مع غياب أى مشروع وطنى فى مصر تتفق عليه كل القوى السياسية لبناء دولة ديمقراطية، ومع تفاقم خلافات هذه القوى وجنوح بعضها لاستخدام العنف أو التهديد به لتحقيق أهدافها ومصالحها الخاصة، لن يطول اليوم الذى نرى فيه الطائرات الحربية الإسرائيلة تحوم فى سماء القاهرة، وهى تقصف أهدافا عسكرية أو منشآت استراتيجية، تماما كما قصفت هذه الطائرات معسكرات سورية فى ضواحى دمشق مرتين خلال الأيام الماضية..
نحن نسابق الزمن بسرعة جنونية للحاق بالسيناريو السورى، حيث يلعب الإخوان المسلمون دور البطولة فى هذا السباق، الذين يدفعوننا دفعا إلى الاقتتال الداخلى، برغباتهم المحمومة فى السيطرة على أجهزة الدولة بالعديد من السياسات الممنهجة، والتى يأتى على رأسها تفصيل دستور مشوه وقوانين أكثر تشوها لاستبعاد كل القوى المدنية من الحياة السياسية، واستخدام أساليب غير أخلاقية فى تشويه سمعة خصومهم كما فعلوا مع بعض القوى السلفية، وشراء أصوات الناخبين بزجاجات الزيت وأجولة السكر فى استغلال غير آدمى لفقرهم وعوزهم، وتوفير المناخ لبعض المتشددين الذين يكفرون المسيحيين واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، والترويج لفتاوى تشعل الفتن بينهم وبين المسلمين، ورفع سلاح التكفير ضد كل من يخالفهم فى الرأى، وغض الطرف عن الأصوات المنفرة لبعض شيوخ الفضائيات الذين يروجون لبضاعاتهم الفاسدة بين العامة، وقبل ذلك كله ضرب استقلالية مؤسسة القضاء، والتحرش بالأزهر والجيش وأجهزة الإعلام.
يتجاهل الإخوان انهم بسياساتهم هذه يسدون كل الطرق أمام الحلول الديمقراطية، ليمهدوا الطريق أمام العنف، وهو ما بدأت بشائره تهل علينا بالفعل، بإعلان العديد من القوى السياسية أنهم سيلجئون للسلاح لمواجهة قمع الإخوان، وبالقطع لن تكون حركات البلاك بلوك أو ألتراس ثورجى أو الهوليجانز وحدها فى ميدان العنف، فالكثير من اجهزة المخابرات المعادية لن تعدم تجنيد قوى أخرى للقيام بأعمال عنف ضد الدولة بمدهم بالمال والسلاح، لتغرق مصر فى دوامات من الفوضى لن يستطيع أحد كبح جماحها مع ازدياد معدلات الفقر المتوقعة بعد قبول الاخوان لشروط صندوق النقد، واتباعهم سياسات اقتصادية تكرس موارد البلد لتجارهم الكبار، ليعيدوا نفس سيرة دولة مبارك، بكل فسادها وقمعها..
قد يتصور الإخوان انهم بتوافقاتهم السرية مع الأمريكان، قد أمنوا شر الحماقات الإسرائيلية، ولكنهم سيدركون أنهم مخطئون إذا استعرضوا خريطة المنطقة خلال السنوات الماضية، والتى نجحت فيها اسرائيل فى تصفية جيش العراق ووضعه تحت مقصلة التقسيم، وهو نفس المخطط الذى يجرى الآن على قدم وساق فى سوريا، ووضع ليبيا تحت طائلة الحكم القبلى، وتقسيم السودان، ولم يتبق أمام إسرائيل الآن سوى مصر، التى إن سقطت، ستكون المنطقة العربية كلها فى مهب الريح، التى سيكون ثمن تخلصها من حكامها الطغاة، هو خضوعها التام والذليل لإسرائيل، التى لاتزال تحلم ببناء دولتها من النيل للفرات طبقا للخريطة المعلقة على جدران الكنيست!
بريق السلطة أعمى عيون الإخوان عن هذه الأخطار المحدقة بنا، وجعلهم «منجم» إسرائيل الاستراتيجى، وليس فقط مجرد «كنز» كما كان نظام المخلوع حسنى مبارك!!