أنا جدع - محمد علاء الدين - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:04 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أنا جدع

نشر فى : الإثنين 6 أكتوبر 2014 - 12:50 م | آخر تحديث : الإثنين 6 أكتوبر 2014 - 12:50 م

في كل الأفلام القديمة، يمكنك أن ترى أحدهم خارجا من بار، أو بالأحرى «خمارة»، متمايلا يمنة ويسرة، ليصدر «زغطة» عالية ثم ليقول بتوكيد «أنا جدع!.. هئ». كنت بالطبع أود أن اكتب لك اسم «الزغطة» الفصيح، عندما اكتشفت أنني-أساسا- لا أعلم اسم «الزغطة» الفصيح، لأبحث عن ترجمة لكلمة hiccup الإنجليزية، ليصدر لي اسم «الحازوقة». بالطبع استبعدت الاسم جدا، وجربت البحث عن صفحة «الزغطة» بالعربية، لأجد أن اسمها أيضا هو الفُواق أو البوفهاق بالإضافة إلى الحازوقة، وأنت بالطبع كقارئ يحترم نفسه لا يمكنك أن تتخيل أن يكتب لك أحدهم «متمايلا يمنة ويسرة متحوزقًا» أو، والعياذ بالله، «متمايلا يمنة ويسرة مبفوهقًا».

عامة يمكننا أن نتفق أن «زغطة» اسم جيد، كما اعتبر كل البائسين في هذه الأفلام العربية أنفسهم «جدعان». ولكنني يمكنني فهم لِمَ اخترنا «زغطة»، ولكنني- وللأمانة- لم أكن أعرف السبب في اختيار قيمة «الجدع». عندما نمضي بخطوات عمياء، وأعين نصف مغلقة، وشعور لا يعرف زمنا ولا توقيتا بعينه، نطارد بعض من الانتشاء بخيال من المفترض قدرته علي كل شيء، لنقول في توكيد «أنا جدع!»، أو يمكننا أن نزيد «أنا جدع باقولك!».

في بلاد ظلت محتلة منذ البطالسة، ثم الرومان، وقبلهم الفرس، وأحيانا شعوب البحر، ثم بعد كل هذا العرب، ثم العرب والأمازيغ، ثم بعض العرب والكرد، ثم بعض المصريين من أصول صقلبية، ثم الترك، ثم الترك، ثم الترك، ثم الفرنساوية، ثم ألباني قام بالمهمة وحيدًا، ثم هوجة عرابي، ثم الإنجليز، لتخرج إلى استقلال منقوص في بدايات القرن الماضي، ثم ليخرج آخر جنود الأجانب قبل أقل من ستين عامًا، يمكنك أن تتخيل أن يقول أحدهم في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي لنفسه، ضاربا جار هذا المنزل ليرتد لجدار ذاك، هاتفًا «أنا جدع!».

هو لم يعرف بعد ما جرى: ثم خرجت البلاد من الإنجليز والأسكتلند، لتتعثر في حكم شمولي أو هو فاشي، ثم لتضرب بتحولات من بعض اليسار، ثم إسرائيل وإسرائيل وإسرائيل بعد إسرائيل، ثم لبعض اليمين لبعض المهلبية، ثم بعض الدقون، لكثير من الاستهبال، ثم أحلام واحلام واحلام، ثم سنة من العسكر وسنة من الذقون، ثم مزيد ومزيد من الاستهبال. لم يعلم أن ميدان الإسماعيلية قد أصبح اسمه التحرير، ولم يعرف أن الدولة لا تزال تصر على أن اسمه «ميدان السادات».

يمكن لنفس المواطن أن يشرب بعضا من الاستلا، أو هو براندي بولاناكي- أصاب صديقا بريطانيا بعمى ألوان مؤقت عندما أصر علي «التجربة المصرية»- أو هو الحشيش، أو هو المخدر الجديد غير المفهوم تحت اسم الفودو، يمكنه أن يفعل كل ذلك، ليتمايل يمنة ويسرة أيضًا، وفي هذا الوقت، الآن، حالا، يمكنني أن أرضي بعبارة «تمايل يمنة ويسرة متحوزقًا»، ويمكنني أن أزيد، وأوافق على «يميل يمنة ويسرة متخوزقًا»، ولكن عندها ما الذي سيقول؟!

لست أعلم بالضبط، ولكنني، وكما يمكنك أن تتخيل، أظن تماما أني جدع. طبعا".

محمد علاء الدين روائي مصري
التعليقات