أولا: أسعدنى أن أشارك الأخ حسن عصفور السياسى الفلسطينى البارز الذى أعرفه منذ سنوات، اتفقنا خلالها واختلفنا، دون أن تتأثر صداقتنا وإيماننا المشترك بأن كل الطرق يجب أن تؤدى إلى استرداد حقوق الشعب الفلسطينى، أسعدنى أن أشاركه الظهور فى البرنامج التليفزيونى الدسم الذى يقدمه الإعلامى المرموق جمال عنايت، وكان موضوع البرنامج هو خطاب نتنياهو ردا على خطاب الرئيس أوباما فى جامعة القاهرة. وقبل أن أوجز الرأى فى أحدث محاولات الخديعة لرئيس وزراء إسرائيل، أود أن أشير إلى أننا فوجئنا أثناء البرنامج باتصال تليفونى من الدكتور موسى أبو مرزوق، وهو من أبرز زعماء حماس، تضمن لأول مرة منذ فترة طويلة، ما سماه الأخ حسن عصفور «حديثا تسوويا» «من التسوية» وأسميه أنا رد فعل عقلانى لخطاب الرئيس الأمريكى الذى يبدو أن الكثيرين اقتنعوا بجديته وصدقه وتصميمه على أن يبذل جهدا حقيقيا لتسوية المشكلة الفلسطينية على أساس من العدل والمنطق والقانون. فقد ذكر الدكتور أبو مرزوق أن عملية السلام لا تتوقف على خطاب نتنياهو، وأشار إلى قرار حماس السابق بالموافقة على أن يتولى أبو مازن بصفته رئيس السلطة الفلسطينية التفاوض مع إسرائيل على أن تعرض نتائج المفاوضات ــ إذا تحقق منها شىء ــ فى استفتاء على الشعب الفلسطينى الذى تكون له ــ كما هو طبيعى ــ الكلمة الأخيرة.
ولعل هذا الموقف الذى جاء توقيته متوافقا مع لقاء الرئيس الأسبق كارتر مع السيد أبوهنية الذى يقال عنه رئيس الوزراء المقال والذى ما زال يباشر السلطة فى قطاع غزة إلى حين إعادة توحيد الصفوف الفلسطينية، لعل ذلك اللقاء وهو أول لقاء لشخصية أمريكية مع ممثل رسمى لحماس، يؤكد أن تطورا فى الموقفين الأمريكى والحماسى قد أينعت قطوفه، نتيجة ــ فى تقديرى ــ للجهود المصرية نحو توحيد الفلسطينيين، وإيذانا بأن تلك الجهود أوشكت على أن تصل إلى غايتها، بعد أن أدرك الجميع أن الاستفادة من الموقف الأمريكى الجديد تتطلب موقفا عربيا وفلسطينيا يتجاوز الخلافات ويتمسك بالثوابت تمسكا يزيد من مثاليتها، خاصة بعد أن كشفت تصريحات أوباما ثم وزيرة خارجيته وخطاب نتنياهو عن اختلاف فى المواقف، يجب أن نستفيد منها. وقد حاول الإسرائيليون أن يحيطوا خطاب رئيس وزرائهم بهالة مزيفة من ادعاء حدوث تطور إيجابى فى المواقف، لمجرد أنه تحدث عن دولة فلسطينية، بعد أن كان يؤكد أنه واتلافه الوزارى يرفضون قطعا تسوية تقوم على دولتين، وقد علق أوباما على ذلك بالقول بأن قبول فكرة الدولة الفلسطينية هو بعض التقدم، وإن كان أشار أيضا إلى أن ذلك لا يكفى، وقد تصور الكثيرون أن تصريح الرئيس الأمريكى فيه تراجع، ولكن الواقع أن الاختلاف بين الموقفين الأمريكى والإسرائيلى يبقى كبيرا وواضحا، وهذا لا ينفى أن الإسرائيليين سوف يسعون بمساعدة أصدقائهم فى واشنطن وبلعبة «الثلاث ورقات» التى يجيدونها لمحاولة زحزحة مواقف من المواقف الأمريكية الجديدة، وأن هذا سوف يقتضى ــ كما سبق أن ذكرت وذكر الكثيرون ــ جهدا عربيا قويا وعميقا وموحدا حتى تستمر الأمور فى التحرك نحو إفشال استمرار محاولات الخديعة الإسرائيلية بتوفير أكبر قدر من الضغط الدولى استفادة من التطور فى الموقف الأمريكى ــ الذى يجب الحفاظ عليه وتطويره.
ومادمنا قد ذكرنا أن موضوع اللقاء التليفزيونى كان خطاب نتنياهو، فعلىّ أن أشير فى عجالة إلى نقاط أساسية، بعد أن كشفنا وكشف العالم العملة المزيفة التى حاول استخدامها كغطاء لعملية نصب سياسية اعتاد عليها:
1ـ لقد تحدث عن دولة للفلسطينيين، دون أن يشير إلى حدودها التى هى بالضرورة حدود 1967، وأرادها أقرب إلى البانتوستان منها إلى دولة، وهو يتحدث عن إسرائيل كدولة يهودية، بمعنى أن يطرد منها كل من هو غير يهودى، إما بإلقائهم فى البحر أو دفعهم إلى الدويلة منزوعة السلاح، وغير ذات سيادة حقيقية، وغير محددة المكان والحجم، والتى يريد أن يعود إليها اللاجئون الفلسطينيون الذين طردتهم إسرائيل من ديارهم. ونتساءل: أى دولة تلك التى يريدها للفلسطينيين بعد أن يحرمهم أيضا من عاصمتهم الطبيعية وهى القدس.
2ـ أما المستعمرات التى أقيمت بالمخالفة لكل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية، فإنه لا يريد الإبقاء عليها فحسب، بل يريد استمرار التوسع فيها على حساب ما يسميه بالدولة الفلسطينية والتى أوضحنا تصوره لها محرومة من كل مقومات الدولة الحقيقية.
وفى مقابل ذلك، فإنه يريد تطبيعا فوريا للعلاقات مع الدول العربية تحت ستار استعداده لزيارتها، وهو يعرف أن زيارته حتى للدول التى ترتبط بإسرائيل بمعاهدات سلام غير مرحب بها، ويريد الحصول على مساعدات اقتصادية من الدول العربية تساعده على استمرار اغتصابه للأرض وعدوانه على أصحابها.
وإضافة إلى ذلك كله، فإنه يدعى وجود اتفاقات سرية أو تفاهمات بين إسرائيل والإدارة الأمريكية السابقة حول المستعمرات، وقد يخترع مستقبلا موضوعات أخرى يدعى أنها محل تلك التفاهمات (ولعله يتحدث عن لقاء بوش ــ شارون فى 2004). وعلى أى حال، فقد سارعت وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون إلى نفى وجود اتفاقات أو تفاهمات حول التوسع فى المستعمرات، وبقى أن يتم أيضا إيضاح الموقف الأمريكى من موضوعات أخرى وردت فى الرسائل المتبادلة بين بوش وشارون وهى رسائل مخزية فى توقيتها ومضمونها، يجب أن تلقى المصير نفسه الذى يواجهه حاليا شارون (اللهم لا شماتة).
ثانيا:
أما بالنسبة لانتخابات إيران ونتائجها والأحداث التى تلتها والتى تدل (رغم بعض ما حدث) على حيوية سياسية كانت بعيدة عن التصور، فإنى أواجه بشأنها نفس المأزق الزمنى الذى أشرت إليه، والذى كان من رأى بعض الأصدقاء بسببه أن أؤجل الكتابة عنها، لأن النشر كان سيلى بأيام تاريخ الكتابة، وسيأتى بعد ظهور النتائج. ولكننى لست نادما على أننى صممت على نشر ما كتبت وأشرت فيه إلى أننى «لمست خلال متابعتى الحملة الانتخابية فى طهران أنها رغم حرارتها وعنف الاتهامات المتبادلة جرت فى الظاهر على الأقل فى جو من الحرية التى تشير إلى احتمالات تطورات يمكن أن تكون إيجابية بدرجة أو أخرى مهما كانت النتيجة التى مهما كانت فإنها قد تدفع أيا من الناجحين إلى الاتجاه نحو تخفيف التوترات الداخلية والخارجية». وأضيف الآن أنه بعد أيام من المظاهرات الصاخبة سقط فيها ضحايا، فإن اتجاها «نحو نوع من التسوية ظهر فى الدعوة إلى اجتماع يعقد بعد كتابة هذا المقال لبحث الشكاوى المقدمة من المرشحين، مما يدل ــ رغم المكابرة ــ على أن سلبيات اختلطت بإيجابيات التنافس. وقد يمتد الأمر إلى اتخاذ قرارات أو إجراءات تخفف من التوتر وتفتح الباب نحو تفاهمات قد يترتب عليها تغيير الأجواء فى اتجاه إيجابى.
ولا أريد أن أضيف، إلى ذلك تكهنات قد أكون مخطئا فيها، ولكننى أشير فقط إلى موقف الرئيس أوباما الذى حرص على نوع من التوازن فى تعليقه على الانتخابات الايرانية، رغم ضغوط الجمهوريين وبعض أعضاء حكومته لكى يتخذ موقفا أكثر تأييدا للمعارضين. وإنه فى ذلك ينطلق من الخشية من أن يؤدى انتقاده الحاد للحكومة أو تأييده الصريح للمحتجين إلى نتيجة عكسية تجعل المعارضين وكأنهم يتحركون بإيعاز من الولايات المتحدة. ولعل الرئيس أوباما يأمل فى أن يؤدى الحراك (وهو تعبير لا أحبه ولكن يبدو أنه أصبح هو المألوف) السياسى الإيرانى إلى التوصل إلى نقاط توازن تؤدى إلى تعديلات فى السياسات تتجه إلى أسلوب جديد للتعامل مع الداخل والخارج. وقد تكون هذه آمال تنبع من «تفاؤل ليس فى محله» ولكنها من ناحية أخرى، قد تتلاقى فى مرحلة ليست بعيدة مع الواقع الذى يتطلب فى تقديرى وتقدير غيرى تفضيل الحوار على الصدام، والتفاهم على الصراع لمواجهة أوضاع دولية وداخلية تتراكم غيومها بحيث تؤثر أحيانا على القدرة على مواجهتها بواقعية لا تتخلى عن المبادئ.