ما زلت أتعجب من أسعار المصايف فى الساحل الشمالى سواء للاستخدام أو للاستثمار. تعجبى ينبع من قناعتى أن قرار المصيف فى الساحل الشمالى بحد ذاته هو قرار اتخذه كل عام بصعوبة. هو بالنسبة لى يعنى بالطبع الاستمتاع بما يقدمه الساحل الشمالى من أجواء وتجمعات للأهل والأصدقاء ولكنه أيضا يعنى تجربة عالية المخاطر من عدة زوايا، منها الطريق الساحلى الذى يحصد عشرات الارواح كل عام والغياب شبه الكامل للرعاية الصحية الجيدة على طول الساحل. وبينما ممكن أن أتفهم أن تلعب الحكومة دور المطور العقارى فى بعض مناطق الساحل الشمالى بغرض دفع التنمية فى تلك المنطقة الواعدة لتصبح منطقة عامرة طوال العام، ولكن لا يجب أن يتم ذلك على حساب قيام الحكومة بدورها الأساسى والضرورى فى توفير خدمات أساسية للمواطنين. فبينما تم رفع مستوى عدد كبير من الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والصرف الصحى والتأمين، تتبقى خدمتان فى منتهى الأهمية وغيابهم يشكل خطورة حقيقية ولذلك يجب أن يكونوا على رأس أولويات مخطط التطوير الحكومى فى المنطقة. الأولوية الأولى هى رفع كفاءة طريق الساحل ليصبح طريقا آمنا، والثانية هى تطوير عدد من المستشفيات التى تخدم الشريط الساحلى حتى تصبح مراكز طبية يُعتمد عليها.
قد يبدو للقارئ أن ذلك من ضمن الرفاهيات، خاصة فى دولة مازال أمامها طريق صعب فى توفير أساسيات الحياة لمواطنيها، وكيف لها أن تترك ذلك لتهتم بتطوير خدمات لمصطافين يستخدمون مكانا بشكل موسمى غير دائم؟ ردى على هؤلاء ينقسم لشقين:
أولا: إذا نظرنا إلى تطور المنتج السياحى فى باقى دول حوض البحر المتوسط أو حتى فى مدن البحر الأحمر لدينا، فإن وجود مستشفيات مجهزة لخدمة السياحة هناك؛ مثل غرف تنظيم الضغط التى يحتاجها الغواصون، يعطى الطمأنينة للسياحة الخارجية الوافدة. وبالتالى عدم وجود مثل هذه الخدمات يعرضنا لخسارة السائح لصالح دول أخرى أكثر جاهزية لاستقباله. تسبب عدم استقرار الاحوال فى المنطقة وفى العالم بسبب الكورونا وأسباب أخرى فى زيادة أعداد السائحين الوافدين من دول الخليج ولبنان إلى الساحل الشمالى. دورنا أن نحافظ على معدلات السياحة كمورد للعملة الصعبة. فبينما اهتمامنا بهذه الأساسيات يؤدى إلى زيادة معدلات إنفاق السائح والاستفادة منه، فغيابها أيضا يهدد بخسارة هذا السائح لمدن ساحلية أخرى أكثر تطورا.
ثانيا: بغض النظر عن السائحين، فعندما تكون حياة المواطن المصرى وصحته فى الميزان فيجب أن تتحدد الأولولية على هذا الأساس. فما بالك اذا كانت حياة عشرات الآلاف. فطالما أن الحكومة تحدد أسعار الأراضى وتتلقى القيمة التى تطلبها فيها فإن ذلك يضع التزاما على الحكومة بتطوير المنطقة لتصبح آمنة وقابلة للسكن والاستخدام. مع تطوير مدينة العلمين الجديدة الذى يشمل تطوير طريق جديد متعدد الحارات وإنشاء مستشفيات وجامعات وغيرها من العناصر المهمة لهذا المشروع الضخم، فإن حالة الطريق الحالى ومستوى الرعاية الصحية المتوافرة حاليا يجب أن يرتقيا للحد الأدنى المقبول، دون انتظار اكتمال مدينة العلمين الجديدة.
يعانى الساحل الشمالى من سوء تخطيط تراكم لعشرات السنوات. الاستخدام الطولى للشريط الساحلى مع احتكار مساحات كبيرة من الشواطئ داخل قرى بدلا من تركها للاستخدام العام يجعل الساحل الشمالى من أغرب المجتمعات العمرانية حول العالم. فى هذا السياق فعند اكتمال مدينة العلمين الجديدة سيكون ذلك بمثابة تصحيح من بعض الخطايا التى ارتكبت فى هذا الساحل ذى الجمال المتفرد. فى ظنى أن مدينة العلمين ستصبح أحد أكثر المجتمعات الجديدة جذبا وإذا تم تطويرها بنجاح فستكون محطة جذب سياحى وتنموى داخلى على مدار العام. رجائى الوحيد ألا ينصب تركيزنا على هذا الهدف وننسى أن فى هذه الأثناء هناك من يسكنون القرى الممتدة بطول شريط الساحل ويتوجب علينا مراعاة سلامتهم وصحتهم. أتمنى أن نخطط ليكون طريق الساحل قد تم رفع كفاءته ومعدلات أمانه وأن يكون قد تم تطوير مستشفيات المنطقة ليصبح هذان العنصران جاهزين بحلول الصيف القادم بإذن الله.