لأنه بل لأننا لم نتعلم أن نعترف بالخطأ بدا الأمر شديد الصعوبة عليه وعلى الجميع.. فهذه مجتمعات اعتادت أنا تعترف بأى خطأ مهما كان صغيرا أو حتى جسيما.. كبر الخطأ حتى أصبح بحجم الأرض.. راح البعض يردد أنه واضح جدا كيف يستطيع المرء أن يغطيه، أن يدارى عليه، أن يتصور أن العالم لم يعد صغيرا جدا وشديد التقارب والترابط، بل والأدوات متسعة كلها للتواصل ونشر الأخطاء قبل الأمور التى تسر.. فوسائل التواصل والإعلام أصبحت أدوات لحروب متنوعة كما قال ذاك الواقف عند حافة الخطأ مدركا أن الكلام مهما طال والحكايات المحبوكة بشىء من الطفولية أو الدعائية التى أكل عليها الزمن، يدرك أنها لا تستطيع الصمود أمام قوة الصورة والحدث المنتشر ووسائل التواصل الاجتماعى المتنوعة.
***
يبقى الخطأ أكبر من أن يهمل أو ينسى رغم أن البعض عرف أن الاعتراف بالخطأ هو الطريق الأقصر لقفل الملفات العالقة. هم تعلموا فى ثقافات مختلفة ــ تعرف أن الخطأ يطارد الخاطئ مهما مر من الزمن، ويعرفون أن الإعلان عنه قبل الآخرين من الأعداء وأشباه الأصدقاء أو أصدقاء المصالح الآنية يعنى أنه خطأ يزول فيما الأخطاء الأخرى تبقى عالقة بالمخطئ.. رغم أن دينهم بل أديناهم كلها بدأت من هنا.. كلها انطلقت من هذه الأرض المعمدة بالأخطاء منذ أول الخليقة، منذ الفصل الأول للجريمة أو الخطأ.. راحت آلهتهم ورسلهم تكرر أنما البشر خطاؤون.. فقط الأنبياء لا غيرهم لا يعرفون الخطأ وهذا زمن شحت فيه النبوة ورحل عنه الأنبياء والملائكة ولم يبق سوى بعض البشر كثيرى الخطأ وكثير من الأشرار الذين ربما لم تعلموا أنهم يستطيعون أن يكرروا الجرائم والأخطاء دون محاسبة من أحد ودون عقاب ودون حتى اعتراف واعتذار وهو أضعف الايمان.
***
يحدث أحيانا بل كثيرا أن يعترف شخص بالخطأ فيكون بذلك قد حقق فضيله؛ فهكذا يقول مثلنا الشائع الذى يردده الكثيرون دون ادراك لمعناه العميق ودون ممارسة له.. فقط كما كل أشيائنا الأخرى ترديدا لحكم وأمثال ذات معانٍ عميقة ونبيلة فقط للاستعراض العام لعضلات اللغة العميقة والبالغة الفتنة.. أليست اللغة العربية أكثر اللغات فتنة وجمالا وغزارة؟ ربما لكل ذلك يمارس الكثيرون الكلام أكثر من الفعل وتكرار الاعترافات الممسوخة دون الايمان الحقيقى بمعنى أن تعتذر عن الخطأ فلا تكرره ولا تعيده ولا تمر عليه مرور الكرام خاصة وهو مغمس بآلام كثيرة ونتائج فى الكثير من الأحيان وخيمة.
كثير ما يكون الخطأ شخصيا أى بين شخص وآخر ولكن عندما يشمل أكثر من شخص وأكبر من جماعة، هنا يتحول الأمر إلى مسألة غاية فى الصعوبة وفى الوقت ذاته غاية فى الأهمية فيبدو أن الاعتراف بالخطأ هنا على درجة أعلى من الأهمية وهنا يتضح مدى فهمنا لمعنى ثقافة الخطأ لدينا بمعنى أن نبدأ بالاعتراف ثم الاعتذار ثم التعويض إذا لزم ومن بعدها الوعد بعدم التكرار وإلا بقينا كما نحن نعيد تكرار أخطائنا دون خوف من العقاب وبإحساس عميق بأننا جميعا قادرون على الخطأ وعلى الهروب منه ومن مسئوليته.
***
تبدو تلك الثقافة المعادية أو المتعارضة حتى على ما نصت عليه كتبنا الدينية، تبدو واضحة من تعليمنا الأول أى فى المدارس والفصول الدراسية الابتدائية وفى تربيتنا الأولى عندما لا يعترف المدرس أو المدرسة بأخطائهم، عندما لا يعلمون الأطفال فضيلة الاعتراف والاعتذار وربما التسامح من بعدها الموازية للاعتراف. فدون التسامح والقبول بالخطأ تبدو العملية بأكملها ناقصة فإذا كنت سأعترف بخطئى مدركة أن ذلك لن يؤتى بأى نتيجة ما فقد ينتج عن ذلك الاحساس بعدم جدوى الاعتراف رغم أن الاعتراف بحد ذاته ليس بحاجة لأن يغفر الطرف الآخر بل هو أن يتطهر بعضنا من بعض أو كثير من أخطائنا وفى ذلك ما يكفى ربما!
***
أحيانا يذكر أو يؤنث فعل الخطأ وتبدو نساؤنا أكثر قدرة على الاعتراف بالخطأ والاعتذار وربما الوعد بعدم التكرار والتعويض النفسى أو العاطفى، فيما ثقافة الذكورة المنتشرة لا تسمح بذلك فيبقى الذكر ممثل بالرجل العادى حتى أكبر مسئول وحاكم على قدر كبير من التعالى على الاعتراف بالخطأ بل وعدم السماح حتى بالحديث عنه. وهنا يبقى التفاوت المنتشر فى المجتمعات حتى فى أصغر التفاصيل الحياتية..
***
الاعتراف بالخطأ فضيلة قال ذاك الجالس فى تلك الغرفة المعتمة يبحث عن معنى لكل ما حدث ويحدث وهو يحدث نفسه كم قلنا لهم.. كما رددنا ليتنا نعترف ربما نوقف هذا الانزلاق نحو قاع الهاوية.