذى يمنح الطالب منا القدرة أو التدريب اللازم لمراجعة كل الصور التى يراها بشكل يومى وأحيانا روتينى وكثيرا ما تكون عادية جدا بالنسبة للكثيرين..
•••
ما استحضر دروس ذاك المعلم الحقيقى هى القدرة العبقرية للبعض اليوم لحماية كبار السارقين ووضعهم ضمن علية القوم فيما يقبع الجائع بفقره فى قاع المجتمع أو تدور به السنين وهو حبيس سجن وحكم يبدو عادلا جدا إذا ما نظر لمسألة تطبيق القانون وأحكامه ولكنه قانون بعين واحدة أو قانون على الضعفاء والمحتاجين فى زمن العجز والحرب والفقر العربى.. لذلك نجد مجتمعاتنا أو الكثير منها لا تملك احتراما شديدا للقانون إما لأنه قد نام فى حضن السلطة حتى أصبح القضاة جزءا من حملة أختام السلطان بمختلف مسمياته الحديثة فكلهم سلاطين بأسماء متعددة، أو لأنه أى القانون لا
يطبق إلا على الضعفاء فيما يهرب منه غلاة اللصوص والظالمين والمرتشين والمجرمين بمختلف أشكال ونوع الجريمة بمساعدة ودعم من السلطاتو ثلة من المحامين الفاسدين مثلهم..
فى شكل يبعث على التساؤل دوما كيف يكون الكثير من اللصوص غير الظرفاء طبعا ــ كما كان ذلك المسلسل الطويل حول اللص الظريف ــ يعيشون بشكل اعتيادى ويتسابقون فى وضع صورهم على صفحات الجرائد والمجلات ويتشدقون بحبهم للخير والإحسان والبر. كل ذلك فيما صغارهم أى صغار الحرامية تطاردهم السلطات ليلا نهارا ولا تتركهم حتى ترميهم فى قاع إحدى الزنازين التى تدمر ما تبقى من انسانيتهم وتدفعهم أو تحولهم إلى مجرمين حقيقيين بعد أن كانوا مجرد ضحايا لنظام اقتصادى واجتماعى وسياسى ظالم أو فى أقله غير عادل..
•••
كثير من أولئك أو كبار «الحرامية» من علية القوم يتوقون دوما للحديث عن تاريخ حافل بالجد والتعب للوصول إلى تلك الثروة أو الثروات وهناك بالطبع من يعمل وبشكل كبير على تلميعهم وتقديمهم عبر إعلام بعيدا جدا عن الخبر شديد القرب من «صناعة» الخبر كما يشتهى ملاك الجرائد والمحطات من حكومات متدثرة أو مختفية تحت تسميات لرجال أعمال هم الاقرب للسلطة صاحبة رءوس الأموال.. تلك التى أدركت منذ فترة ليست بعيدة بأن الدول لا تحكم فقط بالقصر والولاءات المتعددة وبذل المال هنا وهناك بل وبإعلام يطبل حتى يتحول إلى رسائل إعلامية ممجوجه وواضحة الانحياز والتحيز...
هو زمن الحرامية الكبار ينتشرون فى حياتنا حتى يسدوا الشمس عن المدن المتعبة ويرسلون الأحلام الوردية عن الطموح والمثابرة والجهد كوسيلة لتحقيق الثراء ولا ينسون الانعطاف بعض الشىء على سهر الليالى الطويلة!!! حتى يبدو الأمر وكأنهم كثروا الحديث عن كذبتهم حتى صدَّقوها هم فيما سرقاتهم للأرض والهواء والماء والبحر هى أحاديث الحوارات الهامسة والجلسات المغلقة وبعض العلنية منها عندما «فاحت» رائحة فسادهم وأصول ثرواتهم ذات الأصفار المصطفة والمكتظة..