كان لهذا الشهر رنة ما للبعض منا أو ما تبقى منهم. كان هو العيد الأكثر إجماعا عالميا؛ فهو ليس مرتبطا بمناسبة دينية ولا شخصية ولا على مستوى الوطن، حتى لا نخلط بين الوطن وما يتصوره البعض أو يحاول على أنه مناسبة وطنية، ولا هو مرتبط بجنس أو حتى وظيفة اجتماعية، فلا هو عيد للأم ولا للأب ولا للطلاب. كثرت الأعياد حتى تعبنا من تحولها إلى مادة شهية للباحثين عن مشترين وضحايا الاستهلاك المميت!
• • •
كان الأول من مايو يوما لاحتفالات مبهجة يخرج فيها الجميع للشوارع ويرقصون هناك فى الدول التى تقدر الجسد ولا تحرمه، وتعرف أن الرقص هو أكثر الطقوس تحررا للنفس. أما فى بقع ومدن ودول أخرى فكان له رمزيته وهيبته حتى لو كثرت الخطابات وعلا سقفها ولكنها تبقى مناسبة جامعة، فمن قال إن العاملة أو العامل هو فقط كما يحبون أن يعرفوه ويصوروه على أنه من يلبس الأفرول أو العفريتة كما يسميها البعض، أو هو العامل فى المصنع بخوذته. للعامل تعريف أكثر اتساعا من ضيق معرفتهم، وقد يكون ذلك شكل هاجسا لكثير من الحكومات إما للسيطرة على النقابات وقمع قياداتها وسجنهم، أو تهجينها لتصبح شكلا آخر من شكل الجمعيات الفاقدة لأى معنى، أو إضافة أو حتى شرعية من قبل الفئة التى تمثلها.
• • •
هذا زمن نهاية النقابات والموت العلنى لطبقة لطالما كانت أساسا لبناء المجتمعات والأوطان حتى الصغيرة منها عندما كان العامل حريصا على رزقه ورزق غيره، بل واقتصاد بلده لذلك فقد كانت منظمته الدولية ومنها الكثير من المنظمات الإقليمية والوطنية قد أنشئت قبل كل الهيئات والوكالات وبعد أن سكتت مدافع الحرب العالمية الثانية، حينها جلس قادة العالم وقرروا أن هناك حاجة لاستقرار المجتمعات عبر مشاركة كل الفئات وخاصة تلك التى قامت ببناء أوطانها ودولها فى رسم السياسات والقرارات وأن تكون المشاركة فى إدارة المجتمعات أساسية. وفيما يحاول البعض، أن يشوه المشهد ليحوله إلى صراع بين الماركسية أو الشيوعية وبين الرأسمالية كأنظمة اقتصادية.. ويعمل المطبلون والمسطحون على تحويل الطبقة العاملة ودورها إلى مفهوم شيوعى وهم فى ذلك عملوا ولا يزالون على شيطنتها كما يشيطنون الآن كثيرا من الأحزاب، والفئات المجتمعية والطوائف، كل حسب المصالح الخاصة جدا والآنية أيضا.
• • •
مر الأول من مايو باهتا معلنا موت الطبقة العاملة السريرى، وحتى لو بقيت هنا وهناك ما يسمى بنقابات عمالية هى فى مجملها تكملة للمؤسسة أو المؤسسات الحاكمة وجزء من المشهد العام المثير للضحك قبل الشفقة.. تحول الأول من مايو إلى مناسبة لاحتفاليات بخطابات تمجد فى الحكم والحكام وأيضا أصحاب العمل وخاصة أولئك التابعين للسلطة، فأين تجد رجال أعمال وطنيين مؤمنين بمصلحة أوطانهم واقتصاداتها قبل ربحهم الشخصى على حساب عمالة رخيصة جدا دون حقوق أو منزوعة الحقوق والقدرة على المطالبة أو حتى رفع الصوت؟
• • •
بقيت البرجوازية الوطنية مادة تدرس فى الكتب فقط، ونسمع عنها كثيرا من بعض من بقى مهتما بتدوين التاريخ الشفهى لبعض دولنا المنكوبة برأس مال جبان ومتخلف وغير فعال حتى لمصلحته قبل أن تكون لمصلحة وطنه والناس فى بلده.
• • •
تموت النقابات عندما تتحول إلى جزء من التركيبة الكاملة لمجتمع غير قادر حتى على الدفاع عن ما تبقى من حقه، وتموت أيضا عندما تصبح جزءا من هيئات المجتمع المدنى الذى هو الآخر لا يشكل مجتمعا ولا هو مدنى فإما مخترق أو تابع أو ضعيف مقتصر على مشاهد أسبوعية فى اجتماعات تنعى الراحلين إما بقدرة «ربنا» وإرادته أو من كثرة الزهق.
• • •
لا عزاء للنقابيين عندما يتحولون إلى أصحاب الكرفاتات والبشوات والياقات البيضاء، وعندما يصبحون جزءا من جوقة المطبلين وعازفى أنغام باليه لا يستسيغها إلا هم.. وهم أول من يسقط من حقيبة الانتقال أو التحول ويبقون فى مزابل التاريخ بدلا من أن يطرزون كتبها بمواقفهم وكلماتهم ودفاعهم عن من يمثلون.. حتى المتاحف التى تسجل تاريخ الشعوب وأنماط العيش والبشر، حتى تلك قد لا ترى فيهم أو فيهن من تستحق أن تكتب عنهم سطرا أو تنشر صورة كتلك التى زينت صحفنا فى الثانى من مايو لاحتفالات التمجيد وبوس «الخشوم» والابتسامات المزيفة!