هل تصلح مادة التربية الدينية أن تكون بدرجات تضاف للمجموع؟ - كمال مغيث - بوابة الشروق
الإثنين 3 مارس 2025 11:12 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

هل تصلح مادة التربية الدينية أن تكون بدرجات تضاف للمجموع؟

نشر فى : السبت 9 مايو 2009 - 6:34 م | آخر تحديث : السبت 9 مايو 2009 - 6:34 م

 لا أعرف كيف يفكر هؤلاء الذين يسعون لكى يحيلوا حياتنا إلى جحيم، أكثر من الجحيم الذى نعيش فيه الآن.

ومما يثير الحزن والأسى أن يكون على رأس هؤلاء نواب كبار فى مجلس الشعب، من المفترض أن عليهم واجبات ثقيلة، فى الرقابة على حكومة ودولة ينخر فيها سوس الفساد والفوضى والتدهور، وتوشك بسبب كل هذا أن تنهار على رءوسنا جميعا.

فيتركون كل هذا، ويتقدم أحدهم للبرلمان طالبا إصدار قانون بتجريم البهائية ومعاقبة كل من يعتنقها، ويتقدم آخر باقتراح إصدار قانون بإعدام المغتصب علنا وفى ميدان عام، على أن ينقل التليفزيون مشاهد الإعدام بالبث الحى على الهواء، وحبذا لو استبدلنا مشاهد الإعدام تلك بالحكايات التافهة التى يبثها التليفزيون لأطفالنا مثل: بكار، وحكايات ماما نجوى وماما سميحة وبابا شارو.

ويتقدم ثالث بمشروع قانون بجعل مادة التربية الدينية لا مادة نجاح ورسوب فحسب، ولكن مادة درجات تضاف للمجموع الكلى للطالب. ونظرا لأنها فى الحالة تلك ستؤثر على مستقبل الطلاب، فسيهتمون بما تحتويه من قيم وأخلاق ومعاملات وسلوك ومثل وفضائل، ولا شك أنهم سيتمسكون بها جميعا، وهكذا ينصلح حالنا ونعيش فى تبات ونبات، وتختفى من حياتنا كل مظاهر الغش والرشوة والسرقة والاغتصاب والفساد الخلقى والاستبداد وغياب الضمير. وربما أيضا أصبح الناس أكثر احتراما لقيم الحق والخير والجمال والعدل، وأكثر إيمانا بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

ولعل الذين اقترحوا مثل هذا الاقتراح الأخير ــ وهو موضوع مقالى ذاك ــ قد فاتهم أن مصر قد حصلت فى أحد المقاييس على المرتبة الأولى فى سيادة مظاهر التدين، ومع ذلك فإن حالها فى مقاييس التعليم والجامعات ومظاهر العنف والتحرش والبلطجة فى الشارع لا تخفى على لبيب، ومعنى دلك أن مظاهر التدين هذه المبالغ فيها لم تعصم الناس من التورط فى مظاهر الفساد تلك.

نعم تزايدت مظاهر الفساد والخروج على الأخلاق كثيرة، ولكن لا يستطيع أحد أن يدعى أن هناك دراسة وحيدة أثبتت أن هناك علاقة بين ذلك الفساد الأخلاقى المنتشر وغياب التربية الدينية من مدارسنا.

هذا فى نفس الوقت الذى لم تثبت دراسة واحدة أيضا أن هناك علاقة موجبة بين اتجاهات الطلاب نحو الديمقراطية إذا ما درسوا جان جاك روسو وجون لوك وسعد زغلول والدستور والبرلمان والأحزاب السياسية، بل إنه حتى لم تتمكن أى مادة دراسية من الحصول على حب واحترام الطلاب والطالبات لموضوعها ومحتواها لمجرد أنها مقررة عليهم ولها درجات كبيرة فى امتحاناتهم. ولا يخفى على أحد منا مشاهد ثورة الطلاب على الكتب الدراسية بمجرد خروجهم من الامتحان، تلك الكتب التى يكون مصيرها التمزيق والرمى فى الترع وتحت عجلات السيارات، أو تأخذ طريقها إلى باعة الترمس واللب والفول السودانى فى أحسن الأحوال.

وما الأمر إذا كان هؤلاء النواب لا يأبهون بأن هناك العديد من الدراسات التى تؤكد زيادة الجرعة الدينية الإسلامية فى التعليم عاما بعد عام، تلك الجرعة الدينية التى تمددت من مادة الدين إلى مادة اللغة العربية إلى العلوم إلى البيئة إلى التاريخ وغيرها من علوم، وتؤدى ــ والحال كذلك ــ إلى ارتفاع العديد من الأصوات التى تؤكد أن هناك تمييزا دينيا ضد أبناء وطننا من الأقباط.

وما الحال إذا كانت تلك الجرعات الدينية المكثفة قد أخرجت لنا من الأطباء من يدعو إلى العلاج ببول الإبل ولسعات النحل، ويزعم أن سرة البنى آدم هى «تفة إبليس»، ثم أخرجت تلك الجرعة الدينية المكثفة من الأطباء والمهندسين والمعلمين من ألفوا لنا كتب: العمدة فى إعداد العدة، وميثاق العمل الإسلامى، والفريضة الغائبة، ومعالم فى الطريق، وهى الكتب التى أحالت حياتنا جحيما فى نصف القرن الماضى وأعادتنا إلى كهوف العصور الوسطى.

إن الأصل فى الأديان جميعا أنها دعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يؤثر عن سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) أنه اختبر صحابته ــ رضوان الله عليهم ــ فى مدى حفظهم لآيات القرآن الكريم، أو أنه عاقب هذا أو ذاك على نسيانه أو سهوه، كما لم يؤثر ذلك عن يسوع المسيح وحوارييه، المهم أن الأديان دعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة كما قلنا. أما المدرسة فهى تنظيم ثقافى وسياسى حديث، لم تعرفه البشرية إلا مند ثلاثمائة سنة، على أقصى تقدير، يستهدف العلم والمواطنة، ومن هنا فقد كان الأولى أن تخضع المدرسة وهى الفرع والمستحدث لمقتضيات الدين وهو الأصل التليد الثابت، وليس العكس.

يضاف إلى هذا أننا ولأسباب عديدة تتعلق بالمدرسة كمؤسسة للقمع والقهر، اعتدنا أن يقول أبناؤنا وبناتنا أنا أكره الكيمياء أو أكره الفلسفة أو الجبر أو غيرها. ويرتبط هذا بالإجبار والعقاب والدرجات الضعيفة والفشل بشكل أو بآخر، فهل سنقبل راضين أن يقول أبناؤنا نحن نكره الدين لنفس الأسباب.

وأيضا لأسباب عديدة قبلنا كآباء طائعين أو مكرهين أن يتعاطى أبناؤنا بعض أو كل الدروس الخصوصية، فى مواد الدرجات، ونعلم يقينا أن هذه الدروس الخصوصية قد أصبحت سوقا لعشرات الممارسات، أقلها مقبول وأكثرها مرفوض ولا أخلاقى، كاستخدامها فى الضغط على التلاميذ وبيع الدرجات واستنزاف أموال الأسر وغيرها، فهل نقبل أن يكون الدين أحد عناصر تلك السويقة اللا أخلاقية.

كما قبلنا أيضا أن تكون المواد الدراسية محورا لممارسات عديدة من الغش والغش الجماعى، وسرقة وبيع الأسئلة، وكتابة «البرشام» أو الكتابة على أجزاء الجسم، وغيرها، فهل نتصور بعض أولياء الأمور وقد حملوا مكبر صوت وراحوا يملون أبناءهم، غشا وتدليسا، أركان الإسلام مثلا.

وعندما يمتحن الطلاب سينجح بعضهم بلا شك، وبلا شك أيضا سيرسب بعضهم الآخر، فماذا سنسمى راسب الدين، وهل نضمن ألا يقوم أحد الشيوخ المتطرفين، وما أكثرهم حولنا، برفع قضية على هؤلاء الطلاب باعتبارهم كفارا أو زنادقة أو فاسقين فى أحسن الأحوال.

طيب، وإذا كان من الضرورى أن تتناول التربية الدينية بعض قضايا العصر، فمن الطبيعى والتعليم المؤسسى أمر ترعاه وتهيمن عليه الدولة، أن تتبنى كتب الدين موقف الدولة الرسمى فى تلك القضايا، فستقول إن أرباح البنوك حلال، وإن النقاب ليس من الإسلام والختان كذلك ــ وكان شيخ الأزهر السابق يرى فى الختان فريضة شرعية يجب قتال تاركها ــ وإن الموقف الشرعى الصحيح يقبل بل وينصر الغزو الأمريكى للعراق، فهل يقبل شيوخ التطرف بذلك أم يكفرون ساعتها الحكومة التى تخرج عن صحيح الدين؟.

ويبقى بعد ذلك أن الدين والفكر الدينى ليس مجرد حقائق علمية موضوعية، بل إن الوجدان يلعب دورا كبيرا فى تحديد المواقف وتقدير الأمور، فما الحل لو أخطأ تلميذ فى كتابة آية من كتاب الله العظيم، وهناك من يتغاضى عن الخطأ، لأنه جل من لا يخطئ أو ينسى، وأيضا هناك من يرى أن التغاضى عن الخطأ فى كلمات الله تفريط فى حق الدين وحق الله.

وأخيرا، إذا كانت التربية الدينية مادة درجات تضاف للامتحان، فمن أين سنضمن ألا يقول المتطرفون من المسلمين والمسيحيين إن واضعى الامتحان أو مصححيه من الطرف الآخر يسهلون كل شىء نصرة لأبنائهم، وحتى يسبقوا الآخرين.

أيها السادة، إن قضايا التعليم والعلم والمواطنة ليست «فرح عمدة»، يتاح لكل من هب ودب من المتطرفين أن يوجهها حيث يدفعه تعصبه، وإنما هى قضايا قومية ينبغى أن تناقش على الملأ ويعرف فيها حق الوطن وحق العلم والعصر والمستقبل بعيدا عن التطرف البغيض.

كمال مغيث  باحث بالمركز القومي للبحوث التربوية
التعليقات