فى الصيف حيث يجب أو يستطيع البعض التمدد على الشواطئ ويهرب البعض الآخر إلى الكبارى عابرة النهر متلمسين بعض النسيم ينقذهم من حرارة الجو وربما من حرارة الأحداث، فإن الكتابة يحسن أن تكون خفيفة الوزن قليلة الحجم حتى إذا كانت تمس موضوعات مهمة أو عميقة، ويزيد من هذه الحاجة ضرورة الالتزام المادى والمعنوى بما تقرر من تقليص مساحة صفحة الرأى لإتاحة الفرصة لبعض التسلية المفيدة التى قد تسهم فى إزالة ما تراكم من هموم شتاء وربيع اكتظا بأنباء الأزمات ـ داخلية وخارجية ـ والفيروسات والأوبئة والشائعات المقلقة المزعجة التى إن كانت صحيحة أم لا ـ لم تستسلم لتطمينات جاءت على خجل.
(1)
سعدت بعقد قمة الدول غير المنحازة مرة أخرى فى مصر بعد أن كان الحظ قد أسعدنى بالمشاركة كدبلوماسى حديث فى المؤتمر الذى عقد فى 1964 بجامعة القاهرة وحضره عمالقة أدركوا حينئذ أنه فى مواجهة عالم منقسم إلى كتلتين تستطيع كل منهما أن تفرم العالم أو تدمره وإذا اشتبكنا ينطبق مَثَل «أن صراع الأفيال يعانى منه الحشيش» الذى يجعلونه حلبة قتالهم. انعقد المؤتمر الخامس عشر بعد أن تغير العالم، وأصبح معنى عدم الانحياز مختلفا إلى درجة أن البعض اقترح تغيير الاسم، ولكن الغالبية فضلت الاحتفاظ بالاسم لأهميته التاريخية مع تغيير مضمونه وفاء لكفاح توج بانتصارات كثيرة حفظت للعالم الثالث بعض حقوقه، ووفاء لعظماء مثل عبدالناصر ونهرو وتيتو وشوين لاى وغيرهم كتبوا صفحات من نور رغم كبواتهم أحيانا وتنوع مشاربهم وأيديولوجياتهم فى أغلب الأحيان. وقد أسعدنى نجاح المؤتمر ليس فقط بما صدر عنه من وثائق ــ هى بالقطع أطول مما يستطيع الشخص العادى قراءته ــ ولكنها على أية حال تؤكد معانى كانت تحتاج إلى تأكيد، ولكن لأنها أتاحت فرصا للقاءات ثنائية بين من لم يكن يتاح لأطرافها أن يجتمعوا لولا المؤتمر.
ولكن أقلقتنى مقولة إن المؤتمر أقر الوثائق دون اختلاف. وقد يرجع ذلك إلى عمل تحضيرى عميق استقر أخذ شهورا بل سنوات قام به فى جميع المجالات دبلوماسيون نابهون، ولكنه قد يحمل شبهة أن البعض لا يأخذون هذه الوثائق مأخذ الجد، فيصبح مصيرها مصير الكثير من القرارات الدولية التى ما إن تصدر بعد جهد جهيد وتأخذ رقما يحفظه الكثيرون وحتى توضع فى أدراج تغلق عليها، ولا يبقى منها إلا الأرقام تتقاذفها الألسن لأغراض الدعاية أو المناكفة دون أن تأخذ طريقها إلى خارج الأدراج وإلى العالم الواقعى.. واعتقد أن أهم قرار تصدره القمة هو الاتفاق على البدء الجدى فى إصلاح النظام الدولى سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ويحتاج هذا من الدول النامية أن تتخلص من كثير من مشاعر الغيرة والتنافس غير المبرر، وأن تدرك أن مصالحها فى النهاية واحدة أو على الأقل غير متناقضة؟؟؟؟؟؟؟؟ أحسن التنسيق على أسس واقعية وعلمية.
(2)
كنت مشفقا على الصديق العزيز الدكتور عبدالمنعم سعيد الذى اتفق مع آرائه أحيانا وأختلف معها كثيرا، دون أن يؤثر ذلك على الاحترام المتبادل بيننا.. كنت مشفقا عليه من ثقل المسئوليات الإدارية التى سيتحملها كرئيس لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام الضخمة والعريقة، واحتمال أن تؤثر على نشاطه الفكرى الثرى والذى يثرى الساحة السياسية، ولكنى شعرت بالسعادة والاطمئنان عندما اكتشفت أن قدراته الإدارية هى إضافة إلى قدراته الفكرية كما اتضح من مقالاته الأخيرة، ومن حديثه الممتع مع المذيعة اللامعة القديرة منى الشاذلى على قناة دريم.
(3)
فى كل منصب شغله ترك الصديق عمرو موسى أثرا ملموسا، ولكن أهم أثر سوف يتركه هو تلك اللوحة التى أمر بوضعها فى صدر قاعة الاجتماعات الرئيسية فى جامعة الدول العربية «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». لعل المسئولين العرب حين يجتمعون يتذكرون أن أهم تغيير يحتاجونه هو أن يتجاوزوا الخلافات بينهم التى لا تعدو كونها ثانوية فى مواجهة الأخطار التى يواجهونها من أعداء، بعضهم سافر وبعضهم يخفى حقيقته كذئب فى ثياب الحملان، بينما بعض من يمكن أن يكونوا أصدقاء يهمل أمرهم لأسباب لا تبدو مقنعة.
(4)
صحيح أن مصر ملتزمة بمقتضى معاهدة القسطنطينية بتوفير حق المرور البرئ فى قناة السويس لجميع الدول، وأن ذلك لا يستثنى إلا الدول التى تهدد أمن مصر القومى ــ أى فى حالة حرب معها ــ وصحيح أن المعاهدة المصرية الإسرائيلية تؤكد هذا الحق بالنسبة للسفن الإسرائيلية، ولكن هذا لا يمنعنا من أن نقول إن مرور السفن الحربية الإسرائيلية فى القناة ذهابا وإيابا بشكل لافت فى الظروف الحالية التى تهدد فيها إسرائيل إيران، ويبدو نائب رئيس أمريكا يؤيدها فى تهديدها، هذا المرور استفزاز سياسى يستحق الرد عليه بالأسلوب السياسى المناسب.
(5)
أليس غريبا أن السلطات التى أكدت أنه ليس هناك ما يدعو إلى تأجيل العمرة خوفا من انتشار إنفلونزا الخنازير هى نفسها التى ألغت الموالد الإسلامية والمسيحية خوفا من نفس الفيروس؟