مع إعلان حمدين صباحى المفاجئ خوضه سباق الانتخابات الرئاسية، يبدو أننا أمام احتمالين لا ثالث لهما، إما أن حمدين لديه معلومات مؤكدة بأن المشير عبدالفتاح السيسى لن يرشح نفسه، وأنه قرر الاستمرار فى منصبه كوزير للدفاع ورفض جميع الضغوط التى تدفعه للترشح، وبالتالى أقدم حمدين على هذه الخطوة.. أما الاحتمال الثانى فهو أن حمدين لا يعرف مثلنا بالضبط ما إذا كان السيسى سيترشح أم لا، ولكنه قرر أن يخوض هذه المغامرة والرهان على أن السيسى لن يترشح!
أيا كانت حسابات حمدين الانتخابية ودوافعه السياسية، فهو مطالب الآن بأن يشرح لجمهور الناخبين لماذا تراجع عن تصريحاته السابقة التى أكد فيها أنه لن يرشح نفسه لانتخابات الرئاسة أمام السيسى، وهو مطالب أيضا بأن يكشف لنا بالتفصيل لماذا لم ينتظر عدة أيام حتى يعلن السيسى موقفه النهائى، كما أن عليه أيضا أن يوضح للناخبين موقفه إذا ترشح السيسى، وهل سينسحب من سباق الرئاسة حفاظا على وعوده السابقة أم لا، وهل لديه أسباب وجيهة للتراجع عن هذه التصريحات والاستمرار فى الانتخابات ضد السيسى، وما هى هذه الأسباب؟
بدون أن يكشف حمدين أسرار هذا التغيير الكبير فى موقفه من السيسى، فإنه سيغامر بمصداقيته السياسية لدى جمهور الناخبين، وسيبدو الرجل صيدا سهلا لكل أعدائه الذين يتهمونه بأنه لا يسعى إلا إلى تحقيق حلمه القديم بالوصول إلى القصر الجمهورى، والجلوس على عرش عبدالناصر، وأنه ليس أكثر من عاشق للسلطة، لا يكترث لوعوده إذا ما وقفت عقبة فى طريقه، وأن الرجل يحرق كل مراكبه وأوراقه، فمن ينتخب مرشحا يتراجع عن وعوده؟ وأنه كتب على نفسه خسارة الانتخابات قبل أن تبدأ!!
قد لا يمتلك حمدين المزيد من الوقت ليعيد تصحيح أوضاعه، فكلها بضعة ايام ويعلن السيسى موقفه النهائى، حيث يشير الكثير من المؤشرات إلى أن الرجل قرر بالفعل خوض الانتخابات، وقد يطرح مؤيدو حمدين ساعتها انسحابه من السباق وخوضه المعركة الانتخابية كنائب للسيسى مثلا، أو ضمن فريق رئاسى، ولكن ساعتها أيضا ستثار التساؤلات حول مصير برنامج حمدين الانتخابى، وحول أصوله الفكرية الناصرية، وهل يضحى بهما حمدين قربانا للوصول إلى القصر الجمهورى نائبا للرئيس، وليس الرئيس نفسه..!
الانتخابات القادمة ستعقد ونحن نعيش فترة سيولة سياسية وفكرية حادة، لا أحد فى الحكم أو فى المعارضة يقف على أرضية ثابتة، هناك حراك اجتماعى صاخب بدون مؤسسات ديمقراطية تضبط إيقاعاته وتوجهاته، وكل الاحتمالات مفتوحة على مصاريعها، الثابت الوحيد فى كل هذه المتغيرات أن شعبا جديدا يولد فى مصر لن يبتلع مرة أخرى أى نوع من الاستبداد ويكتسب وعيا سياسيا متزايدا منذ ثورة يناير وحتى الآن، خلال ثلاث سنوات طويلة، احترقت خلالها وجوه شائهة، وسقطت أثنائها شعارات زائفة، بما يؤكد أن المنظومة السياسية الثقافية التى تعودنا أن نعيش تحت قيودها آلاف السنين قد سقط بغير رجعة، وأن نظاما جديد يواجه ولادة متعثرة، ولكنه سيرى النور إن عاجلا أو آجلا.
ورطة حمدين الحقيقية أنه ينتمى إلى زمن ناصرى حقق انتصارات صاخبة ومنى بهزائم مروعة بآليات غير ديمقراطية، ويريد أن يخوض بأفكاره الناصرية معارك المصريين ضد الفاشية الدينية والعسكرية، دون أن يقدم لنا رموز هذا العصر أى مراجعات فكرية تحل ازمة الفكر الناصرى وتناقضاته الداخلية الكبيرة بين فكرة تحالف قوى الشعب العامل فى تنظيم واحد، وبين فكرة التعددية الحزبية، بين ثورة يوليو التى أسست لنظام ديكتاتورى فى مصر وثورة يناير التى ثارت أساسا ضد الديكتاتورية.. بين زمن عبدالناصر وزمن حمدين!