اشتكى بعض الأصدقاء من صعوبة محتوى بعض المقالات الأخيرة ففكرت كيف أبسط المعلومة بصورة يفهمها غير المتخصص. ثم وجدتها فرصة لأبسطها أكثر حتى يفهمها أبناؤنا فى سن المراهقة. بدأت بلاد العالم المتقدمة فى الاهتمام بمحو الأمية المالية Financial Literacy كمادة مهمة يتعلمها أبناء الأجيال الجديدة مما يمكنهم من فهم ما يحدث حولهم وبالتالى تمكينهم من اتخاذ قرارات مبنية على فهم معقول للأمور. وجدت أن أفضل طريقة لشرح ما حدث منذ وباء الكورونا وحتى اليوم هو أن أبسط الأفكار بشدة وأعرضها فى صورة قصة من مجلة الملايين المفضلة: ميكى. أرجو أن تستمتعوا بقراءتها ولكن أرجو أيضا أن تدعو أبناءكم وبناتكم لقراءتها ومناقشتها معهم.
منذ بضعة أعوام انتخب عم دهب عمدة لمدينة البط أهم بلاد العالم. فى عام ٢٠٢٠، ضرب العالم مرض خطير تسبب فى أن أصدر عم دهب قرارات بإغلاق الكثير من المصانع والشركات وبقاء الناس فى منازلهم حتى لا يصابوا بالمرض. تسبب ذلك فى صدمة قوية لاقتصاد مدينة البط والعالم أجمع، فقرر عم دهب الذى يملك مطبعة النقود التى تطبع دولار البط أن يطبع المزيد من العملة ويوزعها على الشعب فى صورة منح لا ترد من ناحية، ومن ناحية أخرى فى صورة قروض ميسرة وزعها على بنوك مدينة البط وشركاتها. جاء بطوط إلى عم دهب وسأله ولكن ماذا أفعل بكل هذه النقود يا عم دهب؟ فنحن حاليا لا نستطيع صرفها للسفر أو للذهاب للمطاعم فكلها مغلقة فماذا أنا فاعل؟ فرد عليه عم دهب أنه يستطيع أن يفعل بها ما يشاء. وبالفعل لم يجد بطوط وباقى مواطنى مدينة البط مجالا لصرف هذه النقود سوى شراء إلكترونيات وسيارات وأسهم فى شركات وحتى هذا الاختراع الكرتونى المسمى بيتكوين. ولأن المصانع والشركات والمناجم الكثير منها مغلق، فالمعروض فى السوق أصبح أقل من الطلب فنتج عن ذلك زيادة أسعار معظم السلع. أيضا البنوك والشركات الكبرى، قامت بالاستثمار فى كل شىء ورفعت سعره حتى إنهم أقرضوا أموالا لمدينة الوز صاحبة الاقتصاد الناشئ بفائدة منخفضة جدا. ولم لا، فالنقود يتم طباعتها بدون حساب.
فى عام ٢٠٢٢، اجتمع مجلس مدينة البط وقال أبو طويلة لعم دهب إنه يجب أن يتوقف عن طبع النقود لأن كل شىء أصبح سعره يرتفع بسرعة شديدة وأصاب المواطنين الاستياء. فى نفس الوقت بدأت الحرب بين مدينة البجع ومدينة النورس وكلاهما غنى بالموارد، فنتج عن ذلك أن قل المعروض من بعض البضائع التى تنتجها المدينتان مثل البترول والقمح وبالتالى ارتفع سعرها أكثر. فقرر عم دهب أن يوقف طباعة النقود، بل وبدأ فى استعادة النقود التى قام بإقراضها للبنوك والشركات. فى نفس الوقت الذى بدأ فيه المرض الفتاك فى الانحسار من العالم.
هنا قرر ميكى ــ مدير صناديق الاستثمار الدولية ــ أن يكتب توقعاته لما سوف يحدث نتيجة لهذه الأحداث:
١ــ ستقل الأموال المتاحة فى السوق، مما يعنى أن الطلب سيقل، مما سيشكل ضغطا لأسفل على الأسعار فى مدينة البط.
٢ــ فى نفس الوقت سيؤدى انحسار المرض إلى عودة الكثير من الشركات والمصانع للعمل من جديد مما يعنى أن حجم الإنتاج سوف يزيد وبالتالى المعروض فى السوق سوف يزيد مما سيشكل أيضا عامل ضغط لأسفل على الأسعار.
٣ــ استعادة مجلس مدينة البط للأموال التى قام بإقراضها سيتسبب فى تقليل المعروض النقدى وبالتالى لن تقوم البنوك والشركات بإقراض مدينة الوز الناشئة إلا بشروط أكثر صعوبة عن ذى قبل.
٤ــ الحرب بين مدينة البجع ومدينة النورس ستتسبب فى بقاء بعض الأسعار عند مستوى مرتفع مؤقتا، لكن مجلس مدينة البط مصمم على تخفيض الأسعار حتى لو تسبب ذلك فى خفض معدل نمو الاقتصاد فى مدينة البط (وهو ما سيحدث).
٥ــ أسعار الكثير من السلع، المقومة بدولار البط، ستنهى عام ٢٠٢٢ فى مستوى أقل مما بدأت عنده فى أول العام ولكن ستستمر جهود خفض الأسعار وتقليل المعروض النقدى لما بعد آخر العام.
إذا فهمت هذه القصة فقد فهمت ما يحدث فى العالم اقتصاديا وتوقعاتى. من الممكن أن تعيد قراءة القصة مستبدلا مدينة البط بالدول المتقدمة وخاصة الولايات المتحدة، عم دهب بحكومات الدول المتقدمة وخاصة الحكومة الأمريكية بشقيها الاقتصاديين المالى والنقدى، أبو طويلة بجو مانشين السيناتور الديمقراطى وأتباعه فى الحزب من الوسطيين وكذلك المعارضة الجمهورية، بطوط المواطن فى الدول المتقدمة.