الورشة - محمود قاسم - بوابة الشروق
الإثنين 30 ديسمبر 2024 7:40 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الورشة

نشر فى : الجمعة 9 أغسطس 2019 - 11:20 م | آخر تحديث : الجمعة 9 أغسطس 2019 - 11:20 م

قبل أسبوعين، عبرت عن إعجابى الشديد، ومحبتى لاسرة ذو الفقار التى يمثلها كل من الإخوة محمود ذو الفقارو وعز الدين وصلاح ذوالفقار، وايضا الزوجات الفنانات اللائى اقترن بهن وهن عزيزة أمير، وفاتن حمامة وشادية، ومريم فخر الدين، وكوثر شفيق، وهذا الاسبوع وبالمصادفة شاهدت فيلم «الورشة» الذى كتبه وأخرجه وشارك فى بطولته ستيفان روستى، وهو فيلم يجب اتخاذه مثالا يحتذى به على احترام قيم المجتمع للفن ولقيمة العمل قبل ثورة يوليو بعشر سنوات على الاقل؛ حيث تم إنتاج الكثير من الأفلام التى ترفع قيمة العمل والعمال، ومنها «العامل» و«ابن الحداد»، وأعترف أننى لم أكن أنوى الكتابة عن «الورشة» باعتباره فيلما مألوفا لدى بعض الناس، واكتشفت مصادفة غريبة تحتاج إلى خبرة فى المشاهدة، فحسب عناوين الفيلم فإننا نشاهد الفيلم الوحيد الذى شارك فيه الأخ الرابع ممدوح ذو الفقار الذى كان طفلا، أما الاسم غير المذكور فى العناوين فهو عز الدين ذو الفقار، الذى قام بدور طبيب جاء للكشف على المريض اثتاء اصابته بوعكة صحية، وكان نزيلا فى استراحة الرست هاوس، بالطبع فإن اسم عز لم يذكر فى العناوين لأنه فى تلك الآونة كان لا يزال ضابطا فى الجيش، وهى مصادفة تأتى فى الاشهر التى يجب أن نحتفل فيه بمئوية ميلاد عز الدين.

الفيلم إنتاج عام1941 وهو الفيلم الثالث لمحمود ذو الفقار فى السينما، ورغم هذا فإن اسمه مقرون بعبارة النجم القدير فى عناوين الفيلم، مثلما اقترنت الصفة نفسها بالنجمة عزيزة أمير، مؤسسة صناعة الفيلم الروائى فى مصر، التى تزوجت من محمود عام 1939، عندما عملا فى فيلم «بائعة التفاح» وكون الاثنان معا ثنائيا مشاركا فى الانتاج والكتابة والتمثيل لسنوات طويلة حتى رحيل عزيزة أمير عام 1952.

فى الفيلم تقوم عزيزة أمير بدور الزوجة زاهدة التى يسافر زوجها صاحب الورشة إلى الصحراء فى رحلة سفارى، ثم يعتبر من المفقودين، ويقوم عباس شقيق زاهدة بإدارة الورشة فيستغلها، ويشبع نزواته، ومن أجل ارضاء العمال فإن زاهدة ترتدى ملابس الرجال وتتولى ادارة الورشة وتواجه شرور أخيها، وفى أثناء عملها فإنها تلتقى بأحمد، ابن الطبقة الراقية، وتقوم بينهما صداقة دون أن تكشف له حقيقتها.

صحيح أننا أمام قصة حب مستحيلة تنمو ببطء بين المرأة العاملة التى ترتدى زى الرجال فى الورشة وبين أحمد، لكننا فى المقام الأول أمام قصة مجتمع يقدس العمل، ويحترم التعاون وهو توجه اجتماعى كان سائدا فى تلك الحقبة، والفيلم سوف ينتصر للعمل والاسرة على حساب قصة الحب، لكن من المهم أن نكتب عن الفارق الملحوظ بين نظرة السينما، والمجتمع إلى العمل فى الاربعينيات، وأن نتذكر مرحلة الستينيات، وما بها من تقديس اعلامى للاحتفال بأعياد العمال دون أن تكون لدينا أفلام حقيقية عن العمل، فالأفلام التى أنتجت فى الستينيات عن العمل كانت الفكرة فيها بالغة السذاجة مثل حكاية الامير الذى اضطر للعمل كمرشد سياحى فى «الأيدى الناعمة»، والشباب الذين كان العمل الأمثل بالنسبة لهم هو تحويل فيللا مهجورة إلى فندق لاستقبال المصطافين فى فيلم «الحياة حلوة» 1967 ــ أما أفلام الاربعينيات فقد كانت عن العمل والعمال المنتجين فعلا، صناعة سينما وسط، ولا شك ان هناك تشابها ملحوظا بين شخصية زاهدة فى الفيلم، وعزيزة أمير فى الحياة، حيث كانت سيدة مبادرة تحترم العمل والانجاز طوال حياتها وعاشت وسط الرجال تقودهم فى العمل لسنوات طويلة، وشاركت فى الاخراج والكتابة، بالاضافة إلى التمثيل، وواجهت خديعة المخرج التركى وداد عرفي، واستعانت باستيفان روستى ليساعدها فى الاخراج، فى فيلم « ـ ليلى»، وكانت صاحبة أول فيلم مصرى روائى، وفيما بعد عملت فى السينما التركية كممثلة، وبطلة مطلقة، وكما أشرنا فإنها كانت بالغة الاخلاص بعد زواجها من محمود ذو الفقار، واهتمت بالقضايا الوطنية وعلى رأسها قضية فلسطين، فى افلام مثل «فتاة من فلسطين» ثم «نادية»، ومن الواضح أن ثورة يوليو لم تكن تميل إلى دورها البارز. فلم نسمع عن احتفالية بما قدمت خاصة فى العيد الخمسينى لميلاد السينما المصرية، وقد تنبهت إلى محاولة طمس هذا الناريخ الكبير عندما طلع علينا أستاذ كبير انتقل من الترجمة إلى التأريخ السينمائى، ولم يوفق رغم الإعجاب الشديد بما نشره، وقد حاول دوما إثبات أن الفيلم الروائى الأول فى السينما المصرية هو «فى بلاد توت عنخ آمون» 1923 وليس «ليلى» وكان الفيلم المقصود إنتاجا غير مصرى صنعه الأجانب لتمجيد اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، كل الوثائق تشير إلى هذا، وللأسف فإن الكثيرين صدقوا ما ذكره الاستاذ غير المؤرخ فى كتابه الذى اعتمد فيه على الصحف والمجلات دون مشاهدة الأفلام، عليه فإن الهدف الرئيس هو اعادة اكتشاف وإعطاء عزيزة أميرة ما تستحق عن دورها الوطنى والسينمائى، وهى سيدة زاخرة بالتاريخ.. حتى لا ننسى والدليل على ذلك فيلم «الورشة» الذى يجب أن نراه مجددا.

التعليقات