ليست المرة الأولى التى أطَّلع فيها على رسوم كاريكاتير أو إعلانات فى الصحف ذاعت منذ عقود، ولكن هذه المرة اطلعت على دفعة كبيرة منها مرة واحدة أرسلها لى السفير المثقف محمد أنيس. البعض منها لا يزال عالقا فى ذهنى منذ أن كنت طفلا، وهى تثير فى نفس المرء أفكارا وتأملات حول ثقافة الماضى، وعلاقة الإعلان بالاستهلاك فى زمن كان له حدود فى تطلعاته مقارنة بالطموحات الاستهلاكية الراهنة التى تغذيها ثورة إعلامية كبرى، يمثل الإعلام الإلكترونى، والمزج بين الاتصال والإعلام عبر الهواتف المحمولة، ووسائل التواصل الاجتماعى أبرز تجلياتها.
إعلان سجائر لمنتج لا أعتقد أنه موجود الآن، تظهر فيه الفنانة «ليلى مراد» تجلس حائرة تفكر، وأمامها صورة زوجها الفنان «أنور وجدى»، وهى تقول: يا ترى حبيب الروح مين أنور وجدى ولا..... (اسم المنتج).
وإعلان آخر للسجائر لمنتج رغم أن اسمه أمريكى واضح، إلا أن تاريخ نشره كان عام 1951، وقت أن كانت مصر تتوق إلى الدفع بالصناعة الوطنية. يقول الإعلان «السيجارة المفضلة فى مصر.. دائما طازجة لأنها مصنوعة بمصر».
إعلان ثالث عن ماء كولونيا تصنيع محلى أيضا، ويظهر فيه زوج يقدمه لزوجته، ويقول «سعادة الزوجين.. ربما تتوقف على قليل من العطر»، هكذا كانت تبدو الحياة بسيطة فى تطلعاتها، وفى بحثها عن أسباب السعادة؛ حيث لم تكن تتشابك فيها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلى هذا الحد الذى نراه.
ولا تخلو السياسة من الإعلانات التجارية، التى يبدو أن أصحابها ساروا على نهج «زيارة وتجارة» الذى نتندر عليه دائما، مثل «نابلسى فاروق.. ملك الصابون»، يعلو العبارة التاج الملكى، وبالطبع لا تخلو العبارة من معانٍ، يفهمها كل شخص على النحو الذى يروق له، وإعلان سيارات يقول «الولاء لجلالة الملك.. فاروق الأول» تعقبها صورة لسيارة واسم الشركة المعلنة. اللافت إلى أن اسم الملك أيضا ذُكر فى إعلان للسجائر، وقد أخذ الإعلان الشكل الملكى، من حيث وضع التاج فى قمة الإعلان، والزخارف المرتبطة به، ثم عبارة «آيات الخضوع والولاء إلى سدة العرش المفدى من البستانى مبتكر السيجارة الفاخرة الممتازة ملك مصر. بتصريح خاص من جلالة الملك».
هناك إعلان لافت لشركة تعمل فى مجال النقل والتجارة عن سيارات بين مصر وفلسطين. القيام من القاهرة فى الساعة السادسة صباحا والوصول إلى غزة الساعة الرابعة مساء، ثم وصول القدس الساعة الخامسة والنصف مساء. مسألة ملفتة، أن يكون هذا الإعلان منذ أكثر من خمسين عاما، يعبر عن انتقال هادئ وفى وقت قياسى بين المسافر من القاهرة إلى القدس (أقل من 12 ساعة)، وهو الأمر الذى لا يمكن تحقيقه اليوم بالسيارة ــ إذا توفرت الرغبة فى ذلك ــ رغم التقدم فى وسائل النقل، والطرق، نتيجة ملابسات كثيرة، منها ما هو سياسى وما هو أمنى، وكأن هذا الإعلان يُذكرنا اليوم بأزمة الشرق الأوسط.
أعرف أن كثيرين ربما من منطلق «النوستالجيا» ــ أى الحنين إلى الماضى ــ ينشرون بعض الإعلانات القديمة على وسائل التواصل الاجتماعى، وهناك باحثون يقدمون رسائل علمية فى هذا المجال سواء من الناحية الإعلامية أو التصميم والإخراج، وسوف يظل لرسائل الماضى دور مهم فى النظر فى أحوالنا المعاصرة.