رياح الصيف الساخنة - أحمد ماهر - بوابة الشروق
الأحد 29 ديسمبر 2024 12:02 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رياح الصيف الساخنة

نشر فى : الأحد 12 يوليه 2009 - 8:57 م | آخر تحديث : الأحد 12 يوليه 2009 - 8:57 م
هجم الصيف بكل أسلحة الحرارة والقيظ والرطوبة فحاول الكثيرون الهروب إلى المصايف بعضهم بصعوبة بسبب آثار الأزمة الاقتصادية والمالية التى أصابتنا كما أصابت غيرنا رغم تصورات مبدئية غير مبررة بأننا قد نكون لأسباب مجهولة فى مأمن منها. وفى نفس الوقت ارتفعت فجأة حرارة الأحداث فى أنحاء كثيرة من العالم شهدت انفجارات مختلفة الأسباب والأحجام.

فى العراق مثلا ــ ذلك البلد الشقيق العزيز علينا جميعا ــ اقترن انسحاب القوات الأمريكية الغازية بعد أن تصورت أنها أتمت مهمتها التى رسمها لها زبانية بوش الابن فى تدمير الدولة وتعميق الفجوة بين أبناء الوطن، اقترن ذلك بتصاعد وتيرة العنف المريب الذى تسقط ضحايا له أعداد متزايدة من العراقيين.

وكأن هناك من بقايا دخول صانعى سياسة بوش الخرقاء من يريدون أن يخلقوا الذرائع لتدبير فعلتهم النكراء بالادعاء بآلة الانسحاب ــ أو بدايته ــ سياسة الملاطفة، وأن ما شرع فيه الرئيس الجديد أوباما انطلاقا من فكر جديد ورغبة فى مصالحة العالم هو خطأ. وهناك من ناحية أخرى ولأسباب أخرى لعلها لا تكون كلها مرتبطة، وإن كان هناك من لا يتخلون عن نظرية المؤامرات الدولية أو المؤامرة الدولية متشعبة المناحى متنوعة الأشكال، هناك ما حدث فى إيران وتحدثنا عنه وقد تختلف التوصيفات له ولكن أحدا لا يختلف فى أنه حدث جلل رأه البعض إيجابيا والبعض الآخر وصفه بالسلبى، وتصور البعض أنه قد ينتج فى النهاية ايجابيات حتى إذا اختلف تصور معنى الايجابية بين من يأملون فى أن تعنى نهاية نظام، وبين من يعتقدون فى إمكانية تطور النظام فى أساليب تعامله مع العالم. وهناك اضطرابات الصين التى تعيد إلى الحياة فتنا دينية وعنصرية عانت منها دول كثيرة وكنا نتصور أن الصين قد استطاعت أن تتجاوزها كما تجاوزتها من قبل دول أخرى عانت منها كثيرا.

وهناك الصومال، وارهاصات سلبية فى السودان، وفى اليمن، واستمرار الاضطرابات فى السودان، والأوضاع فى أفغانستان، وفى بعض أمريكا اللاتينية، إضافة إلى تصاعد نزعات عنصرية فى أوروبا تأخذ أشكالا مختلفة ولكنها فى الكثير منها تتجه إلى المسلمين انطلاقا من روح كنا نتصور أن أوروبا تخلصت منها وهى رفض الآخر وتجريمه لمجرد أنه مختلف وذلك رغم ما تصورناه أنه انتصار لا رجعة فيه لقوى الليبرالية الفكرية التى قالوا لنا إنها انتصرت بعد هزيمة النازية وفشل الشيوعية فى الوفاء بوعودها حول نوع جديد من الديمقراطية بفصل بين السياسى والاجتماعى.

ويستمر العدوان الإسرائيلى على فلسطين، عدوانا دمويا فى أحوال كثيرة، وملتحفا فى كل الأحوال بادعاءات الانتماء إلى القرب فى منظومة تزعم أنها حضارية وتقف ضد أطراف لا تطالب إلا بما تستحقه فى مواجهة حرمان من حقوقها الوطنية والقومية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتحاول إسرائيل فى كل هذا أن تختلق أخطارا وهمية لتكسب من تتصور أنهم ــ تحت أى ظرف من الظروف ــ يمكن أن يتحالفوا معها وهى فى ذلك واهمة ولكنها تستمر فى المحاولة.

ولا أتصور فى مواجهة كل ذلك كيف يظل الفلسطينيون منقسمين يتصارعون على كعكة غير موجودة وقد يأكلها فى غيبة وحدتهم آخرون يطمعون فيها، ولا أتصور كيف لا تحدث المصالحات العربية التى يصبو إليها كل عربى يؤمن بوطنه وبأمته والتى كلما تفتحت طاقة الأمل فيها رأينا القطارات لا تتوقف فى المحطات المطلوبة بل تستمر فى مسارات محفوفة بالمخاطر نحو آفاق مجهولة وقد تكون مسدودة أو هى فى الأغلب كذلك.

كل هذه أمور تزيد من معاناة الصيف اللامع إذا نظرنا إلى الخارج أما فى الداخل فهناك أيضا نوع من الاحتقان خاصة فى أسلوب الحوار وهو ما سبق أن تحدثت عنه، فالبعض يتصور أنه يمتلك الحقيقة الكاملة المطلقة، فيهاجم كل من لا يتفق معه ويتفاخر بأمجاد يدعيها لنفسه وهى ليست له ويستخدم أسلوبا فى الهجاء لا يليق إلا فى حوارى العشوائيات، لمجرد أن منبرا اتيح له يملأ صفحاته كأنها ملك خاص له وليس لأمة تعانى من الكثير وتحتاج إلى جهد متعقل طالما دعا إليه رئيس الدولة الذى لولاه (وليس هذا نفاقا بل هو قول حق عن تجربة) لكان ما نواجهه من مصاعب ومتاعب قد تضاعف.

وأعجب كثيرا من أنه بينما باب الحوار مفتوح إلى درجة غير مسبوقة ــ رغم بعض أخطار المهنة ــ فإن البعض يختار الحدة على العقلانية ويحاول أن يضفى القداسة على أفكاره وآرائه فى نفس الوقت الذى ينفيها بحق أحيانا، عن الآخرين (ولكنه حق يراد به باطل)، بينما ما تحتاج إليه الكلمة العفيفة والفكر المستنير، وروح المصالحة حتى مع الاختلاف، إعمالا لمقولة إن قولى صواب يحتمل الخطأ، وقول الآخرين خطأ يحتمل الصواب، إذ إن هذا الاسلوب وحده هو الذى يفتح امام الوطن، الذى لا أتصور أن أحد ابنائه ــ إلا بعض الضالين ــ يريد له إلا الخير الذى تتضح معالمه من نقاش حر عميق ومهذب لا يلجأ إلى التخوين أو إلى التجريح، ونحن نرى نماذج لهذا الاسلوب نتفق معها أو نختلف ولكننا نعتز بها لأنها تضيف إلى الزاد العام ولا تنتقص منه، وتكون الأفكار كطرف سلك الكهرباء السالب والموجب يصدر عن اتصالهما الكهرباء التى تنير المصابيح التى نحتاج جميعا إلى ضوئها لكى نسير نحو مستقبل أفضل وسط مخاطر لن تصيب الذين ظلموا (بفتح الظاء) وحدهم.
أحمد ماهر  وزير خارجية مصر الأسبق
التعليقات