يبدو أنه زمن الإفلاس الملتصق بكثير من التفاهة أو أنه لعنة أن تفلس الحكومات، أو بعضها، وأن الأحزاب السياسية والمؤسسات الاقتصادية بل والبنوك أيضا هى الأخرى أعلنت إفلاسها. وبعدها هناك إفلاس أكثر عمقا وتجذرا أو هكذا يبدو للمشاهد الذى لا يعمل على تجميل الواقع أو السقوط فى بهرجة اللحظة المزينة بكثير من التلاوين السطحية والتى ما هى سوى ديكورات فقط لا غير.
• • •
يمتد الإفلاس إلى الأخلاق، هكذا تقول صديقتى المعمرة التى كلما زرتها تزودت من عمق التاريخ دروسا كثيرة، وهى لا تمل من إبهارى بقدراتها على البحث عن أبعاد أخرى لتفاصيل حياتنا حتى تصل إلى ملابسنا وأكلنا.. وهى أيضا تقول أنهم يمأسسون السطحية والتفاهة وينشرون قلة الأخلاق أو ضعفها والقيم ككل على أنها عصرنة وتماشٍ مع الزمن الحديث، فكيف يكون أن نستخدم الكمبيوتر وكل الأدوات الحديثة ونحن لا نزال نضع قيمة كبيرة للأخلاق واحترام الآخر وعدم الاستخفاف بذكاء البشر كلهم وليس فقط الأثرياء منهم.. هى تقول هناك بهرجة ستقضى على تاريخنا وحاضرنا بل والمستقبل القادم، لأن من لا يعرف الجمال الذى كان لن يقدر أن يخلق أى شكل من الجمال الذى هو كثير من حضاراتنا المتراكمة التى نتغنى بها فقط عندما نبحث عن شىء نتميز به عن الشعوب الأخرى.
• • •
الإفلاس مرافق للاستخفاف بعقول الناس وفهمهم ومعرفتهم وخبرتهم وتجاربهم بل وحتى علمهم الذى يتفوق على من يحكمون ومن يترشحون للمناصب حتى تلك التى تسمى نفسها ممثلة للشعب!
• • •
عندما يصبح الإفلاس سيد الموقف فى بلداننا فلا بد وأن تكون الدراما جزءا من ذلك العبث. وبعيدا عن الادعاءات والتبريرات واستخدام التعابير المتخصصة أحيانا من قبل نقاد الدراما، وملوك الشاشات وتجار الترفيه أو هكذا يحاولون وصف الدراما على أنها ترفيه فقط وليس فى الوصف عيبا بل ربما فى فهمهم للترفيه عندما يتحول إلى شكل من الاستخفاف بعقول المشاهدين والمشاهدات، والمتابعين والمتابعات، و«زغللة» أعينهم إما بديكورات أو وجوه جميلة، رغم أن الجمال نسبى ولكننا نسينا ذلك، وكثير من «الأكشن» أو الضحك الرخيص وكأنه لم يكن عندنا عباقرة كوميديا مثل عبدالسلام النابلسى وحسن فايق ومارى منيب وزينات صدقى والقائمة طويلة فى كل أنماط الدراما.
• • •
هكذا كان تاريخ الدراما من كتاب سيناريو ومخرجين وممثلات وممثلين مبدعين حريصين ودقيقين فى كل ما يقدموه من مسلسلات أو أفلام بل وعلى صورتهم العامة فى الحياة ليحافظوا على احترامهم لأنفسهم ولمهنتهم وموهبتهم.
• • •
أعلن رمضان هذا العام إفلاسنا الأخير، فلم يعد لدينا ما نعتز به ونعتبره جزءا من ثقافتنا التى امتدت لقرون، ثم سقطت فى قعر بئر التسفيه والإفلاس والضحك الرخيص والاستخفاف بالناس وهو بيت القصيد الذى بدأ منذ أن اعتبرت حكوماتنا العتيدة أننا شعوب لا تستحق أكثر مما يقدم لها من فتات فى العيش الرخيص وقبح على مختلف المستويات وغش فى كل شىء وفساد يشكل قيمة تامة وصفة أساسية لكثير من الموظفين الحكوميين وتوابعهم! ثم لا بد من أن تصبح هذه سيرة كل المهنيين الآخرين، فالمهندس إما مفلس يكرر تصاميم مملة إن لم تكن قبيحة، والمقاول يتبعه بأن يبحث عن تنفيذ بأقل تكلفة حتى لو غش فى المواد الأساسية تسقط الأسقف على ساكنى بيوتها.. ومحامٍ / محامية لا يفقهون سوى فى الدفاع عن الفاسدين حملة الملايين أو الداعرات وبعضهم مقربون من صناع القرار أو المال! وخذ على ذلك كل المهن الأخرى فالصحفى والإعلامى إما حملة أختام لمن يدفع أكثر أو طبالين رخاص جدا.. والمطربون والفنانون على استعداد للقيام بأى عمل لا يمثل أى إضافة لمهنتهم أو لشخصهم فقط للمال بل ومزيد منه، وإلا كيف يبرر من يقدم دورا فى مسلسل لشخصية تاريخية هامة وبعد لحظات يقفز على الشاشات فى إعلانات لشركات اتصال أو مجمعات سكنية مخصصة لفئة قليلة جدا جدا من البشر، فيما الأقلية تقضى النهار بحثا عن توفير إفطارها وعائلتها فى شهر الصيام لمن يدينون بالإسلام والمسيحية أيضا.
• • •
رمضان هذا أظهر وبشكل واضح إفلاس كتاب السيناريو من عاصمة الدراما وحتى ضواحيها فى الشام والخليج وحتى المغرب العربى أصابهم بعض من ذاك الإفلاس.. والأهم أن كتاب السيناريو رغم كل الانتقادات لا يعيرون المشاهدين أى اهتمام ويعتبرونهم كما يراهم حكامهم على أنهم كتلة من المتخلفين غير القادرين على تمييز العمل الجيد المتعوب عليه من العمل «المسلوق» سريعا والذى يستخف بعقل المشاهد والمشاهدة وقلبهما أيضا.. هناك حاجة حقيقية لوقفة أمام هذا الكم من العبث سواء على صعيد النصوص الضعيفة والتى فى أحسن الحالات تعزز النمطية فى النظر للبشر أو الإخراج المكلف بصريا والخاوى من الفن والإبداع.. والممثلات والممثلين المالكين للقدرة على التنطيط بين كثير من الأدوار وفى نفس الوقت تقديم إعلانات تجارية لثلاجات وغسالات وغيرها.. إنه الإسفاف والإفلاس مجتمعان معا.. وعجبى!!
كاتبة بحرينية