نشرت مدونة « Farnam Street» مقالا للكاتب «نيكولاس كار»، يتناول فيه قضية الانتشار الهائل للأخبار عديمة الفائدة من حولنا، وإهدارنا للكثير من الوقت فى تصفح هذه الأخبار ظنا منا بأنه لابد أن نكون على علم بكل ما يجرى حولنا فى كل مكان فى العالم حتى نكون أصحاب رأى مستنير، فى ظل أن قضاء أوقات طويلة فى تصفح مثل هذه الأخبار ما هو إلا استنزاف لوقتنا وتزييف لوعينا وتغييب لعقولنا، وينصحنا الكاتب بقراءة الكثير والكثير من الكتب التى صمدت أمام اختبار الزمن، والقليل من المقالات التى هى بالأساس رؤية شخص آخر وليس تفكيرنا الخاص كما يظن البعض.
بداية ذكر الكاتب أننا نقضى ساعات طويلة فى قراءة وتصفح الأخبار لأننا نرغب فى أن نكون على معرفة بكل ما يجرى حولنا.. ولكن هل هذا الوقت هو وقت مستغل بشكل جيد بالفعل! فالأخبار بطبيعة تعريفها هى «شىء مستمر ولا ينتهى أبدا». ونتيجة لسهولة نشر الأخبار وانخفاض تكلفة إنتاجها، نجد أن الجودة قد انخفضت.
نادرا ما نتوقف لنسأل أنفسنا بعض الأسئلة عن ماذا نقرأ؟ وهل هو مهم بالفعل ومن ثم يستحق أن نهدر من أوقاتنا ساعات وأسابيع وسنين لقراءته؟ هل الشخص الذى قام بكتابة ذلك الموضوع أو غيره على دراية جيدة بالموضوع؟
«نحن محاطون بكم هائل من المعلومات والأخبار التى تهمنا بشكل مباشر للدرجة التى تجعلنا نشعر بالضغط المستمر والإرهاق فى محاولتنا لمواكبة كل ذلك»، هكذا يقول نيكولاس كار.
***
يوضح الكاتب العديد من المشكلات التى نقع فيها فى طريقتنا فى التعامل مع الأخبار اليومية ومنها:
أولا: زيادة سرعة انتشار الأخبار
لقد اعتدنا على الانتظار للحصول على الجرائد اليومية، أو حتى الحديث مع جيراننا لمعرفة الأخبار التى نريد معرفتها، ولكن لم يعد هذا كافيا. فبفضل وسائل الاتصال الحديثة أصبحت الأخبار تصل إلينا فى أقل من دقائق محدودة.
ثانيا: انخفاض تكاليف إنتاج الأخبار بشكل ملحوظ
بعض الأشخاص يشارك بكتابة ما يقرب من 12 مدونة يومية للصحف الكبرى! قد يكون من الصعب بل من المستحيل الكتابة عن فكرة واحدة مدروسة بشكل جيد فى غضون يوم ناهيك عن كتابة 12 موضوعا!! نجد أن الشخص على مدى السنة قد يكتب ما يقرب من 2880 مقالا بعد أخذ الإجازات فى الاعتبار!! إن كفاءة الشخص ــ الذى تأخذ أخبارك عنه ــ فى موضوع معين تكاد تكون تقترب من الصفر، ونتيجة لذلك أنت تملأ رأسك بآراء سطحية فى موضوعات كثيرة ومنفصلة عن بعضها، لأن تكلفة إنتاج مثل هذه الأخبار انخفضت لتقترب من الصفر.
ثالثا: محاولة منتجى الأخبار اختطاف عقولنا وتزييف وعينا
يحاول منتجو الأخبار الجدد التكريس لثقافة، «لا تفوت هذا الخبر..»، «اتبع ذلك وإلا سوف تخدع..»، «انظر إلى هذا..»، ومن ثم أنت تستهلك الكثير والكثير من مثل هذه الأخبار، والنتيجة أنه لم يعد لديك وقت لقراءة الأخبار المهمة بالفعل.
***
لأن هناك الكثير من المنافسة، تشعر معظم وسائل الإعلام أنها مضطرة إلى تقديم أخبار مجانية.. ثم بعد ذلك يقوم الكل بنفس الشىء. وبالرغم من أن الأخبار مجانية، تجد أنك عليك دفع أموال للأفراد، ومن ثم تنتقل من النموذج الذى يبيع إعلانات ثابتة للجمهور المرغمين على ذلك، إلى النموذج الذى يبيع الجمهور للمعلنين. عدد مشاهدات الصفحة تصبح هى الأهم، وبالفعل كلما زاد عدد المشاهدات كلما كان ذلك أفضل. بالنسبة للكثيرين من الأفراد ممن يقومون بصنع الأخبار، كلما زاد عدد مشاهدات الصفحة كلما تم تعويضهم بشكل أكبر. هذه الإعلانات ليست فقط مجرد انطباعات، هى أيضا تعطى معلومات عنك للمعلنين.. أعتقد أن الصورة باتت واضحة الآن.
«نوعية المعلومات والأخبار التى يتم استهلاكها الآن أصبحت واضحة، وهى تستحوذ على اهتمام متلقيها. ومن ثم فإن ثروة من المعلومات تخلق فقرا من الاهتمام، ونحن فى حاجة إلى تحديد هذا الاهتمام بكفاءة فى ظل هذا الإفراط الهائل فى مصادر المعلومات التى قد تستهلكها، هكذا يقول هربرت سيمون.
يضيف الكاتب أن الفكرة هى أن معظم ما نقرأه اليوم على الإنترنت ليس له معنى، ليس مهما لحياتك على الإطلاق. لن يساعدك على اتخاذ قراراتك بشكل أفضل. لن يساعدك على فهم أفضل للعالم. وبالتأكيد لن يساعدك على تطوير علاقات عميقة وذات مغزى مع الأشخاص من حولك. الشىء الوحيد الذى يفعله هو تغيير مزاجك وربما سلوكك أيضا.
الفنادق، المواصلات، نظام حجز التذاكر فى ديزنى كلها صممت لإبقائك فى المنتزه الترفيهى بدلا من مشاهدة المعالم السياحية الأخرى فى أورلاندو. وبالمثل عندما تكون نشطا على فيسبوك، يصبح فعل كل شىء ممكنا.. لتمنعك من المغادرة. وبينما تلعب منصات مثل فيسبوك دورا فى استهلاكنا المفرط لوسائل الإعلام.. نحن لسنا بريئيين أيضا؛ فنحن نرغب فى أن نكون على اتصال بكل ما يحدث حولنا، نحن نرغب فى أن نظهر وكأننا نعرف كل شىء يدور حولنا، وهذه هى نقطة الضعف التى يتم استغلالها والتلاعب بها.
ويذكر الكاتب أنه لديه صديق شخصى يقرأ «نيويوركر»، «نيويورك تايمز»، «ذى إيكونوميست»، «وول ستريت جورنال»، بالإضافة إلى الجرائد المحلية، والعديد والعديد من الإصدارات الأخرى. هو «مدمن»، هو يريد معرفة كل شىء يحدث فى العالم وأن يكون لديه رأى مستنير. هو يشبهنا جميعا، كلنا نرغب فى معرفة ما يدور حولنا وأن يكون لنا رأينا المستنير.
يقول لك إذا لم نطلع على ما حولنا بشكل جيد؟ ماذا سيكون حالنا؟ سنكون جاهلين بالطبع، وهو ما أشعر به إذا لم أكن متابعا بشكل جيد.
يقول الكاتب «وعلى الرغم من كل ذلك، لقد توقفت عن قراءة الأخبار. فى البداية لقد كان الأمر صعبا حقا، عندما يبدأ أصدقائى فى الحديث عن موضوع مهم بحماس شديد ويسألونى عن رأيى، أجد نفسى مضطرا أن أقول لا أعرف. وبالطبع هذه الإجابة مصحوبة بتساؤل ألا وهو ماذا؟ عليك أن تقرأ هذا؟ ويخرجون هواتفهم لإرسال روابط لمقالات لم أقرأها من قبل. أحد الجوانب الساخرة فى هذا الموقف، أنهم غالبا يتوقعون أننى سأتوقف عن الحديث معهم لقراءة المقال حتى أتمكن من المشاركة معهم بحماس وأشاركهم غضبهم».
***
أن تكون على اطلاع جيد هذا لا يعنى أنك لديك رأيك المستنير الخاص بك، ففكرتك الأولى عن موضوع ما هى ليست فكرتك بل هى فكرة شخص آخر، عندما يكون كل ما تقوم بفعله هو قراءة هذه الأخبار واستهلاكها فقط، فأنت لا تسمح فقط لشخص آخر بتزييف وعيك وغسيل دماغك وتوجيه اهتمامك، بل أنت تسمح له أيضا بأن يفكر بدلا منك.
عليك تجنب هذه الضوضاء لأنها سوف تفقدك بوصلتك، لماذا نهدر وقتنا فى أشياء ليست ذات قيمة بالنسبة لنا؟ اقرأ فقط الإصدارات التى تحترم وتقدر وقتك، التى تضيف إليك أكثر مما تأخذه منك من وقت، اقرأ ما يجعلك تستطيع أن تفكر بنفسك، اقرأ الكثير من الكتب والقليل من المقالات، اقرأ الكتب التى صمدت أمام اختبار الزمن، التى سوف تظل تطبع لـ 20 عاما قادمة.
نحن نخاف من الصمت، نخاف أن نكون بمفردنا مع أفكارنا. وهذا ما يجعلنا نسحب هواتفنا للتصفح فيها عندما نقف فى طابور انتظار فى أى مكان. نخاف من أن نسأل أنفسنا أسئلة عميقة ذات مغزى. نحن نخاف من الملل. ومن ثم لتجنب كل ذلك نحن نقود أنفسنا بالفعل بشكل جنونى إلى قراءة أخبار ومعلومات ليس لها أى قيمة على الإطلاق.
ويختتم الكاتب بهذه الجملة لوينفرد جالاجر «هناك أشياء قليلة جدا لا تقل فى أهميتها عن نوعية حياتك ألا وهى خياراتك حول كيفية قضاء وقت فراغك».
إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الأصلى