يتصور البعض أن التعصب هو صفة مقيتة ولكنها صفة الآخرين، والتزمت كذلك والعنصرية وكراهية الآخر والنظرة الدونية لمن لا يشبهنى أو يشبهنا.. يقال الاختبار الأكبر هو عندما توضع فى نفس الموقف الذى تنتقد الآخرين عليه أو تراهم غريبين فى تصرفاتهم.
إنه الامتحان حيث لا يكرم المرء ولا يهان، فقط يتعرى من كل أوراق العفة والطهر وحتى العلم والثقافة واتساع الأفق وتقبل الآخر مهما كان ذاك الآخر.
مذهل كم ينكشف الإنسان عند أبسط منعطف وما يدهش أكثر أن يتحول الجميع إلى قطيع من البشر بألوان وأشكال وملابس فاخرة وساعات وشهادات من جامعات عريقة منفتحة على الكون كله تعلق على الجدران لتزين مكاتب أو غرف معيشة.
لا يمحو العلم، مهما علا فى الشهادات والمقام، لا يستطيع أن يمحو التعصب والكراهية النائمة تحت الجلد.. ولا التعالى والتكبر ولا يمنح الأخلاق والرقى لمن لا يملكه أصلا، لذا قالوا قديما أن الأخلاق قدموها على العلم والمعرفة.. لا تنبهر بدرحة علمية لشخص لا يستطيع أن يشغل عقله ليتوصل إلى قناعات خاصة به.. ولا تستمع لشخص يحمل شهادة عليا فى العلوم أو الآداب وهو لا يزال يسقط فى منزلقات «مانشيتات» الإعلام الرخيص بل شديد الصفرة والباهت حد المسخ!!
إحداهن نالت أعلى الشهادات من أعرق الجامعات المعروفة بتنوعها وانفتاحها على كل الثقافات واحتضانها لأفكار لا تشبه ما يسكن فى بواطن مدنها وبلداتها.. تنال الشهادة وتلبس الروب الأسود وتبتسم ابتسامات عريضة لصور كثيرة تلصق على جدران ملت من كم البرودة التى تسكنها.. وما ان تعود إلى خيمتها، حيها، مدينتها، قبيلتها، عائلتها، طائفتها، أسرتها الصغيرة المنفتحة على كل صيحات الموضة والمنغلقة فى وجه أى فكر آخر.. كم هو عالمها صغير رغم كل المسافات البعيدة التى قطعتها فى سبيل العلم والرقى والتحضر ونيل أعلى الشهادات ومعها المعرفة.
عند كل منعطف أو هو منزلق، تسبق هى الآخرين فى الوقوف عند نفس النقطة التى تركتها قبل رحيلها إلى ذاك الصرح الثقافى العريق.. شىء فيها لم تغيره الكتب ولا النقاشات المحتدمة فى الفصول الدراسية ولا حتى الأسئلة الكثيرة التى طرحها بعض أساتذتها وطلبة آخرون فى مثل عمرها كانوا أكثر تمردا على قيمهم الحرة من قدرتها على مراجعة بعض من قيمها المتحجرة.
المعدة أكثر ذكاء من العقل. يقول بعضهم لأنها تدرك أنها جائعة أما العقول الخاوية فأصحابها فى نعيم أبدى وإحساس دائم بالمعرفة والذكاء كونهم حفظوا بعض العبارات الرنانة «المودرن» أو «الحداثية» كون الكلمات تحولت إلى شكل من أشكال الموضة كالفساتين والحقائب اليدوية والساعات وغيرها.
ربما إننا جميعا عنصريون، متعصبون، طائفيون، ذكوريون، نرجسيون، ربما ولكن كل هذا لا يبرر لنا أن ننقل ما يرمى من نفايات فى صناديقنا الإلكترونية.. لا يبرر أن نعيد نشر نكتة عنصرية سمجة من شخص أصبح أكثر حضورا على شاشات التلفزة والبرامج الحوارية من توم أند جيرى وهو بالطبع يحمل لقب أو صفة الخبير أو الباحث أو المفكر، فيما كل ما ينطق به لا ينم لا عن خبرة ولا أى بحث ولا حتى تفكير.. فهو، أى ذاك الذى تتناقله المحطات والبرامج الحوارية ليؤكد على رسالة تلك الدولة أو الحكومة أو النظام فيما يدعى الحيادية طبعا طبعا، هو لا يختلف عن أى جاهل أو مدعٍ من رواد القهاوى الشعبية الذى لا يعرف سوى الدفاع عن رأيه بكثير من الصراخ فيما الرأى السديد ليس بحاجة للصراخ والنعيق.
حملة هذه الأيام ليست سوى إحدى سمات هذه التركيبة الغريبة من البشر المدعين وهم فى مجملهم مجرد رعايا أو فرد فى قطيع وليسوا مواطنين حريصين على أوطانهم مدركين أن الحروب لا تدار عبر التلفزة والعبارات «الشعبوية» التى قد تهد المعبدفى نهاية المطاف على رءوس الجميع وأولهم هم ونحن.. لكى نعيد الاعتبار إلى العقل قبل المعدة علينا أن نبدأ بأنفسنا وأن نوقف كل هذا الكم من الابتذال والسفه وإغلاق التلفاز أو الانتقال إلى محطة الأفلام والأغانى والترفيه بدلا من الاستماع لذلك الكم من الجهلة حاملى ألقاب وصفات الخبراء والمفكرين.. وربما أننا جميعا هم أو ذاك الذى يكرر أنه أو أنها غير متعصبين أو منغلقين وهم فى داخلهم أكثر جهلا وتخلفا.